هي الفتاة الرقيقة الراقية التي تجاوزت كونها مجرد وجه جميل، وفتحت بيتها في صالون أسبوعي أمام رجال الثقافة والأدب في مصر والوطن العربي، ليكون صالونها الذي استمر قرابة العشرين عامًا من أشهر الندوات الثقافية التي تردد عليها كبار الأدباء، الذي كان يعتبر شيء جديد على المجتمع المصري في ذلك الوقت، يجمع رواد الشعر والأدب والسياسة، حتى الشيوخ المعممين لتتسع مساحة التعبير الفكري، فتدير فيه دفة الحوار في سلاسة ولباقة تليق بالفتاة الأبرز في الوسط الثقافي في ذلك الحين. جمعت مي زيادة، في "صالون الثلاثاء" أبرز الرجال في مختلف المجالات في تناغم غريب وغامض، لتغزل خيوط الشهرة حروف اسمها، وتساهم في إثراء الحياة الثقافية في ذلك الوقت، مضيفة نوع من البهاء والرقي، ثارت به على "عصر الحريم"، وأسست عصر آخر للسيدات بعطائها الأدبي والفكري، فلم يكن من الغريب أن يقع كل الرجال في حبها وهي الفتاة المثقفة الملهمة، وامتد الأمر ليتعلقوا بصالونها الشهري الذي كان بمثابة صرح ثقافي عملاق يقدم وجبة دسمة للمشاركين به، فقال عنه الشاعر إسماعيل صبري "روحي على بعض دور الحي حائمة، كظامئ الطير تواقًا إلى الماء، إن لم أمتع بمي ناظري غدًا، لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء". فكرة الصالون الثقافي ولدت لدي الأديبة الشابة بعد ما قرأته عن صالون "مدام دوستايل" في فرنسا، ففي شقة في مباني جريدة الأهرام قدمت لمي من قبل الجريدة، لتكون فيما بعد صالونًا يجمع الأدباء والشعراء، وفي هذه الشقة بدأت مي إقامة صالونها الثقافي الأدبي الذي دعت إليه بعد كلمتها التي ألقتها في الجامعة المصرية نيابة عن الشاعر جبران خليل جبران في مناسبة تكريم الشاعر خليل مطران وكلمتها التي عقبت بها على كلمة أديب المهجر جبران، وعندما لمست تعلق القلوب بها وإعجابهم بصوتها والطريقة التي ألقت بها الكلمة، أعلنت في تلك الليلة دعوتها لجميع الحضور عن فتح صالونها. ومن أبرز الأسماء التي كانت جزءًا من "صالون الثلاثاء" عميد الأدب العربي طه حسين، الذي قال عنه "كان الذين يختلفون إلى الصالون متفاوتين تفاوتًا شديدًا، فكان منهم المصريون على تفاوت طبقاتهم ومنازلهم الاجتماعية، وعلى تفاوت أعمارهم، وكان منهم السوريون، ومنهم الأوروبيون على اختلاف شعوبهم، وكان منهم الرجال والنساء، وكانوا يتحدثون في كل شيء، ويتحدثون بلغات مختلفة وبالعربية والفرنسية والإنجليزية خاصة." ويقول عنه العقاد: "لو جمعت هذه الأحاديث التي كانت تدور في صالون مي لتألفت منها مكتبة عصرية تقابل مكتبة العقد الفريط ومكتبة الأغاني في الثقافتين الأندلسية والعباسية"، فقد ضم عدد كبير من رموز الحياة الثقافية وصناعها و من أبرزهم أحمد لطفي السيد، ومصطفى عبدالرازق، وعباس العقاد، وطه حسين، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وأنطون الجميل، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وأحمد شوقي، وتوفيق الحكيم ، محمد التابعي وغيرهم الكثير. فضم الصالون العالم السلفي محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار، بجوار مصطفى عبدالرازق شيخ الأزهر، الذي قال عنها " أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانًا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسًا أسبوعيًا، لا لغو فيه ولا تأثيم ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء "، بالإضافة إلى الشيخ محمد عبده وقاسم أمين، ما يدل بشكل واضح على تطور وتنوع حالة الفرز بين ما هو الديني والفكري وعد تعارضهم بشكل أو بآخر، كما ضم عدد من السيدات في ذلك الوقت من بينهن هدى شعراوي، وشاعرة البادية ملك حفني ناصف، وإيمي خير، وإحسان القوصي، ونضلة حكيم. ليكون بعد ذلك صالون مي زيادة هو أحفل الصالونات الأدبية في الوطن العربي التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل الوضع الثقافي في ذلك الحين، بالرغم من مرور عشرات السنين، تاركة ورائها مسيرة غزيرة تربعت بها عروس علي عرش الأدب، وسط عمالقة في زمانها.