يختلف المذهب الزيدى، المنتشر فى اليمن، فقهياً عن «الاثنى عشرى» فى إقراره خلافة الصحابة وإجلالهم. الحوثيون بدورهم تمردوا على المذهب وعلمائه وخاضوا حروباً فكرية ومناظرات مع علماء «الزيدية» وصنعوا مذهباً خاصاً بهم، خاصة إثر احتضان إيران مؤسس الحوثيين «بدرالدين»، الذى سافر إلى طهران عام 1994 وتبعه ولده «حسين»، لينهلا من فقه «الاثنى عشرية» فى الحوزات الدينية الإيرانية. وبعد أن تشبع الابن بالمنهج نجح بمهارة شهد له بها الجميع فى إثارة الجدل بين علماء المذهب «الزيدى»، ودخلوا فى صراعات فكرية انتهت بخروج مذهب حوثى دينى يخلط ما بين «الزيدية» والاثنى عشرية»، وعلى أثره كثف حسين الحوثى من خطاباته السياسية التى شملت تفاصيل العقيدة والسياسة والثقافة، فى قالب جذاب استطاع أن يستقطب من خلاله شباب القبائل، ليس فى صعدة وحدها، بل امتد الأمر إلى أكثر من 9 محافظات يمنية بعد تشكيل منتدى الحوثى الذى كان يستقبل الشباب ويقيم لهم أنشطة رياضية وثقافية وتعليمية ودينية وفقهية، وما لبثت أن توسعت الجماعة التى كانت تلقب بحركة «الشباب المؤمن»، ثم تغير الاسم إلى حركة «أنصار الله»، على غرار تجربة «حزب الله» فى بيروت، ولجأت، تشبهاً بجماعة الإخوان المسلمين، إلى التوغل فى المجتمع بتقديم المساعدات الاجتماعية للبسطاء ودعم المثقفين واستمالتهم ورعاية الفقراء وتقديم الدعم المادى والمعنوى لهم حتى صارت الحركة دولة داخل الدولة، وقام أنصار حسين الحوثى بجمع خطاباته السياسية والفقهية فى كتاب مثّل المرجعية الدينية والفقهية لأنصار الحركة، تماماً كما فعل «الإخوان المسلمون» فى كتاب «الرسائل» لإمامهم «البنا». وعلى ذلك، فإن حركة «أنصار الله» مجرد محاولة إيرانية جادة لاستنساخ «حزب الله» جديد فى اليمن، فعلى غرار حركة «أمل» أسس بدرالدين الحوثى حركة «الشباب المؤمن» التى تغير اسمها بعد ذلك إلى «أنصار الله»، واتبعت الحركة فى عملها طريقة «الإخوان المسلمين» فى الاهتمام بالطبقات الفقيرة واستقطاب الشباب وتوسيع دائرة العمل العام فى مختلف المحافظات استعداداً للسيطرة على حكم الشمال وتحقيق أولى خطوات نبوءة حكمهم لشمال الجزيرة العربية، كما هو مدون فى كتبهم. بعد عودة حسين بدرالدين الحوثى من رحلة لإيران، برفقة والده، دامت لما يزيد على الثمانى سنوات تنقلا خلالها ما بين إيران ولبنان، وأنهاها «حسين» فى 2002، اقتحم الرجل المربعات الكامنة فى اليمن مسلحاً بفكر «الاثنى عشرية»، ومستقوياً بالوعود الإيرانية فى المساندة والدعم، وكما ذكرنا آنفاً، فقد خاض الرجل حروباً فكرية سواء مع علماء «الزيدية» أو «السُّنة» مشكلاً مذهباً جديداً اصطفت حوله كل الفرق الشيعية فى اليمن. لم يعد «الحوثى» من إيران مسلحاً بالفكر «الاثنى عشرى» فقط بل عاد أيضاً مسلحاً بالمال الذى مكَّنه من السطو على البقاع الفقيرة واستقطاب أهلها، ليدخل «الحوثى» بعد شعوره بالتمدد والقوة فى حرب مع الدولة فى عام 2004، وكانت أول بادرة رفع خلالها «الحوثيون» السلاح فى وجه السلطة الحاكمة، حيث مهدت العوامل المختلفة لتجرؤ «الحوثى» على حمل السلاح، من بينها وأهمها المساندة والدعم الإيرانى، وثانيها اللعبة السخيفة التى كان يمارسها الرئيس اليمنى على عبدالله صالح لتفريق أعدائه وإحداث توازن قوى بين «السُّنة»، بزعامة التجمع اليمنى للإصلاح المعارض، وبين «الشيعة» على وجه العموم، ما دفع «صالح» لغض الطرف عن تمدد «الحوثيين» وتوسع نفوذهم. وكما عاد الابن عاد الأب بدرالدين الحوثى من إيران ليخوض معركة الحوثيين الثانية ضد الجيش اليمنى فى أوائل 2005 ثم شهدت حركة «أنصارالله»، كما يطلقون على أنفسهم، ظهور القائد الثالث عبدالملك الحوثى، فى حرب الحركة ضد الدولة، فى نهاية العام نفسه، الذى قاد بدوره معركة أخرى فى عام 2007، إثر محاولاتهم للاستيلاء على صعدة وطرد سكانها اليهود. فى تلك المرحلة زادت أواصر الصلة بين «عبدالملك» والنظام الإيرانى، الذى درب عناصر حركة «أنصار الله» فى بيروت وفى معسكرات شيدها الحرس الثورى الإيرانى فى دولة إريتريا، وبدأت اتهامات النظام اليمنى للحكومة الإيرانية بتسليح الحوثيين تظهر على السطح، وبعدها خاض «عبدالملك» حرباً ضروساً ضد الدولة اختلفت عن الحروب السابقة، من حيث اتساع ساحة المعركة لتشمل مناطق قريبة من العاصمة صنعاء، علاوة على ظهور كفاءة قتالية لعناصر الحركة، إضافة إلى نوعية التسليح بأحدث الأسلحة المتطورة التى تنوعت ما بين أسلحة خفيفة ومتوسطة. وخلال تلك الحروب لم ينسَ «الحوثيون» وحلفاؤهم فى إيران استدراج المملكة العربية السعودية فى عام 2009، حينما لجأ مقاتلو الحركة إلى جبل الدخان الذى يقع جزء منه داخل حدود المملكة، حيث استغل الحوثيون تلك المنطقة من الجبل فى تشييد مخازن سلاح هائلة تحوى جميع الأنواع المتطورة وكميات ضخمة من الذخائر، وهو ما كشفته أجهزة الأمن السعودية وأعلنت عنه، محذرة من سعى الحوثيين إلى إشعال صراع طائفى إقليمى بالمنطقة، ودخلت معهم فى معركة ضارية تقهقر خلالها الحوثيون عائدين إلى معاقلهم إثر قصف سلاح الجو السعودى قرية الخوبة. ويبقى السؤال حول قدرة الحوثيين على هذا التمدد وتحقيق الانتصار والخروج من المعارك بقوة أكبر من التى كانوا عليها، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من بينها طبيعة المقاتلين أنفسهم حيث يقاتلون عن عقيدة، فإما «النصر أو الاستشهاد لدخول الجنة»، علاوة على تورط النظام اليمنى السابق فى تهيئة المناخ للحوثيين للتمدد والسيطرة، أضف إلى ذلك الطبيعة اليمنية التى تحد من تحرك الآليات العسكرية الثقيلة، وتقصر الانتصار فى الحرب على كفاءة استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.