تكلفة إصلاح الفوضى والإهمال وانخفاض مستوى الكفاءة وارتفاع مستوى الفساد بداخل الجهاز الحكومى فى الدولة والمتجذر من 60 عاماً تقريباً أكبر كثيراً من تكلفة بناء نظام جديد. وإذا كان الجهاز القديم يحتاج إلى أفكار مبدعة وإلى وقت لنسفه وخلق جهاز جديد، فيجب أن يكون هذا الإصلاح قائماً على أولويات الدولة وأن تكون هناك رغبة وإرادة سياسية وتنفيذية تتوحد فيها جهود مؤسسة الرئاسة مع الحكومة. يجب أن تمتلك الدولة رؤية كما ينبغى أن يكون وتطرح سيناريوهات التغيير بكل جوانبه وإيجابياته، فهل سيكون الحل فى إقامة أجهزة موازية فى كل الوزارات والمؤسسات الحكومية، يتم فيها اختيار العناصر الأفضل والتخلص من جميع العورات. وتعمل هذه العناصر بطريقة انتشار الدوامات بحيث يحدث إزاحة لكل مساحات الفساد، فالنجاح والفشل معدٍ والعملة الجيدة طاردة لكل خبيث وردىء. مؤكد هناك فى مصر عقول تمتلك أفكاراً مبدعة ورؤى مختلفة ولكن هل تمتلك الحكومة تخطيطاً للمواجهة وخطة لاكتشاف هذه العناصر وتطبيق الأفكار. رئيس الوزراء أعلن أن مصر تخوض حرباً على الإرهاب وحرباً على الإهمال وكان الأولى به أن يعترف أن الفساد كالإرهاب. وأن مصر ستخوض هذه الحرب بكل قوة ولكنه بحث عن توصيف أقل وكأن الاعتراف بالفساد خطأ، الإهمال جزء من منظومة الفساد الكبرى التى ابتليت بها مصر، فالفساد مرض مستوطن فى جسد الوطن وأصبح ورماً خبيثاً لا تجدى معه سوى جراحة عاجلة ناجحة أن أردنا إنقاذاً. آفة بلادنا إن لم تكن جهلاً فهى فساد، وإن لم يطغَ الفساد، ساد الإهمال وتسيدت الفوضى، فهل تمتلك الدولة الخطة والرؤية والقوة لاقتلاع جذور الفساد الراسخة والتى تنجب الإهمال وكوارث أخرى، والتى تتكاثر وتنمو وتكبر فى كل المؤسسات والهيئات والوزارات مع وجود كفاءات محدودة أو منعدمة تشكل طبقات متعددة من الفساد. هل تجرؤ الدولة على التطهر من هذه الخطايا؟ وكيف تدير الحكومة خطتها لمواجهة الإهمال؟ هذا الوصف التجميلى للفساد وكأننا قضينا على الفساد ولم يبقَ سوى ذيله الإهمال «يموت الفساد وديله بيلعب». ما خطة حكومتك يا سيادة رئيس الوزراء لمواجهة كارثة الإهمال إذا كان للفساد قانون يحميه وإذا كان الإهمال جزءاً من الثقافة وتعاسة التعليم وغروب الضمير، فمن أين نبدأ؟ ما أدوات الحكومة للقضاء على الإهمال وفى جهازها الحكومى توجد عجينة من فاسدى الذمة يقيمون أضلاع مثلث الهدم وكأن الفساد مغناطيس جاذب لا ينجو منه إلا من امتلك يقظة الضمير وفتح الله عليه علماً وكفاءة. دورة الإهمال المصرية تعلن عن نفسها فى كل كارثة، ففى كل حادثة على الطرق هناك فساد يعلن عن نفسه.. هنا من صمم ومن نفذ.. هنا فساد فى تطبيق القانون، وهنا من تراخى ومن أهمل ومن أغمض عينيه، هنا فساد فى استيراد سيارات النقل حيث السماسرة فى أرواح البشر، وهنا إهمال سائق مطحون يعانى ضيق اليد وقلة التدريب والعلم. فى حوادث المدارس نفس الدورة الملعونة إهمال وراءه فساد.. الفساد أصبح أسلوب حياة. فما حلول الحكومة بعيداً عن التصريحات والمسكنات الوقتية. ما الخبرات والأفكار المبدعة التى تعتمد عليها غير وجود رئيس الوزراء فى مواقع الأحداث بعد الكارثة، إن هذا الوجود له أهميته إلا أنه لا يكفى طالما جاء كرد فعل انفعالى وليس كخطة وجزء من استراتيجية مدروسة. متى نمتلك الخطة، ومتى نمتلك الرؤيا؟ متى يكون لدينا جهاز حكومى بكفاءات جديدة متميزة؟ متى تتقاعد الخلايا الفاسدة؟ الفساد هو الثورة المضادة التى تجهض أى محاولة للبناء وللتقدم وتقتل أى محاولة لتجاوز كل المعوقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.