وكيل "خطة النواب": رئيس المركزى للمحاسبات لم يحضر للمجلس منذ 10 سنوات    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    متحدث الحكومة يكشف المواعيد الجديدة لقطع الكهرباء خلال فترة الامتحانات: تبدأ غدا    وزير المالية السعودي: عجز الميزانية مقصود ولأهداف تنموية.. وسنواصل الإنفاق الاستراتيجي    نازحون يفرّون من رفح الفلسطينية تحت القصف: صرنا زي الطابة كل يوم في ملعب    نهضة بركان يستعيد مهاجمه أمام الزمالك    ضبط عاطل وراء سرقة مسجد بالشرقية    الكوميديا تسيطر على برومو فيلم بنقدر ظروفك لأحمد الفيشاوى    النيابة تصرح بدفن جثة سيدة دهسها قطار في سمالوط بالمنيا    كاتب صحفي: المقترح المصري للتهدئة في قطاع غزة حظى بردود فلسطينية إيجابية    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    انطلاق قافلة طبية مجانية لمدة يومين في قرية الحنفي بكفر الشيخ ضمن حياة كريمة    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    بيان عاجل.. الكهرباء: تعديل جدول تخفيف الأحمال من الغد.. اعرف المواعيد الجديدة    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    الشامي: حسام حسن علمني الالتزام في الملعب.. وأخبرني أنني أذكره بنفسه وهو صغير    نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يحتلون باحة في جامعة برلين الحرة    البورصة المصرية تربح 11.9 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    كيف يقوم العبد المسلم بشكر ربه على نعمِه الكثيرة؟..د.عصام الروبي يوضح    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئيس الصيني يتعهد ب"عدم نيسان" قصف الناتو للسفارة الصينية في بلجراد    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    وزير الري يتابع موقف المشروعات المائية وتدبير الأراضي لتنفيذ مشروعات خدمية بمراكز المبادرة الرئاسية "حياة كريمة"    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    توقف حركة دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    مدحت شلبي يعلق علي رفض الشناوي بديلًا لمصطفى شوبير    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل حمودة يكتب : هيكل..أسطورة شاخت فى موقعها
نشر في الفجر يوم 19 - 04 - 2014

■هيكل: مليس زيناوى (الميت) يتهم عمر سليمان (المتوفى) بمحاولة اغتياله ثلاث مرات ■
سليمان حقق فى محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا وتأكد من براءة الإثيوبيين ونسب التدبير إلى نائب الرئيس السودانى لكنه رفض بجانب مبارك شن الحرب على الخرطوم «فلا يمكن عقاب شعب على عمل فردى خسيس»


لابد أنك مثلى توقفت عند دعوة رجل تجاوز التسعين من عمره ينتمى إلى ماض بعيد عاصر فيه انغلاق اليشمك ليتحدث عن مستقبل قادم.. يسيطر عليه انفتاح الجينز.

يوم الخميس 10 إبريل 2014 كان هيكل ضيف حوار على لميس الحديدى ليتحدث عن تصوره لما سيحدث.. لكنه.. كالعادة أغرقنا فيما حدث.. طلبت منه أن يتحدث عن الغد القريب فإذا به يعود إلى ماض بعيد.

فى ذلك اليوم كشف هيكل عن جريمة سياسية خطيرة.. ولكنه.. نسبها إلى رجل ميت.. هو مليس زيناوى الرئيس السابق للحكومة الإثيوبية.. واتهم بارتكابها رجلاً ميتاً أيضا.. هو عمر سليمان المدير الأسبق للمخابرات العامة.

كان هيكل (حسب روايته) فى إيطاليا (لم يحدد المدينة والتاريخ) وقابل فى مصعد الفندق (لم يحدد اسمه) شخصا راح يحدق فيه.. وعندما وصلا إلى أحد الطوابق سأل هيكل: "هل أنت مستر هيكل؟".. وعندما أجابه بنعم أضاف الرجل: "إن زيناوى هنا يعالج لأنه مريض".. واستطرد: هل لديك مانع لمقابلته؟.. وبالطبع لم يكن لدى هيكل مانع.. وبعد يومين اتصلوا به.

هنا.. أتساءل: لو كان رجل زيناوى هو الذى طلب المقابلة فلماذا انتظر يومين ليحدد موعدا عاجلا لهيكل؟.. لماذا لم تجر المقابلة فى وقت أسرع؟.. من أدراه أن هيكل سيبقى يومين؟.. أليس الأقرب للاحتمال أن يكون هيكل هو الذى طلب وهو على كل حال أمر مشروع وإن يخلو من الغرور؟

جلس هيكل وزيناوى ومعه أحد مساعديه فى التراس بجوار صالون الجناح الذى يقيم فيه زيناوى وبدأ يشكو مما صنعته به مصر.. "ومنها محاولة اغتياله ثلاث مرات فى عهد مبارك من خلال خطط السيد عمر سليمان".. وعلق هيكل على ذلك بشعوره بالخجل.. وبوصفه الأمر بالخطير.

قصة مثيرة.. بالفعل.. انتظر زيناوى المصاب بمرض ميئوس منه صدفة مقابلة هيكل ليدلى بالسر العظيم.. وكأنه يخصه بوصية.. أو كأنه يخلى ذمته من الدنيا قبل أن يطير إلى الآخرة.. وهنا نتساءل: لو لم تقع تلك الصدفة فهل كان زيناوى سيرحل عن عالمنا دون أن يكشف ما يخبئه فى صدره ويموت عليه خاصة أننا لم نسمع تلك القصة من مسئولين إثيوبيين آخرين بمن فيهم من يكرهون مصر؟

ويزعم هيكل أنه تحرى الأمر بنفسه.. ولكنه.. لا يريد الخوض فيه.. دون أن يبرر إحجامه عن ذكر التفاصيل.. فجريمة اغتيال رئيس دولة مثل إثيوبيا تمد مصر بنحو 85 % من مياه النيل جريمة سياسية من الطراز الأول.. لا يجوز السكوت عليها.. لا يجوز أن يذكرها هيكل بكل هذه السرعة والخفة وهو الصحفى الذى علمنا أهمية التفاصيل.. إن هذه الجريمة قبل أن تكون موجهة إلى شخص زيناوى موجهة ضد مصالحنا الحيوية فى مياه النيل.. المشكلة الصعبة التى نحتار فى حلها.

وليس من عادة هيكل أن يفجر كارثة بهذا الحجم ويمضغها فى كلمات قليلة.. إنه كاتب التفاصيل الدقيقة.. ولو طبقنا هذه الواقعة على أسلوب هيكل فى الكتابة لتوقعنا منه أن يتحدث عن شكل الثياب التى كان يرتديها زيناوى ونوع المشروب الذى قدمه وشكل المكان من حولهما.. لكن.. هيكل أكل الواقعة المفزعة فى كلمات قليلة عابرة على غير عادته وكأنها لم تحدث.

إنها بالفعل.. جريمة خطيرة لا يجوز السكوت عليها.. بل.. ويجب التحقيق فيها.. فربما كانت سببا قويا فى استفحال الأزمة الحادة بيننا وبين إثيوبيا.. كما أنها جريمة تمس نظام مبارك.. فهل كان نظاما يعتمد أسلوب قتل الخصوم إذا ما تفرقت المصالح وتباعدت السبل؟

لقد حاول جمال عبد الناصر اغتيال قائد الجيش المصرى قبل الثورة حسين سرى عامر.. ومن يومها وهو يرفض أسلوب التصفية الجسدية لخصومه فالأهم من تغيير الشخصيات تغيير السياسات.

وحسب ما سمعت من سامى شرف فإن صلاح نصر وهو مدير للمخابرات جاء ليعرض على عبدالناصر اغتيال الزعيم اللبنانى كميل شمعون.. لكن.. عبد الناصر رفض غاضبا.. وكاد يطرد الرجل من مكتبه.

ولو كانت المخابرات وقت مديرها القوى قد تجنبت الاغتيال فلا نتصور أنها تعاملت معه فيما بعد.. بل مؤكد أنها لم تعتمده أسلوبا للتعامل أو للتفاهم.. للعقاب أو للحساب.

والسؤال: لماذا سكت هيكل حتى مات زيناوى وحتى مات سليمان؟.. لماذا لم يتكلم إلا بعد أن تأكد أن جسديهما أصبحا جزءا من أديم الأرض؟.. هل خشى النفى.. ولا أقول التكذيب؟.. أم أن القصة كلها مصنوعة من دخان؟.

ومن جانبى سأستند أنا أيضا إلى شهادة رجل توفاه الله هو عمر سليمان.. كل كلمة أسندها إليه سجلتها على لسانه.. وهنا يمكن التشكيك فيما أقول.. فأنا ألجأ أيضا لشاهد لم يعد موجودا بيننا.. وهذا صحيح.. لكن.. الصحيح أيضا أننى سأدعم شهادته بشهادة مسئول سابق فى المخابرات كان ذلك الملف تحت يديه.. هو اللواء عمر قناوى الرئيس الأسبق لجهاز الخدمة السرية.. وهو متخصص فى الشان الأفريقى منذ بداية عمله السرى.. وكان صديقا شخصيا لزيناوى.. ونجح فى إقناعه كما قال لى بزيارة مصر ثلاث مرات.. ولم يمانع فى نشر اسمه.. وقبل ذلك وصف ما قال هيكل بالخرافة.. ولكن.. بجانب شهادة النفى التى قدمها سأعتمد أيضا على معلومات يصعب الشك فيها.. وسألجأ إلى منطق يستحيل على رجل مثل هيكل خبير بما يدور فى العوالم الخفية لأجهزة المخابرات أن ينكره.

ولنبدأ القصة من أولها.

فى صباح يوم الأحد 25 يونيو 1995.. بالتحديد فى الساعة الثامنة والنصف مساء.. هبطت مطار أديس أبابا (مطار بولى) طائرة نقل حربية مصرية (طراز هيركليز سى 130) تحمل فى بطنها السيارة الليموزين المصفحة الخاصة بمبارك.. وهى سيارة مرسيدس سوداء طراز (560).. ومعها سائق من الرئاسة.. وميكانيكى.. وخبير مفرقعات.. وكان فى استقبالها القنصل العام فى أديس أبابا الدكتور عادل عبد اللطيف.

السيارة ليست ضد الرصاص فقط وإنما ضد الألغام الأرضية وقاذفات البازوكا والأر بى جى أيضا.. ويسمح الزجاج لحارس فى داخل السيارة بإطلاق النار على هدف خارجها.. لكن.. يستحيل دخول الرصاص من خارجها.. ويصعب كذلك اختراق الإطارات.

فى الساعة الثامنة إلا ربع من صباح اليوم التالى وصلت طائرة مبارك.. ولكن.. سلطات المطار استبقتها فى الجو ربع ساعة لحين وصول رئيس الحكومة مليس زيناوى ليكون فى استقباله.

وبعد مراسم الاستقبال التى استغرقت نحو النصف ساعة خرج مبارك مستقلا سيارته المصفحة فى موكب يتكون من: سيارة شرطة إثيوبية (أوبل).. ثم سيارة الرئيس.. ثم سيارة ميتسوبيشى باجيرو (4X4) فيها طاقم من الحراسات المصرية الخاصة.. ثم سيارة مرسيدس سوداء إثيوبية (حكومية) فيها عمرو موسى وأسامة الباز.. ثم سيارة ثالثة من الطراز نفسه لباقى أعضاء الوفد المصرى.. ثم سيارة السفير المصرى المرسيدس السوداء أيضا.. وكان بصحبة الركب ثلاثة موتوسيكلات خرجت به من أرض المطار فى الساعة الثامنة والنصف ليتجه إلى قلب العاصمة.. حيث السفارة المصرية.

وتعكس كل هذه الاستعدادات المصرية حقيقة.. أن المخابرات العامة كان لديها من الشواهد ما يؤكد أن الرئيس سيتعرض إلى محاولة اغتيال.. دون أن تعرف موقعها بالضبط.. ووضعت رحلة أديس أبابا لحضور مبارك الدورة الخامسة والثلاثين من القمة الأفريقية فى الحسبان.. وحسب ما سمعت من عمر سليمان لم تكن المخابرات تعلم مكان الجريمة ولا زمانها.. وهو ما جعله ينصح مبارك بعدم السفر إلى أديس أبابا.. لكن.. مبارك رد عليه قائلا:

أنا رئيس الدورة الحالية للقمة الأفريقية وعلى تسليم رئاستها ولو اعتذرت فإن كل عمل السنوات الماضية سيذهب هدرا.

وأضاف مبارك:

"إحنا ما صدقنا ندخل إفريقيا تانى".

وهنا صمم عمر سليمان على شحن السيارة المدرعة واشترط على الإثيوبيين قبولها وإلا ألغيت الرحلة.. ولم يكتف بتلك السيارة وإنما اشترط أن يقودها سائق من الرئاسة وهو طلب غريب لا ينفذ عادة إلا للرئيس الأمريكى فقط.. أكثر من ذلك اشترط عمر سليمان أن تكون الطائرة مستعدة للإقلاع فى أى وقت وبدون تصريح.. وبقى الطيارون وطاقم الضيافة على متنها فى حالة استعداد لتدور المحركات فى أى لحظة.. ولم يذهبوا إلى فندق كما يحدث عادة.

وبالفعل وافقت إثيوبيا على كل الطلبات.. وإن حددت أعداد الحرس الخاص.. وفى الوقت نفسه سمحت لهم باستعمال أسلحتهم إذا اقتضت الضرورة.

خرج موكب مبارك إلى طريق يحمل نفس اسم المطار.. طريق بولى.. وعند ميدان صغير.. يقع على بعد 500 متر (أو ثلاث دقائق) من المطار وقع الهجوم.. وقد رأيت بنفسى مكان الحادث عندما زرت إثيوبيا فيما بعد.. وسمعت الناس يطلقون على ذلك الميدان اسم "دوران مبارك".

قال مبارك فيما بعد: "سمعت طاطاة".. لكنه.. لم يبال.. "فهذه البلاد فيها كثير من المشاكل".. على أنه فى تلك اللحظة جاءت سيارة تويوتا (طراز لاندكروزر) من الطريق العكسى واندفعت بسرعة قافزة فوق الجزيرة الوسطى للطريق لتعترض سيارة مبارك بعد أن تركت سيارة الشرطة الإثيوبية تمر.

نزل من السيارة "تويوتا" بعض الشبان يصعب الجزم بعددهم وإن كانت أدق التقديرات تشير إلى أن عدد المشتركين فى العملية هم 15 شخصا.. كان المهاجمون منهم على بعد 15 مترا فقط من سيارة مبارك.. وفى ثوان دخلت مسرح العملية سيارة أخرى.. فولفو فضية اللون (ميتالك).. وسيارة تويوتا ملاكى.. لكن.. شهود العيان لم يلحظوا السيارتين.. إلا فيما بعد.

فى ظل هذا الاضطراب استطاع سائق سيارة مبارك أن يوقفها قبل أن تصطدم بسيارة الجناة.. وفى هذه اللحظة سمع الرئيس يقول له: "لف وارجع".

عاد السائق إلى الوراء عدة أمتار.. ثم بقوة وجرأة قفز فوق الجزيرة الوسطى وأخذ الطريق المعاكس إلى المطار.

وصل مبارك إلى الطائرة فى أمان لكنه أصر على عدم الإقلاع بها إلا بعد الاطمئنان على عمر سليمان وعمرو موسى وأسامة الباز.

وقال لى عمر سليمان فيما بعد: إنه سمع مبارك يقول لمن حوله فى الطائرة "مفيش إقلاع إلا بعد أن أطمئن على عمر سليمان وعمرو موسى".

وما إن اطمئن مبارك عليهما حتى طلب منهما الرجوع إلى المؤتمر "حتى لا تغيب مصر عن تسليمه".. بشرط أن يتأكدا من سلامة إجراءات التأمين والحماية لهما.

لم تتهم مصر إثيوبيا بضلوعها فى المؤامرة التى ثبت أن مدبرها هو نائب الرئيس السودانى.. وثبت أيضا أن الرئيس السودانى لم يكن يعلم عنها شيئا حسب ما نفى لمبارك فيما بعد.

وعاد عمر سليمان إلى أديس أبابا ليحقق فيما جرى.. وإثباتا لحسن النية تركت له الحكومة الإثيوبية مكتب وزير الداخلية ليدير منه التحقيقات.. ووضعت كل الإمكانيات الأمنية تحت تصرفه.. وتحت تصرف الطاقم المتخصص الذى جاء من المخابرات العامة ليساعده.

وظهرت الحقائق الأمنية التالية:

■ إن الحدود السودانية الإثيوبية مفتوحة ويصعب السيطرة على حركة التنقل بينها.

■ وجود معسكر تدريب للإرهابيين (من جنسيات مختلفة منهم مصريون) على بعد 20 كيلومترا فقط من الحدود السودانية الإثيوبية.

■ تواجد قيادات وعناصر أمنية من المخابرات السودانية فى أديس أبابا خلال العشرة أيام الأخيرة التى سبقت عقد القمة.. منهم اللواء الفاتح عروة المستشار الأمنى للرئيس عمر البشير.. ومحمد أحمد الدايى رئيس المخابرات العسكرية السودانية.

■ وجود أسامة بن لادن فى السودان والمرجح أنه قام بتمويل العملية.

قبضت السلطات الإثيوبية على شخص سودانى كان يرسم خريطة لمنطقة الحادث قبل ساعات من وقوعه.

وبعد نحو الشهر تأكد عمر سليمان أن إثيوبيا لم تكن ضالعة فى العملية ووصفها فى تقرير رفعه إلى مبارك بأنها كانت "ضحية استغلال أرضها".. وأن السودان المتهم الوحيد فيها.. بلا منازع.

وهنا بدأت أصوات تطالب بالحرب على السودان.. لكن.. للإنصاف فإن مبارك رفض قائلا:

"إن الدور السودانى مهم فى تأمين حدودنا".

وساند عمر سليمان وجهة نظره مضيفا:

"الحرب ستكون عقابا جماعيا ضد عمل فردى خسيس".

إذن.. ليس هناك مبرر للانتقام من مليس زيناوى بتدبير محاولات لاغتياله.. يضاف إلى ذلك أن اللواء أحمد العادلى مدير مباحث أمن الدولة فى ذلك الوقت نجح فى تحديد شخصية الجناة.

والأهم أن أجهزة المخابرات أصبح من الصعب عليها أن تتخذ قرارا بقتل شخص ما ولو كان إرهابيا.. فعملية الاغتيال إذا ما صدر الأمر بتنفيذها لا يلغى أبدا.. إلغاء مثل هذا الأمر بعد صدوره يعنى أن اتخاذه كان خطأ من أساسه.. وهنا يجب عقاب من اتخذه أو اقترحه.

وعادة ما تستعين أجهزة المخابرات بمتخصصين فى عمليات الاغتيال حتى لا تربط الدولة أو مخابراتها نفسها بالجريمة.. والدليل على ذلك عملية اغتيال رفيق الحريرى.. فاتهام المخابرات السورية بتنفيذها لم يقم عليه دليل واحد.. وظل مخنوقا فى دائرة الشبهات والتكهنات.

يضاف إلى ذلك أن الأمر لو صدر باغتيال شخصية ما وتتسلم جهة التنفيذ المبلغ المتفق عليه فلا تتراجع مهما فشلت وتظل تسعى وتحاول أكثر من مرة حتى تنجح.. وإلا فقدت سمعتها.. وأساءت إلى عملها.. وخسرت زبائنها.. وهنا يمكن القول وبكل تأكيد.. إن أجهزة المخابرات تستعين بعصابات محترفة للقتل.. مثل المافيا.

لذلك.. لو كانت المخابرات المصرية قررت اغتيال مليس زيناوى فلماذا حاولت جهة التنفيذ قتله ثلاث مرات فقط؟.. لماذا لم تحاول مرة رابعة وخامسة وعاشرة إلى أن تنجح.. إن النجاح ضرورة وإلا كانت الفضيحة مؤكدة.. وفى وقتها.

ولنا أن نتخيل حاكما مثل زيناوى له أعداء فى الخارج وأنصار فى الداخل يتعرض لثلاث محاولات اغتيال ولا نسمع عنها إلا من هيكل.. لقد كان من الطبيعى أن يستغل زيناوى مثل هذه المحاولات فى كسب شعبية سياسية داخلية.. أو تبرير بناء سد النهضة فى مواجهة الرفض المصرى.. ألم يستغل الإثيوبيون اجتماع محمد مرسى الشهير (الخاص بذلك السد) فى فضح مصر؟.. ألم يكن من الأوقع أن يستخدموا محاولات اغتيال زيناوى فيما قبل بنفس الطريقة؟.. ألم يكن من السهل عليهم تسريب تفاصيل محاولات الاغتيال إلى صحيفة محلية أو عالمية لفضح مصر؟.. هل كان على زيناوى انتظار صدفة المصعد فى فندق إيطالى ليخص هيكل بمحاولات اغتياله؟

وحسب ما قرأت فى مذكرات مديرى وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) أن الاغتيال أصبح قرارا صعبا تتخذه أجهزة المخابرات.. ليس فقط ضد الحكام المنتخبين وإنما ضد الإرهابيين أيضا.. ولو حدث فإن الدولة التى تتخذه يصبح عليها التأكد أن تنفيذه لن يمسها.

ولا تتردد المخابرات الأمريكية فى ابتزاز أى جهاز مخابرات تكتشف تورطه فى عملية اغتيال.. ولذلك فإن هذه العملية تكون عادة بعيدة عن الأجهزة.

ولابد أن يصدر قرار الاغتيال من رئيس الدولة شخصيا.. أو مجلس الأمن القومى.. ومن ثم فإن قرار اغتيال زيناوى ليس مسئولا عنه عمر سليمان.. بل مسئول عنه مبارك.. وربما باقى أعضاء مجلس الدفاع الوطنى.. مثل رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية.. خاصة أن عملية الاغتيال تتكلف ملايين الدولارات.

وهنا نكرر.. أن التحقيق فيما قال هيكل ضرورة حتى لا يستخدم تبريرا من جانب الإثيوبيين فى مزيد من العداء ضد مصر ويمنحهم حجة إضافية للعبث بمصالحنا المائية.. التحقيق يحدد قوة هيكل فى الحصول على معلومات لم يعرفها غيره.. أو يدينه فى تهمة تمس الأمن القومى.. وتتسبب فى جوع مائى لمصر.

ولكن.. ما ينفى التهمة عن مصر.. أن زيناوى زار مصر مرتين فى عام 2005 و2010 وحضر مؤتمرين عقدا فيها.. فكيف له أن يأتى إلى دولة وهو يعرف أن مدير مخابراتها حاول اغتياله ثلاث مرات.. وفى نفس الوقت يعتمد فى حمايته الشخصية على أجهزتها الأمنية.. ويستخدم سياراتها وينام فى فنادقها.. ويأكل من طعامها؟.. بل.. أكثر من ذلك يقابل الرجل الذى حاول اغتياله ويأخذه بالأحضان؟

فى مؤتمر دول حوض النيل الذى عقد عام 2010 فى شرم الشيخ التقى عمر سليمان أربع مرات مع زيناوى فى الغرفة الخلفية لقاعة المؤتمرات بمنتجع الجولف فى شرم الشيخ.. وهى نفس الغرفة التى التقت فيها كونداليزا رايس الوزيرة الأسبق للخارجية الأمريكية بمسئولين مصريين وأجانب وقت حضورها لمؤتمرات فى شرم الشيخ.. وهى نفس الغرفة التى شهدت اجتماعات سرية بين عمر سليمان والفصائل الفلسطينية خلال مؤتمرات السلام التى عقدت هناك.. وهى نفس الغرفة التى التقى فيها الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن بالعديد من أعضاء المنظمات غير الحكومية المصرية.

يضاف إلى ذلك أن عمر سليمان سعى لدى الحكومة الإثيوبية إلى إنشاء مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء- الهدف الرئيسى لبناء السد- على أن تعدل عن بناء السد وخطط عمر سليمان لإقامة المحطة النووية مع شركات ودول مختلفة وكادت إثيوبيا تقبل بهذا الحل.

لكن.. لا يمنع أن زيناوى كان يكره عمر سليمان وأحمد أبو الغيط لأنهما جعلاه يفشل فى بناء السد الذى سمى فيما بعد "سد النهضة".. وظل هذا الفشل قائما حتى جاء محمد مرسى إلى الحكم.

فى نوفمبر 2008 سافر مبارك إلى الصين لحضور مؤتمر القمة الصينية الأفريقية.. ولكن.. تلك المناسبة كانت واجهة لما هو أهم.. إقناع الصينيين بعدم تمويل السد الإثيوبى.. وتحقق ذلك فعلا.

بجانب إيقاف التمويل تباحث عمر سليمان مع السودان على استغلال قاعدة عسكرية على أرضها تنطلق منها قوات مصرية للتدخل إذا ما أصرت إثيوبيا على بناء السد.

ودعم ذلك ما نشره مركز ستراتفور فى عام 2010: " إن مصر طلبت من السودان الموافقة على استغلال قاعدة سودانية صغيرة تنطلق منها ضد إثيوبيا ليكون الحل العسكرى هو الحل الأخير إذا ما فشلت الجهود السياسية والدبلوماسية.. السلمية".

وفى الوقت نفسه يمكن القول: إن مصر مولت عمليات مسلحة فى إثيوبيا.. وتعمدت أن تكون هذه العمليات فى أوقات تسبب حرجا للحكومة هناك.. مثل أوقات زيارات مسئولى البنك الدولى الذين جاءوا للتفاوض حول تمويل السد.. أو عند زيارات شركات استثمارية دولية كبرى.. والهدف ترك انطباع بعدم استقرار الأوضاع هناك.

كما دعمت المخابرات رئيس إريتريا وساندته بنفس القدر الذى دعمت وساندت فيه كل من يعادى إثيوبيا.

وموقف مصر من إثيوبيا يعود إلى سنوات حكم السادات.. حين تناسى قضية مياه النيل.. وانضم إلى ما عرف بنادى " السفارى ".. لينشغل بالحرب على الشيوعية.. فدعم حركات التمرد فى الصومال الغربى وجيبوتى بالمال والسلاح ضد نظام "مانجستو هاريا مريم" فى إثيوبيا.. وهو نظام خلع الإمبراطور هيلاسى لا سى.. وأتى بالسوفييت إلى البلاد.

وحسب ما سمعت من المهندس حسب الله الكفراوى: أنه شاهد على اجتماع رأسه السادات قال فيه: إن حرب أكتوبر هى آخر الحروب التى ستخوضها مصر.. ولكننا.. لو حاربنا فإننا سنحارب فقط من أجل مياه النيل.

لكن.. الجرح الذى ينزف فى صدور الإثيوبيين هو إعلان السادات عن ضرب بلادهم بالطائرات لو نفذت بلادهم تهديدات حاكمهم ومنعوا مياه النيل عن مصر.. وكان رد مانجستو الذى لم نعرفه إلا بعد سنوات طويلة أمام جماهير غفيرة فى ميدان الحرية (ميدان الصليب فيما بعد): " لو جاء السادات فإننا سنغرقه فى بحر من الدم لن ينجو منه وسنعيده إلى بلاده جثة هامدة ".

وبعد السادات واصل مبارك لغة التهديد.. فعندما التقى بزيناوى سأل عمر سليمان وكان حاضرا اللقاء ماذا نفعل لو بنت إثيوبيا السد؟.. أجاب عمر سليمان: "سنفجره يا فندم".. وبالفعل تراجعت إثيوبيا.. لكنها.. استغلت حالة الفراغ السياسى الذى عاشته مصر بعد ثورة يناير وعادت للمشروع.. واستغلت حالة البلاهة الحاكمة وقت رئاسة محمد مرسى وبدأت التنفيذ.

وحسب ما سمعت من عمر سليمان فإن مدير الموساد أبلغه باستعداد إسرائيل للمساعدة فى قضية النيل مع إثيوبيا بالضغط عليها.. ولكن.. عمر سليمان رفض تدخل الحكومة الإسرائيلية وإن طلب تدخل الشركات الإسرائيلية العاملة فى إثيوبيا قائلا: "يمكن لتلك الشركات الضغط على حكومة زيناوى بالتراجع عن الاستثمار فى إثيوبيا لو أصرت على بناء السد".. على أن مدير الموساد نفى قدرة حكومته على التدخل فى شئون الشركات الخاصة.. "لا سيطرة لنا عليها".. ولكن "لو أن مصر فتحت لتلك الشركات أسواقها وسمحت بمشروعات لها فمن المؤكد أنها ستفضل السوق المصرية الضخمة عن السوق الإثيوبية الفقيرة".. ولم تلق الفكرة قبولا من مصر.. فشعبها يرفض التطبيع مع إسرائيل.

وهنا نسأل هيكل من باب التخيل لو أن المخابرات أخذت قرارا باغتيال زيناوى فهل كانت ستفشل فى تنفيذه ثلاث مرات؟.. هل كانت المخابرات ستتركه يعيش ليفضحها؟.. ولماذا قصرت المخابرات المحاولات على ثلاث فقط وأوقفتها بعد ذلك؟.. ما العمل الذى قام به زيناوى يجعل المخابرات توقف محاولات اغتياله؟.. هل مد جسور المحبة مع مصر وتراجع عن بناء السد؟

والأهم.. أن فشل العملية ثلاث مرات يعنى عدم صلاحية مدير المخابرات.. وهنا لا بد أن يتدخل رئيس الدولة ويقيله.

بعد هزيمة يونيو تولى أمين هويدى الإشراف على المخابرات وبتلك الصفة كلف أحمد حمروش بمقابلة ناحوم جولدمان مسئول عن منظمة يهودية عالمية فى باريس وعندما عرف جمال عبد الناصر طلب منه أن يغادر مكتبه فورا.. وكلف أحمد كامل برئاسة الجهاز.

وبسبب عدم الدقة فى تقدير موقف انقلاب عمر البشير فى السودان نقل مدير المخابرات أمين نمر من منصبه ليصبح سفيرا لمصر فى الكويت.

بنفس المنطق كان يجب عقاب عمر سليمان لفشله فى قتل زيناوى.. لكن.. ما حدث هو العكس.. أصبح نائبا للرئيس.

ولو كان زيناوى يعانى من وجيعة مصرية فلماذا وافق على توقيع اتفاقية للتعاون البيطرى مع مصر لتوريد الماشية واللحوم الإثيوبية إليها؟

والسؤال الأهم: لماذا خص زيناوى هيكل بهذا السر الكبير؟.. لماذا لم يلمح به للوفد الشعبى المصرى الذى زار أديس أبابا بعد ثورة يناير وكانت الظروف مواتية باتهام عمر سليمان الذى أصبح عضوا فى حزب "الكنبة"؟

المؤكد أن زيناوى لو كان ما نقل هيكل عنه صحيحا كان يعرف أن عمر سليمان لن يسكت.. وسوف يخرج ويرد.. وهو ما يعنى أن واحدا من الاثنين زيناوى أو هيكل لا يقول الحقيقة.. وربما الاثنان معا.. وربما هيكل وحده.

وبعد ثورة يناير أيضا جاء زيناوى إلى القاهرة والتقى بشخصيات مصرية رسمية وأهلية وصحفية كنت منهم فى فندق سوفتيل الجزيرة.. ولم يشر من بعيد أو قريب لما نسبه هيكل إليه فيما بعد.

إن هيكل يعانى من عقدة المخابرات دون أن نعرف ما الذى تسبب له فيها؟.. فهو يراها جهازا فاشلا فى الخارج مستشريا فى الداخل.. دون أن ينظر إلى نجاح واحد حققته.. كما أنه سبق أن تسبب فى القبض على عدد كبير من المسئولين الذين خدموا فى الجهاز يوم 15 مايو 1971.

لقد نجحت المخابرات فى القبض على إرهابيين كانوا يتمتعون بحقوق اللجوء السياسى فى إيران.. وعادت بهم إلى مصر وقدمتهم إلى المحاكمة.. وبعضهم أفرج عنه محمد مرسى فيما بعد.. ولم تفكر فى قتلهم.

ونجحت المخابرات فى إحداث قلاقل فى إيران نفسها بعد انتخاب أحمدى نجاد رئيسا لها.. وتذكر وثائق وكيليكس ذلك بالتفصيل.

ونجحت المخابرات فى الوصول إلى أرصدة الإسلاميين الممولين لموجة العنف التى اجتاحت مصر فى تسعينيات القرن الماضى.. ووقف عاطف عبيد وهو رئيس حكومة ليعلن دون وعى منه فى مجلس الشعب: "احنا عندنا أرصدة الناس دى فى بنوك سويسرا".. وبعدها أجبرت السلطات السويسرية ضابط المخابرات المصرية هناك على مغادرة أراضيها بعد افتضاح أمره.

ونجحت المخابرات فى اختراق شبكات الاتصالات الإسرائيلية عدة مرات.. لتقول: إننا نرد بالمثل.

ولم تنجح إسرائيل فى القبض على عميل مصرى واحد يعمل على أرضها.. وهم كثيرون.. والدليل على ذلك أن مبارك رفض الإفراج عن جواسيس إسرائيليين قبض عليهم فى مصر ليكونوا تحت الطلب للمقايضة بهم على عملاء مصريين فى إسرائيل ساعة القبض عليهم.

وعندما أفرجت مصر عن عميل ميدان التحرير الإسرائيلى-الأمريكى مقابل مساجين مصريين متهمين فى قضايا تهريب ومخدرات شعر عمر سليمان بالحزن لإتمام الصفقة غير المسبوقة فى العمل المخابراتى.. فالجاسوس لا يستبدل إلا بجاسوس.

وبرغم الإمكانيات المادية المحدودة فإن المخابرات المصرية وصلت إلى المرتبة الخامسة فى قائمة مخابرات العالم.. وطبقا لما قال عمر سليمان: " لو كانت مواردنا أكبر لكنا رقم ثلاثة ".

ولو كان عمر سليمان قاتلا فاشلا كما يروج هيكل دون أدلة ثبوت رغم أنه فحص كما قال التهمة فلماذا منحته فرنسا عام 2008 وسام الشرف وهو أرفع وسام فرنسى ليكون الرجل الذى توفاه الله أول مصرى يحصل عليه لدوره فى إحلال السلم والأمن العالميين؟.. كيف تقدم إليه فرنسا ذلك الوسام ويداه ملطختان بالدماء؟.. هل كان جاك شيراك جاهلا بما فعل عندما قدم إليه الوسام قائلا: " إنه رجل سلام وحق وعدل "؟.

والسؤال الآن: لماذا يفرقع هيكل القصة الوهمية لاغتيال زيناوى فى هذا التوقيت الحرج الذى يتضاعف فيه التوتر بين مصر وإثيوبيا؟! هل أراد المزيد من الوقيعة بينهما؟ هل هذه هى الوطنية على طريقة هيكل؟

لقد كنت أول من أجرى حوارا مع عمر سليمان بعد إعلان ترشحه للرئاسة.. بل كنت أول من دخل مقره الانتخابى المطل على قصر البارون أمبان فى مصر الجديدة.. فى ذلك الوقت كانت حملة الإخوان قد اشتدت ضده ناسبة إليه كل ما يقال وما لا يقال.. فقلت له:

أنت تعرف الكثير عن ذلك المعارض المزور.. وتعرف أكثر عن المرشح الرئاسى الذى تحرش جنسيا بزميل له فى معسكر صيفى وهما فى الجامعة.. تعرف الكثير مما يفضح الجماعة التى تشوه صورتك.. فلماذا لا تكشف ما تعرف؟.

قال واشهد الله على ذلك:

«إن ما عرفته فى عملى لا تسمح لى أخلاقى باستخدامه لشخصى.. ما عرفته من معلومات نحتفظ بها لاستخدامها لصالح مصر وليس لصالحى أو لصالح مبارك».

■ معلوماتى أن سليمان التقى زيناوى ثلاث مرات فى الغرفة الخلفية لقاعة المؤتمرات فى شرم الشيخ خلال مؤتمر دول حوض النيل ولو كان رئيس الحكومة الإثيوبية قد تعرض للاغتيال بتدبير من سليمان فكيف وافق على الحضور إلى مصر ونام فى فنادقها وأكل من طعامها وركب سياراتها؟

■ زيناوى لم يطق سليمان وأبو الغيط بعد أن أفشلا تمويل الصين لسد النهضة خلال زيارة مبارك لبكين عام 2008!

■ عبد الناصر اقتنع بعدم جدوى الاغتيالات بعد فشله فى محاولة قتل حسين سرى عامر.. وسامى شرف يشهد بأنه رفض أن يقوم صلاح نصر باغتيال الزعيم اللبنانى كميل شمعون ■
مصر لم تعتمد سياسة الاغتيالات حتى مع الإرهابيين وفضلت أن تأتى بهم من دول تأويهم مثل إيران وبعضهم أفرج عنه مرسى فيما بعد! ■
اللواء عمر قناوى المسئول السابق عن الخدمة السرية فى المخابرات العامة يصف الاتهام بالخرافة ويقول: «أنا شخصيا أحضرت زيناوى إلى مصر ثلاث مرات»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.