"انا اللي بالأمر المحال اغتوى، شفت القمر نطيت لفوق في الهوا، طولته ما طولتوش.. إيه انا يهمني، وليه ما دام بالنشوة قلبي ارتوى"، كلمات صاغها الشاعر الكبير صلاح جاهين، والتقطهاها ذلك الشاب الثلاثيني ليجد فيها ملاذه للتعايش مع ظروفٍ سلبت منه الكثير، بل ينطلق ليكون أحد المبادرين لحل أزمة ملايين يشاركونه نفس حالته. شريف ياسين.. 30 سنة، متزوج وله ابنة وحيدة، يعاني من إعاقة فى أطرافه الأربعة وتلعثم بالكلام نتيجة خطأ طبي منذ ولادته، "وبحتاج إلى مساعدة فى الأكل والشرب واللبس، وبستعمل الكرسي المتحرك خارج المنزل فقط وجوه المنزل بتحرك عادى بس بمشى على ركبي"، حصل على بكالوريوس تجارة قسم محاسبة من جامعة عين شمس، ودبلوم برمجة التطبيقات التجارية باستخدام الحاسب الآلى من نفس الجامعة، إلى جانب دبلوم إدارة المستشفيات وماجيستير الإحصاء التطبيقي من جامعة عين شمس أيضا، ويعمل مسئول الترجمة العلمية بمستشفى سرطان الأطفال ومدير إدارة التوعية بالمجلس القومى لشؤون الإعاقة، كذلك يعمل مبرمج ومصمم مواقع إليكترونية وتطبيقات حاسوبية. لم يكتفِ الشاب الثلاثيني بتحقيق ذاته دراسيا، بل قرر أن يطلق العنان لخياله، يدفعه للانخراط داخل ذلك الشارع الأصم الذي لا يلقي بالا لظروفه، يقرر الثورة على كرسيه المتحرك الكئيب ذو الحجم الثقيل واللون الفضي الرتيب، وعلى جهاز الشلل الذي يرتديه في قدمه ليساعده على الحركة "لكن في الحقيقة وزنه 30 كيلوجرام كأني شايل عيل صغير في رجلي". شريف ابتكر فكرة لمشروع شامل يستهدف تصنيع الأجهزة التعويضية في مصر على طراز متقدم، ويروي أن فكرته لم تكن هاجسية بل قرر أن يخرجها إلى النور بعد عامين من البحث والدراسة، "عملت دراسة جدوى كاملة للمشروع، زرت كل مصانع الأجهزة التعويضية في مصر، عملت إحصائية كاملة للحجم الإقبال على الأجهزة والمعايير اللي محتاجها ذوي الإعاقة، عملت رسومات وتصميمات كاملة للأبنية اللي هايتعمل عليها المشروع، تواصلت مع كبرى الشركات الأجنبية في المجال ده لأخذ وكالة تصنيعها للأجهزة التعويضية في مصر". مشكلة البطالة كان لها نصيب في تفكيره، فإلى جانب مصنع الأجهزة لتعويضية.. عرض الشاب الثلاثيني فكرة لتصنيع سائل الإضاءة بتكنولوجيا "LED"، وأخرى لتصنيع السخانات الشمسية، الأمر الذي يساعد على تشغيل عدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة في مشروعه، "المشروع مش هايكون صعب على المعاقين ومش هايتعبهم في الجلوس، غير إنهم هايشتغلوا في مشروع الأجهزة التعويضية في مجال البحوث والتكنولوجيا، وعندنا نوابغ كتير فيهم". الدولة لها رأي آخر، يتقدم الشاب الحالم لهيئة الاستثمار، بصفتها الجهة المختصة، ويعرض عليها كافة تفاصيل المشروع، يطلب تخصيص قطعة أرض في منطقة العبور لإقامة المشروع عليها، فترد بأن قطعة الأرض الوحيدة المتوفرة ستكون في بني سويف أو الأقصر، ما يضرب بالمشروع عرض الحائط، "العبور، بالذات لأنها جنب المطارات وهاتسهل الحصول على المستلزمات المستوردة، وعندنا معرض ومكتب إداري لإدارة المشروع هناك، ومكان سهل لوصول المعاقين ليه من كل المحافظات وطرقها ممهدة ليهم بالكامل، لكن الدولة عايزة تعذبهم وتوديهم بني سويف أو الأقصر". - خفة الوزن.. أناقة التصاميم.. الراحة.. الأمان.. المتانة وتطبيق المعايير الطبية على حسب كل حالة، هي من تنتظر ذوي الاحتياجات الخاصة حيال تنفيذ هذا المشروع بحسب قول صاحبه، "اللي يضمن للمعاقين إن الكلام ده هايتنفذ إن اللي هايدير المشروع واحد منهم حاسس بآلامهم، وممول المشروع رجل أعمل أكتر حاجة تهمه الالتزام، ده غير إن اللي هايشتغل هما المعاقين نفسهم". يتمنى شريف، في ختام حديثه، من الدوله أن تحترم طبيعة المشروع وطبيعة الأشخاص الذين سوف يعملون به، وأن تقوم بتخصيص الأرض بمنطقة العبور وأن ترحمهم من الابتزاز، ويؤكد أن المعاقين يريدون أن يكونوا أول من يدفع بعجلة الإنتاج بعد ثورة 30 يونيو، "إحنا بإيدينا ومش عايزين حاجة من حد". /iframe