أخطأ المصريون كثيراً على مدار العقود الماضية، لم يكن أول خطئهم اعتقادهم أن الديمقراطية فعل من السهل عليهم إدراكه، لذا فحين خرج الملايين حالمين بها محاولين اقتناصها، اقتنصتهم هى فى طريقها ومضت بعيداً عن أحلامهم، والنتيجة: «لا الحالمين عاشوا.. ولا الديمقراطية اتحققت». سيقول معترض: ومن أين جئت بنتيجة أن الديمقراطية لم تتحقق؟، آخذ من كلامه لأرد عليه «إذا قرأت هذه الكلمات وكان لك موقف من ثلاث»: ■ إما أن تقتنع بكل أو جزء مما جاء فيها ■ إما أن تعاملها معاملة ورق التواليت غير مكترث بكل أو جزء مما جاء فيها ■ إما أن ترفضها دون أن تسن لسانك على صاحبها بصفات وشتائم تبدأ بالأم وتنهى بالأعضاء فى إحدى هذه الحالات الثلاث فقط، أطمئنك عزيزى السائل أنك شخص طبيعى، تميل إلى الديمقراطية فعلاً وقولاً، تشعر بها وبأهميتها، بل وتمارسها حتى ولو فى نطاق محدود، محيطه هو نفسك فقط، ويتضح هذا من مجرد تعاملك مع الرأى، فستظل هذه الكلمات معبرة عن رأى صاحبها حتى لو اقتنع بها ملايين، أو ألقاها ملايين فى سلة قمامة. هذا عن الخطأ الأول، ولعلّه فى طريقه إلى الإصلاح، فلم يعد بوسع المصريين سوى الحلم بما هو ممكن، كأن يحلم أحدهم بالوصول إلى عمله دون تعطيل فى إشارة مرور، أو تفجير قد يناله رقماً فى ضحاياه ومصابيه.. كأن تحلم إحداهن بزيت تموين لا يترك فى جسدها وصغارها أوراماً تحتاج أموالاً طائلة لمجرد علاجها وليس التخلص منها ومن آثارها.. وكأن يحلم أحدهم بالعودة فى آخر اليوم سالماً إلى أمه دون أن يحمله بوكس شرطة حيث «اللى بيروح ما بيرجعش». كل هذا الاسترسال فى شرح الخطأ الأول، إنما هو تمهيد للخطأ الثانى، الذى وقع فيه أغلب المصريين، من البسطاء الذين لم يعرفوا من الإعلام سوى البرامج الليلية، ومن الفضائيات سوى الفراعين، ومن المذيعين سوى العُكش وأنثاه، ممن آمنوا بمعايير العُكش فى اختيار رئيس الجمهورية، والتى تبدأ وتنتهى عند «بيعرف يزغط بط»، فقد أصبح قوله الطاعن فى البرادعى وقتها نهجاً لدى البعض، ممن اختاروا مرسى رئيساً، دون أن يدركوا أنه «مبيعرفش يزغط بط، بيعرف ياكله وبس». وبفضل العُكش وحده تحول «تزغيط البط» إلى اختبار رئاسى، ليس بنصه لكن بمعناه ودلالته، والحق فإنه لم ينجح فى هذا الاختبار سوى السيسى، فالرئيس الذى جاء بناءً على إرادة شعبية جماهيرية أثبت فى كل المواقف أنه ابن هذا البلد -«وبيعرف يزغط بط»- يخاطب كل فئة بما تحتاج سماعه، وينادى على كل شخص بما يريد، لكنه لم يتوقف أمام متغيرات المرحلة، فالمواطن المصرى نفسه لم يعد مكترثاً ب«اللى بيعرف يزغط البط»، قدر اهتمامه بمن «يوفر له البط من أساسه»، رافعاً شعار «لا تعلمنى تزغيط البط، وفّر لى البطة وأنا هتعامل». وعليه، وبناءً على ما سبق، أنصحك عزيزى الرئيس وأنت فى أوج شعبيتك وعظيم تأييدك، أن تنسى كل ما قيل لك عن هذا الشعب، وأن تتعامل بفطرتك، وأن تعيد مستوى الحلم إلى طبيعته، أن تسمو به من مجرد الحقوق إلى الأمنيات الحقيقية، وأن تحول أمل هؤلاء البسطاء فيك ورجاءهم فى تغييرك إلى واقع يلمسونه، واقع يشعرون به ويرونه رأى العين، والواقع لا يحتاج إلى كلمات لتحقيقه، فالبناء فعل وليس قولاً.