لم تسعدنى إشادات بمقالى الأخير «الأستاذ الغامض» قدر ما أزعجنى مستوى الرد من مريدى الرجل وحوارييه، الذى تجاوز حدود المناقشة للخلط بين الأمور فى محاولة لتبرير ما يردده الأستاذ، وكأن نقده تجرؤ غير مقبول، وكأن كل ما يقوله عبارات سامية لا يجوز الاقتراب منها أو تناولها بالنقد أو الاعتراض عليها. لم يكن الألم من تجاوزات لفظية أو أخلاقية أطلقها مريدو الأستاذ وحواريوه، وإنما من مستوى الإدراك العقلى الذى تهاوى إلى مستويات مثيرة للدهشة، مستوى يرفض مناقشة الرأى بالرأى، مستوى يتعمد خلط الأمور وتوجيه الاتهامات فى محاولة للتخويف بالتخوين بدلاً من المناقشة ومبادلة الرأى بالرأى، مستوى يتعامل مع الآخرين باعتبارهم جهلاء فى الوقت الذى يسمو بذاته فوق كل العقول. ألم يكن الأستاذ هو الذى قدر ثروة مبارك بنحو 11 مليار دولار فى حديث تليفزيونى أقام به الدنيا ولم يقعدها، فى لحظة لم تكن تحتمل إثارة أو تعقيدات إضافية، ثم عجز عن تقديم دليله على ادعائه وقت إحالته للتحقيق، مبرراً ذلك بأنه صحفى وليس قانونياً، وأنه حصل على الرقم من متابعته لصحف أجنبية، ولولا تدخلات عليا لكانت هناك نتائج لا يحمد عقباها. ألم يكن الأستاذ هو الذى قدر وروج لمقولة إن الراحل عمر سليمان خطط لاغتيال رئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوى 3 مرات، وهو الادعاء الذى لم يعلنه الأستاذ إلا بعد وفاة «سليمان» ووسط مرحلة انتقالية بالغة الصعوبة، وأجواء أزمة عنيفة تضرب العلاقات المصرية - لإثيوبية وتهدد مصالحنا الحيوية الاستراتيجية، ورد عليه عمر قناوى وكيل أول جهاز المخابرات مسئول الخدمة السرية السابق فى حوار مع الأستاذ عادل حمودة نافياً الواقعة جملة وتفصيلاً، مدللاً على النفى بقيام «زيناوى» بزيارة مصر 3 مرات خلال هذه الفترة وعقده خمسة لقاءات خاصة مع الرجل، ولو كانت الوقائع صحيحة فكيف كان يجتمع الرجلان؟ وكيف كان يأتى «زيناوى» للبلد الذى خطط لاغتياله؟ ألم يكن الأستاذ هو الذى أعلن فى حوار تليفزيونى عمَّا سماه عملية أمريكية ضد إيران تنطلق من عمان؟ وقام عبدالسلام المحجوب بمعاينة الموقع ثم اتجه إلى واشنطن واجتمع فى لانجلى مع رجال المخابرات الأمريكية ليقنعهم بعدم جدوى العملية، فقرر مبارك طرده من المخابرات وتبين بعد ذلك أن الرجل أكمل خدمته فى الجهاز حتى انتهى عمله وفقاً لقانون المخابرات ولم يطرد، وتم تعيينه بعدها محافظاً للإسماعيلية ثم الإسكندرية. ما يجمع بين هذه الوقائع توقيتات إطلاقها أو الإعلان عنها، وارتباطها زمنياً بلحظات معقدة تختلط فيها القضايا وتتقاطع الأزمات وتتشابك، ويبدو أن السبب من ورائها الرغبة فى تعميق الأزمات وتوسيع نطاقها بإضافة عناصر جديدة إلى نطاقها. السؤال لمريدى وحواريى الأستاذ: ما علاقة كل ما سبق بالدفاع عن مبارك أو تبرير فساده أو الرغبة فى إعادة رموز حكمه لتصدر المشهد؟ وما الصلة بين نقد ما يقوله الرجل وبين الفاسدين الراغبين فى حماية دولة الفساد؟ وما الرابط بين انتقاد الأستاذ وبين اتهام معارضيه بالانتماء إلى مبارك وعصره ورغبتهم فى إعادة دولته؟ نعم، مصر تحتاج إلى خطة إصلاح جذرية لبناء الدولة بمحاربة الفساد وترسيخ دعائم دولة مدنية ديمقراطية، لكنها لم تعد تحتمل ثورة جديدة كما يطالب الأستاذ، السيد الرئيس بالقيام بها، ومصر تحتاج الآن إلى التضافر والتماسك أكثر مما تحتاج لتفجير الصراعات والتناقضات، وهنا مربط الفرس فى الخلاف مع الأستاذ.. الغامض.