كانت تجربة حكم الإخوان المريرة فى عامهم الظلامى 2012 - 2013م قاسية على المصريين ومهينة لدولتهم الغالية على مواطنيها وضيوفهم، والذين سجدوا لله شكراً يوم أن امتن الله عليهم بتمكينهم من استرداد وطنهم المسلوب ودينهم المخطوف، وزاد عليهم فضله بإذلال ظالميهم بعدله، ليشفى صدور المصريين عن محنة العام العجاف الذى قضوه تحت إمرة الإرهاب المختبئ فى عباءة الدين، وليُظهر للمؤمنين سنّته فى أرضه التى لا تتبدّل ولا تتخلّف، فمن قبل وقع مثل ذلك فى أجدادنا الأوائل فنصرهم الله بعدله، كما قال سبحانه: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص: 4 - 6). ومع مرارة تجربة حكم الإخوان لمصر، إلا أنها كشفت للمصريين ما لم يكونوا يتخيلونه، ولو فى الأحلام حتى رضوا بمرارة التجربة، عوضاً عما استفادوه من دروس وما اكتشفوه من ورم خبيث خبيئ فى جسد كنانة الله فى أرضه جعلهم يستأصلونه فى الوقت المناسب ويقومون حالياً بمرحلة التطهير والتعقيم لتبقى آية الله تعالى لا تتخلف فى قوله سبحانه: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ» (يوسف: 99)، وليرجع الدين لله حقاً لكل إنسان فى اختياره وفى فهمه وفى قناعته من غير وصاية أو كهانة، كما قال سبحانه: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة: 256)، حتى إن الله عزّ وجلّ أمر الأحرار بالمقاتلة من أجل إسقاط الوصاية الدينية فى قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» (الأنفال: 39). وبينما يتعاون المصريون على البر فى تأمين مصرهم ليسعد أهلها وضيوفهم، وعلى التقوى فى رفع الوصاية الدينية ليستقل الجميع فى علاقة صافية بربه من غير واسطة، ويتنافسون فى صلتهم بالله من غير تحجيم بسقف الأوصياء تطل علينا الدعوة الشيطانية المختبئة فى عباءة ما سمته «الجبهة السلفية» بوجهها القبيح الذى لا يستحيى وهو ينادى بإحياء الفتنة وإعلان الأذى والحشد إلى الشر فى مليونية الإرهاب يوم الجمعة الثامن والعشرين من نوفمبر الحالى، تضامناً مع الخائنين لبلدهم. ولم يعجب المصريون من دعوة هؤلاء السلفيين المتوقعة؛ لقوله تعالى: «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (التوبة: 67)، وقوله سبحانه: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ» (النور: 26). ويطمئن المصريون بذكر الله الذى أنجاهم من شر أساتذة السوء وأئمة الخيانة أن ينجيهم من شر أذنابهم الأصاغر الذين دفعهم الطمع فى الحكم والسيطرة أن يقبلوا التبعية لكبار الخائنين الخاسرين فى الدنيا والآخرة، كما يحكى القرآن الكريم حوارهم فى النار، فيقول الله سبحانه: «وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ» (غافر: 47 - 48). والذى يطمئن المصريين على أنهم المنصورون فى كل الجولات التى يجددها الخونة وأتباعهم قضاء الله المبرم فى حفظ دولة المصلحين التى تقوم بالإعمار والإحياء فى الأرض، وتقوم بتمكين كل إنسان من اختيار دينه ومذهبه كيف شاء دون الإضرار بالآخرين حتى يظهر دين الله الحق بالقوة الناعمة وتنافس المتدينين بإظهار أحسن ما عندهم، ويعرف الناس دين الله من تصرفاتهم وفهومهم، كما قال تعالى: «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (التوبة: 33)، (الصف: 19)، وقوله سبحانه: «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا» (الفتح: 28). ولا يجوز تفسير هذا النص الكريم الذى تكرر ثلاث مرات كما ورد فى سورة التوبة وسورة الفتح وسورة الصف على إظهار دين الله بالسيف أو بالقوة، فهذا يخالف قوله تعالى: «لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاءُ» (البقرة: 272). فإذا تركنا دين الله يظهر بالقوة الناعمة ومنافسة كل الناس بكل أديانهم ومذاهبهم، وصرفنا اهتمامنا إلى إعمار الأرض وخدمة الإنسان بقيت دولتنا إلى يوم الدين كما قال سبحانه: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (هود: 117). أما الأبرياء المنساقون وراء غرور شعار اسم «السلفية» أو اسم «الشريعة» أو حتى رفع راية «المصحف الشريف»، فلن تغنيهم تلك الشعارات من الله تعالى، ويجب أن يعلموا أن تلك الشعارات هى الفخ لاصطيادهم جنوداً فى حزب الشيطان، أو الشبكة التى يصطاد بها أوصياء الدين ضحاياهم ليكونوا وقوداً للنار التى يريدون إشعالها فى مليونية الإرهاب، فقد أعلن أسيادهم الخونة من قبل شعار «الإسلام هو الحل» وشعار «إسلامية إسلامية» حتى أذلهم الله وأسقطهم خزايا؛ لأنهم مارسوا العنصرية، وأعلوا من العصبية، وفرقوا بين الزوج وزوجه، واستعدوا الأخ على أخيه، ونازعوا الله فى دينه فزعموا أنهم وكلاء تفسيره على الناس، ولم يتركوهم أحراراً فيه كما أمر الله. وأما بدعة رفع المصاحف فى مواطن النزاع والاشتباك فلم يفعلها حتى جنود معاوية بن أبى سفيان فى مواجهة جنود على بن أبى طالب. لقد رفع جيش «معاوية» المصاحف بعد أن وضعوا السلاح وأوقفوا القتال، مطالبين بالحل السلمى عن طريق المفاوضات والاتفاقات، عملاً بكتاب الله الذى يأمر بالوفاء بالعقود والعهود، فكان المصحف مصاناً عن مظنة الإهانة. أما الخادعون باسم «السلفية» اليوم فهم يدعون إلى «بدعة رفع المصاحف» لاستجلاب المحبين لكتاب الله وتجنيدهم فى معركتهم الإرهابية، فهم متاجرون بكتاب الله لمكاسبهم السياسية على حساب قدسية المصحف التى قد تدنّسها الأقدام، وحرمة الدماء التى قد تسيل بالتدافع. إن القرآن الكريم نزل لهداية الإنسان بتدبّره، وقد وعد الله بحفظه مادياً من التحريف ومعنوياً بإسقاط المتاجرين به، فقال سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر: 9)، فلن يكون القرآن الكريم يوماً مانعاً من إقامة العدل والإحسان والرحمة، أو غطاءً للعدوان والظلم والإرهاب؛ كما قال سبحانه: «مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى» (طه: 2).