أكره الهتاف بشدة، أمقته وأمقت مردديه، إذ يعكس بالنسبة لى جهلاً، وكم أكره الجهلاء. قد يندهش سائل «إزاى مش شايفة أن الداخلية بلطجية؟»، فأصحح له «للأسف حتى البلطجة فشلوا فيها» بعد أن فضحتهم فيديوهات «اليوتيوب» غير مرة. تخيل معى قارئى العزيز أن تغييراً وزارياً حدث خلال الساعات القليلة المقبلة، ماذا لو فعلها «محلب»، ولعب «الكراسى الموسيقية» مع وزراء حكومته، كأن ينتزع حقيبة الداخلية من محمد إبراهيم ليمنحه بدلاً منها حقيبة البيئة، ويضع د.خالد فهمى وزيراً للداخلية، هل سيشعر المواطن بفارق يذكر فى الملفين؟، وهل سينجح الوزير الهُمام فى مكافحة السحابة السوداء والقضاء عليها، أم أنه سيخوضها حرباً كلامية كالتى شنها على الإرهاب ومنابعه وجماعة «الإخوان» وتنظيماتها، والنتيجة «دايما نعوش.. نعوش.. نعوش». الحقيقة أنه لا فارق، اسم الوزير لا يعنى كثيراً فى ظل غياب الإمكانيات من جانب، والمهارات الفردية من جانب آخر، وفى ظل غياب الخيال. والخيال ليس حرفة الأدباء والمبدعين فحسب، بل حرفة كل من يبحث عن التميز فى مجال، حتى لو كان على كتفه ورأسه 700 «دبورة ونسر وكاب»، أو فى يده «مقشة وجردل». سيبدع محمد إبراهيم، أو هكذا أعتقد. لن يخلو شهر من مؤتمر صحفى للوزير يتحدث فيه عن جهود حماة البيئة فى مواجهة السحابة السوداء، سيشير إلى كونها مخططاً خارجياً، ربما تكون غازات سامة ينفثها الإسرائيليون أو القطريون أو التركيون أو الأمريكان فى سمائهم فتصلنا لتزكم أنوفنا وتشعل النيران فى جيوبنا الأنفية، سينفى نفياً قاطعاً أن الأمر نابع من قش الأرز، سيطلق قوله الشهير «معندناش قش ولا رز من أساسه»، سيستورد أجهزة لقياس نسبة السموم فى الجو، فإذا بها لا تقل فى تفاهتها عن جهاز عبدالعاطى كفتة، ليتضح بعد ملايين تم إنفاقها أن الأجهزة المستوردة «شحنة لعب أطفال والوزارة تسلمتها غلط». سيواصل إبداعه، سيتحرك يمنة ويسرة فى كل اتجاه. إذا سمع عن تلوث أو بقعة زيت فى أسوان، سيسارع على الفور متوجهاً إلى الإسكندرية لمؤازرة حماة البيئة والشد على أيديهم ورفع معنوياتهم، بحيث إذا وصلت البقعة الإسكندرية -ومحدش يقول لى إزاى- يكون بوسعهم هزيمتها لترسيخ رسالة أن «الدولة باقية.. والبقعة زائلة». لن يفوت «إبراهيم» التأكيد من آن لآخر على المعاناة التى يلقاها فى منصبه الوزارى، سيروى عن الحقيبة الثقيلة، وسيباهى أنه وحده «شايل زبالة البلد على كتفه»، سيحكى فى حوارات مطولة عن النوم الذى عزّ على جفنيه، بسبب التفكير فى الفحم وكارثته المقبلة على الدولة بسرعة الصاروخ، ولن يمانع فى استخدامه، طالما قررت الحكومة، رافعاً شعار «الضرورات تبيح المحظورات». فى الموقع الآخر، لن يجد د.خالد فهمى أى غضاضة فى التعامل مع ضباط الشرطة، فمنهم وإليهم يعود، و«البيئة» التى عايشها لسنوات، حاملاً حقيبتها منذ عهد الإخوان وحكومة قنديل، أهّلته للتعامل مع كافة أنواع البشر. والضباط كغيرهم، بينهم المنضبط، وبينهم المنفلت، ول«فهمى» باع طويل فى التعامل مع المنضبطين، هكذا اعتاد حين كان ضابطاً وأستاذ تخطيط، أما المنفلتون ف«لا غالب لهم»؛ لا «فهمى» ولا سابقه «إبراهيم» ولا حتى «محلب» نفسه. الخلاصة: الخيال يصنع الواقع. وبلغة أخرى: شيل ده من ده.. يرتاح ده عن ده.