أنا يا سيد يا محترم، نعم أنا، أنا مثقف مصرى ومبدع ومجتهد فى كل شىء، وعبقرى لا يوجد مثلى اثنان فى العالم العربى كله، بل إننى بعبقريتى وصلت إلى العالمية، ولكن اللوبى الصهيونى يحاربنى حتى لا أحصل على جائزة نوبل، وليس من الضرورى أن تكون قد سمعت عنى من قبل، فعلَّك لم تسمع عنى لأنك جاهل مستغرق فى الجهل والجهالة، أو لأن الصحف وأجهزة الإعلام تتحرى إخفاء أخبارى، كلهم يغيرون منى يا سيد يا محترم، ولكنهم أقزام أمام قامتى العملاقة، ولعلك لا تعرف أننى أنا وحدى من استطعت، دوناً عن خلق الله فى مصر كلها، أن أقف بكل شجاعة وقوة فى وجه محمد مرسى، وأخاطبه، قائلاً: «يا مرسى» دون أن أقول له: «الرئيس مرسى»، وأنا الوحيد الذى كتبت مسلسلات وأفلام تنبّأت فيها حرفياً بكل الذى سيحصل فى مصر لو حكم الإخوان، أنا وحيد زمانى وعصرى، ومع ذلك فأنا حامد لله أننى وصلت إلى هذه العبقرية. أنا يا عزيزى ملك الأفكار، أنا المبدع، أنا الوحيد الذى أعرف أين خبّأ إبليس ابنه، وقد وهبنى الله ميزة لا تتوافر لغيرى، هى أننى المصرى الوحيد الذى يستطيع التفكير، لدرجة أننى عندما أصل إلى فكرة ما فإن الله يجعل هذه الفكرة حكراً علىّ دون غيرى من الناس، وما ذلك إلا لأن الله يرسل لى هذه الفكرة وحياً، ولأن الوحى إنما لا يكون إلا لمثلى، لذلك تنقطع الأفكار عن باقى البشر، ولكن عندى مشكلة كبرى يا عزيزى، هى أن باقى الخاملين من أبناء الشعب المصرى يسرقون أفكارى، ثم ينسبونها إلى أنفسهم، وهى مشكلة تؤرّقنى كثيراً، ففى أحد الأيام أفقت من غفلة كنت سادراً فيها، فإذا بالله يرسل لى فكرة كتبتها قصة تدور حول رجل ينتقم من مجموعة من الرجال، فإذا بى أجد الدنيا كلها قد سرقت فكرتى، فها هو مؤلف غربى يكتب قصة «الكونت دى مونت كريستو» سارقاً فكرتى بدم بارد، وها هم اللصوص يكتبون أفلاماً مثل «دائرة الانتقام» و«أمير الانتقام»، وها هى السينما الغربية تعيش منذ سنوات بعيدة على أفلام الانتقام، وللخسة والندالة لم يفكر أحد منهم فى أن يكتب أن قصص الانتقام مأخوذة من قصتى التى وهب الله لى فكرتها وحياً. ولك أن تعلم أننى عبقرى فى تفسير القرآن، ولا يشق لى غبار فى تأويل آياته، حتى إننى استطعت أن أصل إلى أن الرَّحِم مستمد من الرَّحمة، نعم يا عزيزى رحم المرأة مستمد من الرحمة لأن الجنين يتشكل فيه، فلا بد أن يكون اسمه من الرحمة، ولكن ماذا تقول فى أولاد الحرام، فما إن قلت فكرتى هذه حتى أخذها منى الشيخ متولى الشعراوى ونسبها إلى نفسه، مع أن أحداً من الدنيا كلها لم يقل هذا الكلام قبلى، فقل لى بالله عليك كيف وصل إليها الشيخ الشعراوى إن لم يكن قد أخذها منى أنا وحيد عصرى وزمانى، وتصدق وتؤمن بالله، قل لا إله إلا الله يا رجل، أنا أول من قال إن الآية الكريمة «جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِى آذَانِهِمْ» إنما تعنى أنهم وضعوا جزءاً من أصابعهم فى آذانهم، أى أراد الجزء وأطلق الكل، لأنه لا يُعقل يا محترم أنهم كانوا يضعون كل أصابعهم فى آذانهم وإلا لاحتاج الأمر إلى جراحة أذن عاجلة، وأيضاً يا محترم عندما قال الله تعالى «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» قفزت من مكانى وأنا أقرأ الآية وقلت ياااا ربى هذا مجاز مرسل، حيث أطلق الجزء وأراد الكل، فلا يُعقل أن الله قد طلب منا أن نطلق رقبة العبد فقط، وإلا أيبقى جسده فى الرق وتذهب رأسه وحدها للحرية؟! وعندما ألهمنى الله بهذه الفكرة قلتها فى أحد برامجى الشهيرة، فإذا بى يا سيد يا محترم أجد كثيراً من الناس يقولون ما قلته، سرقوا فكرتى! وغاظنى يا محترم أن من سرقوا فكرتى شخصيات شهيرة، منهم الأستاذ قرطبى، والدكتور ابن كثير، والشيخ السيوطى، والشيخ الطبرى، كلهم سرقوا أفكارى دون أى حياء. أنا روائى عبقرى ومن سوء حظى سرق أفكارى تولوستوى وفيكتور هوجو وشيكسبير وتشارلز ديكنز وأجاثا كريستى ورايدر هاجرد وجورج أوريل، وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وبهاء طاهر ويوسف القعيد وإبراهيم عبدالمجيد، يا عزيزى كلهم لصوص، فكلهم سرق أفكارى، تلك الأفكار العبقرية التى كتبتها «قبل أن يطير الدخان». أنا يا سيد يا محترم المخترع الأصلى للنظرية الرأسمالية، ولكن آدم سميث الخسيس سرقها منى، وبعد أن انتابنى اليأس أن آخذ حقى منه قدّمت إلى العالم النظرية الشيوعية، ووصلت إلى فكرة عبقرية مفادها أننا سنفرض الشيوعية على العالم بالتدريج إلى أن نصل إلى المرحلة الشيوعية العليا، ثم إذا بشخص يُدعى ماركس ومعه شخص نكرة اسمه إنجلز يسرقان فكرتى، وإلى الآن لا يتحدث أحد عن عبقريتى فى خلق هذه الفكرة، ولكنهم ما فتئوا يذكرون ماركس وإنجلز ثم لينين وغيرهم. وفى الشعر أنا يا سيد يا محترم الشاعر الكبير، أنا أمير الشعراء، كل أشعارى سرقها أنصاف الموهوبين ونسبوها إلى أنفسهم، أنا وحدى الموهوب، أنا وحدى الملهم، أنا وحدى العبقرى، ولكن ماذا تقول فى دولة لا تنصف العباقرة؟! وفى عهد الإخوان يا سيد يا محترم كنت أنا صاحب فكرة «مشروع النهضة» سهرت عليه الليالى، وخاصمنى النوم من أجله، وعشت فى أرق على أرق ومثلى يأرقُ، وضعت النظرية بحيث لا يمكن أن «تخر الميّه» فإذا بالمدعو خيرت الشاطر يسرق الفكرة منى، ويضعها على لسان محمد مرسى، ويأخذ محمد مرسى فى الحديث عن طائر النهضة وكأنه هو من اخترعه، وللأسف لم يقم واحد منهم بنسبة الفكرة لى، ولكننى كنت قد احتفظت معى برأس طائر النهضة، عفواً، أقصد رأس الاختراع، فلم أعطه لهم، لذلك فشلت النظرية وقد كان هذا الأمر هو أكبر عقاب من الله رب العالمين لأولئك اللصوص. ولك أن تعلم يا سيد يا محترم أننى فى عهد «مبارك» كنت أنا صاحب فكرة تزوير الانتخابات البرلمانية، وكنت أيضاً صاحب فكرة تعويم الدولار، وبيع القطاع العام والخصخصة، ولكن نحمد الله حمد الشاكرين أن أحمد عز وعاطف عبيد وأحمد نظيف وجمال مبارك سرقوا أفكارى، وإلا كنت أنا الآن فى الحديد، وأنا لا أملك الملايين التى تم بها توكيل المحامى فريد الديب. انتظر يا سيد يا محترم، لا تغلق الصفحة سريعاً وتشيح الجريدة عنك، فقد نسيت أن أخبرك باسمى، أنا طبعاً لست طه حسين، ولا توفيق الحكيم، ولا لطفى السيد، ولا عباس العقاد، ولا أحمد شوقى، ولا حافظ إبراهيم، ولا مصطفى لطفى المنفلوطى، ولا محمد حسين هيكل، ولا إبراهيم ناجى، ولا صلاح عبدالصبور، ولا أمل دنقل، ولا نجيب محفوظ، ولا يوسف إدريس، ولا جمال الغيطانى، ولا طلعت حرب، ولا مصطفى أمين، ولا التابعى، ولا نجيب الريحانى، ولا يوسف وهبى، ولا أى شخص يشبه هؤلاء من قريب أو بعيد، ولكننى أناااا بكل فخر، العبقرى الناشط السياسى، المؤلف السينمائى، الاقتصادى، الشاعر الروائى، المفسر الدينى والخطيب اللوذعى، الإمام العلامة والحبر الفهامة فى علوم العقيدة، النطاسى البارع، حادى ركب الأولين، وإمام الآخرين، فصيح اللسان، متوقد الخاطر، حاد الفؤاد، وحيد عصره، وحامد ربه، والحاصل على التوكيل الحصرى من رب العالمين، فى فهم الإسلام، لذلك أنا إسلام، ودين، وعقيدة، أنااااااا يا سيد يا محترم.. وهنا أوقفه السيد المحترم ليقول له: أنت ابنٌ من أبناء تأخرنا وجهلنا وسطحيتنا، أنت الذى تعيش فى ذاتك، فلا ترى إلا نفسك، أنت الذى تنظر فى المرآة كل يوم فترى وجهك وحده، فتخاطبه قائلاً: من فى العالم أفضل منى؟ وتسمع من ذاتك قولاً تتمناه بأنك الأفضل، ولكنك أنت أنت ولا حاجة.