«ده مفيش فرحان فى الدنيا زى الفرحان بنجاحه»، زغاريد تتعالى وجمل المباركة والتهانى تطرب الآذان وتبهج القلوب، خطوط الأحلام التى رسموها أياماً بلياليها باتت قريبة.. قد يكون ذلك هو حال كل من اجتاز ذلك المحك الصعب والمسمّى ب«الثانوية العامة»، ليجلس على كرسيه ممسكاً باستمارة التنسيق يختار لنفسه بوابة للمستقبل. الأمر يختلف لديهم، إصرارهم على مواصلة الحياة فى خضم الظلام لم ينفعهم، ولم تشفع لهم أصابعهم التى تفتتت من طيلة غرسها فى حروف بارزة هى سبيلهم إلى المذاكرة، فرحتهم بالتفوق تختفى مع أول لحظة لظهور نتيجة تنسيق الجامعات، جملة واحدة تفرض نفسها على آذانهم: «انت كفيف، ما ينفعش تدخل الكلية دى حتى لو جايب مجموعها». محمد فارس، 18 عاماً، له تجربة حوت أياماً من المعاناة فى سبيل تحقيق حلمه، مجموعه فى الثانوية العامة تجاوز 88%، فبات حلمه فى الالتحاق بقسم الإعلام كلية آداب عين شمس مشروعاً، إلا أن رد الجامعة بأن القسم مغلق للمكفوفين فاجأه: «مش بس القسم ده، لكن لقيت كمان 13 قسم فى كلية آداب ما ينفعش مكفوفين يدخلوها، والأقسام المتاحة هى عربى وإنجليزى وتاريخ». رحلة البحث عن الحلم بدأت، الشاب الكفيف حاول أن يتمرّد على واقعه: «لما رحت الجامعة وحاولت أتمسك بدخول آداب إعلام، قالولى إن ده ما ينفعش عشان الإعلام محتاج حركة، وانت مش هتعرف عشان كفيف، ولما اعترضت قالولى هو نظامنا كده». «فارس» قرر أن يصعّد الأمر، ويتواصل مع مكتب وزير التعليم العالى الدكتور سيد عبدالخالق لحل الأمر، فقررت إدارة جامعة عين شمس حسم الأمر عن طريق الكشف الطبى، حسب قوله، «لما كشفت طلعونى إنى مش كفيف، وبادعى العمى، وكده أنا أبقى مخالف للقانون وتحايلت على الجامعة بأنى كفيف، ولما جبت لهم تقارير طبية من التأمين الصحى، وإثبات أنى كنت فى مدرسة مكفوفين، كان ردهم لو قدرت تضحك على المدرسة، مش هتضحك علينا». اليأس لم يعرف طريقه إلى قلب الشاب الكفيف، فقرر التوجه إلى جامعة حلوان لعرض أوراقه بها، ليبدأ مرحلة جديدة من التحدى، بعد أن أصبح طالباً بالسنة الأولى لكلية الآداب قسم الإعلام بالجامعة، ويبدأ أولى خطوات حلمه. لم تختلف حكاية أحمد مراد كمال، السابع على مكفوفى جمهورية مصر العربية هذا العام، الذى تلقى خطاب ترشيحه من مكتب التنسيق لجامعة عين شمس، وكانت أولى رغباته هى الالتحاق بكلية الآداب قسم علم النفس، الذى رفض استقباله: «فى الأول كنت متمسك إنى أدخل القسم، ولما يئست من (عين شمس) قررت أروح جامعة القاهرة أو حلوان، عشان أحاول أدخل القسم هناك».