لم يسأموا ابتلاءات القدر بين ليلة وضحاها، استكملوا حياتهم رغم لحظة تميزت بالأوجاع مصحوبة بسكون الجسد، بارقة أملٍ وحيدة تكمن فى جهاز صناعى يرتدونه بديلاً لقدمٍ تعرضت للبتر ليفاجأوا بمعاناة نفسية لا تقل قسوة عن آلام العجز عن الحركة. سوق الأجهزة التعويضية فى مصر، بحسب عاشور حمودة، معاق حركى، تنحصر فى تلك التى تقدمها الدولة من خلال المراكز التابعة لإدارة التأهيل المهنى بوزارة الشئون الاجتماعية، وأخرى مستوردة لا يحصل عليها إلا القادرون بأثمان باهظة، «الأجهزة التعويضية بتاعة الدولة بتبقى غاية فى الرداءة، وكتير منها بيتعب الرجل وبيعوق فى الحركة مش بيسهلها». الإجراءات التى تسبق حصول الشخص المعاق على جهاز تعويضى كافية بأن تقعده بصحبة قدمه المبتورة لشهور متعددة بحسب الشاب الثلاثينى، «لازم اللى عايز ياخد جهاز يجيب شهادة فقر، ويثبت إنه ما عندوش أى أملاك هو وكل أهله، ولو كان من الأقاليم لازم يجيب شهادة عدم حيازة زراعية عشان ياخده، وده فى بعض الأحيان بيستمر لمدة سنة». عاشور، الذى تعرض لحادث بتر قدمه اليسرى، يؤكد أنه حصل على جهازين تعويضيين من الدولة: «الأول قعد معايا سنة واتكسر، والتانى قعدت بيه شهر واتكسر فى رجلى 3 مرات واضطريت إنى أحاول أصلحه بنفسى»، حتى يئس الشاب من دولة ألزمها دستورها بضمان الرعاية الصحية للأشخاص ذوى الإعاقة. «الجمعيات الأهلية هى الحل»، أمل جديد يلوِح فى الأفق لكل شخص تورَّمت قدماه من كثرة تهشم جهازه التعويضى عليها، جمعيات معدودة فى مصر تقدِّم أجهزة تعويضية مستوردة بالمجان للأشخاص ذوى الإعاقة الحركية، «عادة الجمعيات دى بتجيب الأجهزة عن طريق متبرعيها، لكن فى النهاية ما بيغطوش 40% من اللى محتاجين لها، غير إنها كتير بتتأخر على اللى طالبها لحد ما ييجى دوره، يعنى لو معندكش واسطة ربنا يصبرك بقى». حصول الشاب المعاق على جهاز تعويضى يساعده على الحركة لم يشكل نهاية الآلام: «الجمعية اللى جابت لنا الأجهزة عملت لنا حفلة بعديه عشان تصورنا وإحنا لابسينها، وأنا طبعاً رفضت ده، مش معنى إنى ألبس جهاز تعويضى يريحنى إن حد يتاجر بيّا وبإعاقتى». بسام أبوجبل، مدير التدريب والتأهيل بالمجلس القومى لشئون ذوى الإعاقة، له تجربة أخرى كأحد مستخدمى الأجهزة التعويضية، السبب الرئيسى لعدم جودة الأجهزة المصنعة محلياً يرجع لعدم احترافية القائمين على تصنيعها بمراكز التأهيل المحلية وعدم تخصصهم: «رداءة الصناعة بتخلى الشخص المعاق يضطر إنه يشترى جهاز مستورد بأسعار صعبة، يعنى مثلاً جهاز الأوتوبوك الألمانى ثمنه ممكن يوصل ل15 ألف جنيه». الجهاز التعويضى المستورد، بحسب بسام، يتكون من عدة أجزاء منفصلة يتم شراؤها من الخارج، ثم تقوم بعض المراكز التابعة للقوات المسلحة بتجميعها وتركيبها داخل مصر، ثم تتولى بيعها للمواطنين بأسعار تختلف وفقاً لجودتها، إلا أن رداءة التصنيع المحلية تمنع شعور مستخدمى الأجهزة المستوردة بالراحة: «الجهاز المستورد بيلازمه جزء بيتصنع محلياً ويربط بين الجسم وبين الأطراف الصناعية، والجزء ده ساعات بيتم تصنيعه بشكل غير مناسب لطبيعة القدم، وده بيفسد كفاءة الجهاز التعويضى المستورد اللى جايبينه بالشىء الفلانى». جهود حاول البعض بذلها من أجل حل الأزمة، قرار من رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية السابق المهندس محمود الجرف، بتشكيل لجنة لتطوير تصنيع الأجهزة التعويضية المحلية على مستوى الجمهورية بحسب الشاب الثلاثينى: «اللجنة دى شارك فيها المجلس القومى لشئون الإعاقة والهيئة العامة للتنمية الصناعية ومركز تأهيل العجوزة ومركز بحوث الفلزات ومركز تميز التابع للقوات المسلحة»، الحلم ما لبث أن تبدد بحسب الشاب الثلاثينى، يصدر قرار من رئيس الهيئة العامة للتنمية الصناعية الحالى بوقف أعمال تلك اللجنة بعد أشهر قليلة من عملها، «اللجنة دى كانت عندها خطة إنها تجيب الأجهزة التعويضية المستوردة وتعمل عليها أبحاث وتتوصل لتصنيعها محلياً بنفس الجودة وتبيعها للمعاقين بأسعار مخفضة، والكورة دلوقت فى ملعب الدولة».