منذ ظهور تنظيم داعش على مسرح الأحداث والتأويلات كثيرة حول هذا التنظيم، ولكن دون إجابات محددة، فكيف نشأ، ومن الممول له؟ ففك رموز تنظيم داعش من الأمور الغامضة وتوافر المعلومات عنه من شأنه أن يلقى الضوء حول هذا اللغز الكبير، بل هو مجموعة ألغاز، وينتظر العالم العربى بفارغ الصبر فك رموز هذا التنظيم من هذا الزخم. فنحن بانتظار أكبر قدر ممكن من المعلومات عن: ما الجنسية التى يحملها هذا التنظيم، فهل يحمل جواز سفر سورياً أم أمريكياً أم هل يحمل أعضاؤه جذوراً عراقية؟ وهل هو لقيط أم وُلد سفاحاً؟ فتنظيم داعش يريد إعادة المنطقة العربية بأكملها إلى العصر الجاهلى إلى ما قبل الإسلام، ففى الأماكن التى يسيطر عليها عناصر هذا التنظيم حدث ولا حرج عن ممارسات قمعية، فقد عاد بنا تنظيم داعش إلى أسواق النخاسة وإلى روايات ألف ليلة وليلة والهمجية. فهم من الخوارج، بل امتداد للخوارج، وهم أول فرقة مرتدة عن الإسلام، فاستُحلت دماؤهم وأموالهم ونساؤهم بسبب تكفيرها للمسلمين. فداعش مفاجأة الألفية الجديدة بلا شك، فهى تؤمن بالتغيير العنفى وبالعنف المسلح وتسعى إلى تقسيم كعكة العراق والشام، فهذا التنظيم هو منتج إرهابى منفصل عن «القاعدة» بعد أن كان جزءاً منه وأضيفت إليه أفكار جديدة نتج عنها هذا المزيج بين داعش والقاعدة الذى يقترب من العصابات المنظمة والمسلحة، فحصل التنظيم على لقب التنظيم الأكثر رعباً فى العالم وعلى الأخص فى منطقة الشرق الأوسط. فداعش جيش حقيقى وليس مجرد تنظيم مسلح ذى طابع ميليشيات، ويتأكد ذلك فى اجتياحه لمناطق شاسعة من سورياوالعراق، ولأنه جيش فلا بد أن تكون وراءه دولة أو مجموعة دول تدعمه سعياً لإقامة دولته الخاصة به، فالمشرق العربى يواجه خطراً حقيقياً من تنظيم إرهابى يحكمه الإسلام السياسى ويسعى إلى قيادة المنطقة. فقد نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريراً حول منبع ثروة التنظيم الإرهابى داعش الذى يُعد أغنى تنظيم مسلح على مستوى العالم، حيث كشفت أن رصيد التنظيم وصل إلى مليون دولار يومياً وأن مصادر ثروة التنظيم متنوعة، حيث يُعد النفط السورى والعراقى المفتاح السحرى لهذه الثروة التى تحت يد وسيطرة التنظيم فى العراق بالإضافة لعمليات نهب الآثار من دولتى العراقوسوريا والاتجار بها. وإذا كانت أخطار انتشار فيروس داعش فى منطقة الشرق الأوسط تجبر الجميع على مواجهة خطر مشترك على المنطقة بأسرها فمن مصلحة الجميع محاربة تنظيم داعش ربما بالوسائل العسكرية فى الوقت الحالى وبطرق أخرى بعيدة المدى فى وقت لاحق. فقد حرصت داعش بعد مضى نحو أربعة أشهر على إعلان تأسيس التنظيم الجديد (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) على تأسيس مشروع الدولة عبر تحويل المدارس والبيوت التى استولت عليها إلى مقارات وزارية ومحاكم ومدارس وسجون ومعسكرات للتنظيم العسكرى، ففرضوا قوانينهم على الأهالى وبثوا الذعر والهلع فى نفوسهم. وفى معرض قراءة الموقف نجد أن تنظيم داعش يعيش الآن، بعد استيلائه على مساحات شاسعة من أراضى دولتى العراقوسوريا، لحظات الزهو والغرور بعد كل الإنجازات السريعة التى حققها والتى ساعده عليها تردى الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية فى العراق والشام، فقد قام التنظيم بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية ورجم للنساء ويسعى إلى تطبيق شريعته المزعومة المتطرفة، ويسعى التنظيم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى بشكل غير مسبوق إلى استقطاب عناصر جديدة من مختلف دول العالم لضمها إلى دولته الوليدة والساعى إليها بقوة لإقامة خلافته الإسلامية المتطرفة. فبروز تنظيم داعش بهذا الحجم المخيف والمدمر يوجب على قائدى صُناع القرار فى المنطقة والعالم اتخاذ موقف موحد أكثر قوة وصلابة واتخاذ كافة التدابير اللازمة والتمسك باليقظة الكافية والتدقيق فى مجريات الأمور للفتك بهذا التنظيم والقضاء عليه واتخاذ قرار دولى يقطع رأس داعش والتوحد الجاد بين الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تلعب دوراً غامضاً ومماثلاً لتنظيم داعش. وفى كل هذا السيناريو يبدو أن البيت الأبيض فى عهد قاطنه أوباما فى حالة من الارتباك الشديد تتمثل فى التردد وعدم اتخاذ مواقف واضحة حيال ما يجرى فى العالم وعلى الأخص فى منطقة الشرق الأوسط، فهى بمشاركتها فى الحرب بشكل كامل وحقيقى وقيادتها لتحالف دولى للقضاء على داعش تخشى من أن يلجأ تنظيم داعش إلى نقل عملياته داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالخسائر ربما ستكون مضاعفة فى الداخل والخارج. فقد أشارت الكثير من التقارير والمصادر الإعلامية والاستخباراتية إلى تورط أمريكا فى إنشاء هذا التنظيم، وهى التى تحاربه اليوم، ولن نندهش إذا تعاونت معه فى المستقبل، فالهيمنة الأمريكية على المنطقة تفرض عليها التعاون مع هذا التنظيم كى تظل الكلمة الأولى والأخيرة فى المنطقة بيد الإدارة الأمريكية، ولنا مثال حى فى تنظيم القاعدة الذى أنشأته وأدارته الإدارة الأمريكية فى أفغانستان وموّلته بالسلاح والمال لسنوات طويلة واستخدمته فى محاربة روسيا تحقيقاً لأغراضها ومصالحها ثم انقضّت عليه وحاربته بعد تعارض مصالحها مع هذا التنظيم الذى وُلد من رحم الإدارة الأمريكية. ومنذ تكوين التحالف الدولى بقيادة ورعاية أمريكا للقضاء على تنظيم داعش وشن الحرب عليه فشل هذا التحالف فى كسر العمود الفقرى لهذا التنظيم الذى يحقق كل يوم نجاحاً فى استيلائه على مساحات شاسعة من أراضى العراقوسوريا وتثبيت أقدامه فى المنطقة. وسيظهر ذلك جلياً فى الوقت القريب من أن هذا التنظيم الشيطانى هو صنع الإدارة الأمريكية التى تستخدمه فى خدمة مصالحها فى المنطقة سعياً منها لتنفيذ مخططها لتقسيم المنطقة لدويلات صغيرة، كما حدث فى العراق والسودان واليمن وليبيا وفى الطريق سوريا.