لماذا أصبحت حواراتنا مع بعضنا البعض مثل حوار الصم؟ أى الطرشان الذين لا يسمعون بعضهم البعض، وفى الوقت نفسه يحاولون أن ينطقوا بأصوات غير مفهومة، فتكون النتيجة ألا يفهم أحدهم الآخر ولا يصلوا إلى نتيجة. لقد فقدنا بالفعل أساسيات وآداب الحوار، فكل واحد يريد أن يتكلم فقط، ولا يستمع إلى الآخرين، مع أن أول ما يتعلمه الطفل فى الحضانة فى الخارج هما الكلمتان السحريتان: من فضلك، وشكراً، ثم يعلمونه أدب الاستماع، فيقولون له إن الله خلقنا بأذنين اثنتين واحدة للسمع والأخرى لفهم المعنى، وخلق لنا فماً واحداً لكى نستمع ونفهم أكثر مما نتكلم، وهكذا نجد أن أول ما ينبغى أن يتعلمه الطفل هو فن الاستماع والإنصات، فالاستماع ليس مهارة فحسب، بل هو وصفة أخلاقية يجب أن نتعلمها ونعلمها لأطفالنا منذ الصغر، لكى نبنى علاقات وطيدة وأسلوباً للتواصل والفهم مع الآخرين، ولقد أظهرت دراسة علمية على مهارات الاتصال بين الناس أنهم يستغرقون ما نسبته 75% من يومهم فى الاستماع والتحدث كالتالى: 40% للاستماع، و35% للتحدث، بينما يقضون 16% من أوقاتهم فى القراءة، و9% فى الكتابة، وهو ما يؤكد أن الإنصات ينبغى أن يحتل نصيب الأسد من فترات الاستماع أثناء أنشطتنا اليومية لكى نستفيد مما نسمعه، وعلى الرغم من هذا فإننا لا نجد أى اعتبار يذكر لتدريس مادة الإنصات كمادة أساسية للتعلم، مقارنة بالقراءة والكتابة والتحدث. وهناك فرق كبير بين معنى السمع والاستماع والإنصات، فالسمع هو الحاسة الأولى من حواس الفهم والإدراك التى منحها الخالق عز وجل للإنسان وهو لا يزال جنيناً فى بطن أمه، ويقول الله تعالى: «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، أى تشكرون حين تدركون قيمة النعمة وتحسنون استخدامها، والسمع مهم جداً فى عملية الاتصال ويلعب دوراً مهماً فى عملية التعليم والتعلم، إلا أننا يمكن أن نسمع الكثير ولكننا لا ننصت أو ننتبه إلا للقليل منه، ومن المفارقات الغريبة أن هناك دراسة تقول إن المرأة تتحدث فى اليوم حوالى 13 ألف كلمة والرجل 8 آلاف كلمة، وعلى الرغم من ذلك فهما لا يستمعان لبعضهما ولا ينصتان، وكلاهما يكتم فى نفسه ما لا يستطيع مناقشته مع الآخر ويعيش متكلماً مع نفسه أو أصدقائه فقط بعد أن يصاب كل منهما بالخرس الزوجى داخل البيت، وبعد فترة من الزمن يكتشف الزوجان أن كل واحد منهما يعيش خصوصياته فقط لا يشاركه فيها أحد، ولأنه لا يوجد بينهما حوار خارجى عقلانى، لذا فإن هذه الطاقة تكبت على شكل حوار نفسى سلبى داخلى ينفجر كالبركان من داخلهما فى يوم من الأيام حتى بعد عشرة السنين. ولهذا نجد أن المولى عز وجل قد لفت نظرنا إلى أهمية الاستماع والإنصات للقرآن الكريم وليس مجرد السمع فقط من خلال قوله عز وجل: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»، (الأعراف: 204). ويعتمد الاستماع المؤثر على أربعة عوامل أساسية هى: 1- السماع: ويتم من خلال الجهاز السمعى الذى يمكن أن يتعطل بالإصابة فى حادث أو بسبب تقدم السن أو المرض. 2- الانتباه: وهو عملية نفسية مهمة، واحتياجاتنا ورغباتنا هى التى تحدد ما يجب أن ننتبه إليه، فنحن لا نستطيع أن ننتبه إلى كل صوت نسمعه لكننا ننتقى بشكل واعٍ بعض الرسائل ونركز عليها انتباهنا، ويعتمد مستوى الانتباه على درجة العائد الذى سوف يعود علينا منه. 3- الفهم: ويعتمد على نفاذ البصيرة لدى المستمع وذكائه، وينبغى فى المقام الأول أن تفهم لغة المتحدث ولهجته وثقافته وحديثه عن مهنته أو عمله، بعد ذلك ينبغى عليك أن تكون قادراً على أن تستدل على معنى الرسالة التى يريد توصيلها. 4- الاستجابة: بمعنى إبداء الرأى للمتحدث، وتشمل طرح الأسئلة وتبادل الآراء، ويمكن أن تحدث فقط بعد الاستماع بعناية، ولا يتم التحضير لها بعيداً عن تسلسل حوار المتحدث أو الفكرة الأساسية لموضوع الحوار، حتى لا يشعر المتحدث أنه فى وادٍ والمستمع فى وادٍ آخر.