يوم الخميس الماضى التقى الرئيس الأمريكى باراك أوباما مع الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى على هامش أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد جاء اللقاء بناء على طلب أوباما، واستمر بحضور وفدى البلدين لأكثر من ساعة ونصف بزيادة نصف ساعة على الموعد المحدد. ووفقاً لمصادر دبلوماسية عليمة فإن اللقاء ناقش ثلاث قضايا هامة ومحورية، كما أن اللقاء شهد تبايناً فى المواقف إزاء هذه القضايا. ■ كانت القضية الأولى هى المتعلقة بالتحالف الدولى لدعم الإرهاب. بعد أن رحب الرئيس أوباما بالرئيس المصرى والوفد المرافق له، مؤكداً استراتيجية العلاقة مع مصر، بدأ حديثه بالتطرق إلى قضية الإرهاب فى المنطقة وحدد رؤيته على الوجه التالى: - إن الإدارة الأمريكية تطالب مصر بضرورة اتخاذ مواقف أكثر وضوحاً فيما يتعلق بالحملة الدولية لمواجهة الإرهاب فى مواجهة تنظيم «داعش» فى سوريا والعراق وإن واشنطن تطلب من مصر ضرورة المشاركة العسكرية المباشرة للقضاء على هذا التنظيم أسوة بمشاركة بعض الدول العربية الأخرى المشاركة فى التحالف الدولى. - إن واشنطن ترى أن إرهاب «داعش» خطر على المنطقة بأسرها، وأن هذا التنظيم وُجد بسبب ممارسات الرئيس السورى بشار الأسد وعجز المعارضة السورية عن إسقاطه، وإن واشنطن لا تزال ترى أن الأسد جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وإنه لهذا السبب فإن الكونجرس الأمريكى اعتمد مبلغ 500 مليون دولار لدعم المعارضة السورية ومساندتها فى تحقيق أهدافها. - إن الحملة العسكرية المقدّر لها أن تستمر نحو ثلاث سنوات تستوجب جهداً مكثفاً من كافة الأطراف، خاصة أن تنظيم «داعش» تغلغل فى أوساط المدنيين من السكان الذين أصبحوا فى قبضته، وأن ذلك قد يدعو واشنطن فى لحظة ما، وبعض الأطراف، إلى المشاركة فى جهد برى وتحديداً على الأرض السورية لإنهاء سيطرة هذا التنظيم على المناطق التى يحتلها. - إن الإدارة الأمريكية تدرس حالياً خيارات عديدة فى إطار مواجهتها للإرهاب فى المنطقة فى أماكن أخرى، وفقاً للتقديرات الحالية أو المستقبلية. ■ أما وجهة نظر مصر، التى عبّر عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا اللقاء، فقد جاءت على الوجه التالى: - القاهرة انضمت منذ البداية للتحالف الدولى وشاركت فى أعمال مؤتمر جدة رغم تحفظاتها التى أبلغتها للسيد جون كيرى، وزير الخارجية، برفض الازدواجية التى تعاملت بها واشنطن مع ملف الإرهاب، فالإرهاب ليس مقصوراً على داعش فقط، بل هو ممتد إلى العديد من البلدان الأخرى ومن بينها مصر وليبيا وغيرهما. - إن مصر سبق لها أن أبلغت الإدارة الأمريكية رفضها للدعم الأمريكى الذى تلقاه جماعة الإخوان من واشنطن، خاصة أن أعمال العنف والإرهاب التى تشهدها مصر منذ ثورة 30 يونيو هى من أفعال هذه الجماعة الإخوانية، ومع ذلك لم نلق رداً إيجابياً من الإدارة الأمريكية على ذلك، بل وجدنا اتهامات كاذبة يتم إلصاقها بالحكومة المصرية التى هى بالأساس مسئولة عن حماية البلاد وأمنها واستقرارها، وأعتقد أنكم تشاركوننى الرأى أن الإدارة الأمريكية لا تتردد هى الأخرى فى مواجهة أية أعمال تخل بالأمن والاستقرار على أراضيها. - إن مصر ترفض المخططات التى تستهدف إذكاء الصراعات الدينية والمذهبية والعرقية فى المنطقة، والتى تستهدف تقسيم المنطقة وبناء شرق أوسط جديد، سيكون ساحة للفوضى، كما يحدث الآن فى اليمن وليبيا والعراق وسوريا وغيرها من البلدان، وإن ذلك من شأنه إن يضرب المصالح الأمريكية فى الصميم، ذلك أن مصالح واشنطن فى المنطقة وإمدادها بالنفط لن يتحقق إلا فى ظل الاستقرار والأمن. - إنه ثبت عملياً أن عمليات التغيير بالقوة والفوضى لن تحقق حريات الشعوب أو تمكنها من نيل حقوقها، بل العكس هو الصحيح، والمشهد الذى تعيشه المنطقة هو خير مثال على ذلك. - إن مصر ترى أن التنمية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية واحترام سيادة الدول هى عوامل مهمة لإنهاء الإرهاب والتطرف، وأن أمن مصر هو جزء من الأمن القومى العربى، ومن ثم فإن التعاون بين مصر والدول العربية فى هذا المجال سوف يستمر، وإن مصر تطالب الإدارة الأمريكية بمراجعة سياستها فى المنطقة. - إن مشاركة مصر عسكرياً فى الوقت الراهن هى أمر غير وارد حالياً، وإن تحديد موقف مصر ينطلق من حماية أمنها واستقرارها بالأساس وحماية الأمن القومى العربى، ومن ثم فإن التطورات المقبلة ستحدد مسارات المواقف، خاصة أن القاهرة مشغولة بمواجهة الإرهاب على أرضها وداخل حدودها. - إن مصر ترى ضرورة تحديد هدف الحملة على سوريا، وألا تُستغل الضربات بهدف إسقاط النظام، خاصة أن مصر ترى ضرورة حل المشكلة السورية فى إطارها السياسى، وأنها ترى استكمال مباحثات جنيف، حتى لا تتحول سوريا إلى ساحة للنزاعات والحروب الإقليمية والدولية. - إن مصر تطالب بدعم أمريكى ودولى للحكومة الجديدة فى ليبيا والتى اختارها مجلس النواب، وهو الجهة الشرعية المنتخبة، وإن واشنطن لا بد أن تتدخل لدى أطراف دولية وإقليمية لوقف تهريب السلاح إلى ليبيا وتأجيج الحروب الأهلية بين أبنائها. ■ وكانت القضية الثانية هى التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، خاصة بعد العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، وقد تمثل موقف الرئيس الأمريكى على الوجه التالى: - إن الإدارة الأمريكية تطلب من مصر بذل مزيد من الجهود لمساعدة واشنطن فى بدء جولة جديدة ونهائية من المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى لوضع حل للنزاع بين الطرفين. - إن واشنطن ترى أن هناك مرجعيات للحل ونتائج لمفاوضات جُربت سابقاً يمكن البناء عليها، بما يحفظ أمن إسرائيل وأيضاً يلبى حاجة الفلسطينيين للعيش فى سلام. - إن حماس تتحمل مسئولية كبرى فى تصعيد الأوضاع وإنه حان الوقت لوضع حد للتصعيد الحاصل من خلال استخدام الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل من غزة. وكان رأى مصر ممثلاً فى الآتى: - إن مصر تعتبر أن القضية الفلسطينية بالنسبة لها قضية أمن قومى، وإنها تطالب بضرورة بدء المفاوضات مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس فوراً بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى ونيل حقوقه وتحقيق الأمن لكافة الأطراف. - إن ذلك يستوجب تدخلاً أمريكيا مباشراً لدى الحكومة الإسرائيلية لإقناعها بضرورة التوقف عن عدوانها المستمر على الشعب الفلسطينى ووقف الحصار المفروض عليه. - إن مصر مستعدة للعب أى دور سياسى فى هذا الشأن وإنها بدأت بالفعل مجدداً جهوداً لتثبيت وقف إطلاق النار وبحث مشكلتى مطار وميناء غزة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، إلا أن ذلك ليس كافياً، الأهم هو بدء مفاوضات عاجلة للإقرار بحق الفلسطينيين فى دولة مستقلة تكون عاصمتها القدسالشرقية. - إن مصر تحذر من خطر استمرار الوضع الراهن على الساحة الفلسطينية، لأن ذلك من شأنه أن يقود إلى مزيد من العنف والتطرف فى المنطقة بأسرها. ■ أما القضية الثالثة فكانت تلك المتعلقة بالعلاقات المصرية الأمريكية والموقف من التطورات الداخلية فى مصر. وقد أبدى أوباما تفهمه للتطورات الجديدة الحاصلة فى مصر، وأشاد بنزاهة الانتخابات الرئاسية التى شهدتها البلاد، وأيضاً بالدستور المصرى الجديد. وأكد أوباما أن وجهة نظر الولاياتالمتحدة بالنسبة للملف الداخلى المصرى المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان تتلخص فى ثلاث نقاط: - إن الولاياتالمتحدة تراقب ملف حقوق الإنسان والحريات فى مصر عن كثب، وإنها تطالب بضرورة تدخل الرئيس السيسى للإفراج عن بعض النشطاء السياسيين، ومن بينهم أحمد ماهر، زعيم حركة 6 أبريل، وآخرون، كما أن واشنطن قلقة من الأحكام «المسيّسة» التى صدرت ضد صحفيين بقناة الجزيرة، وهى أمور تعكس ترصداً بالحريات الصحفية، وإن واشنطن تطالب بتعديل قانون التظاهر. - إن الإدارة الأمريكية ترفض مبدأ الإقصاء السياسى وتطالب بضرورة إجراء حوارات سياسية مع بعض الخصوم السياسيين فى مصر، وإنها ترى أن الحوار هو السبيل الوحيد لضمان مشاركة الجميع فى العملية السياسية التى تشهدها مصر حالياً. - إن واشنطن، وإذا كانت تشيد بالالتزام بتنفيذ بعض استحقاقات خارطة الطريق، فإنها تريد أن تطمئن على موعد تحقيق الاستحقاق الثالث والمتعلق بانتخابات البرلمان المصرى. وبعد أن انتهى الرئيس الأمريكى من طرح رؤيته، علّق الرئيس عبدالفتاح السيسى بتحديد الموقف على الوجه التالى: - إن الدستور المصرى يضمن حماية الحريات بكافة أشكالها، ويؤكد احترام حقوق الإنسان وعدم الإقصاء أو التمييز، كما يضمن حرية الفكر والعقيدة فى مصر، ولذلك يبقى الدستور هو الضمانة والمرجعية الأولى فيما يتعلق بهذا الأمر. - إن مصر لديها قضاء عادل ونزيه، والسلطة التنفيذية لا تستطيع التدخل فى أحكم القضاء المصرى، وإن مصر ترى أن الرئيس أوباما ما كان له أن يطرح قضية أحد النشطاء من على منبر الأممالمتحدة، لأن ذلك يمثل إهانة للقضاء المصرى، خاصة أن هذا «الناشط» ليس معتقلاً وإنما هو محبوس على ذمة حكم صادر من محكمة طبيعية. وأما بالنسبة لصحفيى قناة الجزيرة، فقال الرئيس السيسى إنها قضية شائكة، ولو كان الأمر بيده لأصدر تعليماته بترحيلهم إلى خارج البلاد، إلا أنه لا يستطيع إصدار هذا الأمر بعد حكم المحكمة الذى صدر بسبب خرق هؤلاء الصحفيين للقانون المصرى، كما أن هناك درجات عديدة للتقاضى، ومصر سوف تحترم أية أحكام تصدر عن القضاء فيما يتعلق بمراحل التقاضى المختلفة لهؤلاء الصحفيين. - إن مصر تبدى دهشتها من هذا التدخل الأمريكى السافر فى شئون القضاء المصرى، والذى يتعامل بمنطق أن القضاء فى مصر هو مؤسسة من مؤسسات الحكومة، وهذا غير صحيح، فالقضاء فى مصر عادل ومستقل ونزيه، ولا أحد يستطيع أن يتدخل فى شئونه، وقال: «نحن نرى أن تكف الإدارة الأمريكية عن تبنّى قضايا تمثل تدخلاً فى شئون مصر وقضائها». - إن الحكومة المصرية الجديدة هى حكومة تستمد شرعيتها وقراراتها من إرادة الشعب المصرى، وإننا نرفض الإملاءات الخارجية من أىٍّ كان، وإن سياستنا الداخلية أو الخارجية تتوخى المصلحة الوطنية للبلاد، وإن زمن التبعية قد ولّى وإلى غير رجعة. - إن مصر تبدى دهشتها من المواقف المتناقضة للولايات المتحدة إزاء ثورة الثلاثين من يونيو، والتى هى تعبير عن إرادة الشعب المصرى ضد حكم جماعة الإخوان، وإن هذا الموقف الأمريكى لا يزال يشوبه التردد والتناقض أحياناً، حتى بعد الموافقة على الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية فى مصر بنزاهة وحيدة كاملة، وإن القاهرة تطلب ترجمة هذه المواقف بشكل يعكس المأمول من العلاقات المصرية الأمريكية فى المدى الراهن والاستراتيجى. - إن القاهرة لم تكن راضية على دعم الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان وتبنّى خطابهم، والصمت على العنف الذى تمارسه هذه الجماعة ضد الشعب والدولة المصرية بمختلف مؤسساتها، وإن استخدام الإدارة الأمريكية لصفقة «الأباتشى» كوسيلة للضغط على مصر أمر لم يكن موفقاً. - إن قانون التظاهر المصرى مقصود به تنظيم التظاهرات وليس منعها، وهو أمر موجود فى الولاياتالمتحدة والعديد من دول الغرب، وإن حق التظاهر مكفول بمقتضى الدستور وبمقتضى هذا القانون، وإن البرلمان المصرى المقبل هو المعنىّ بذلك، وليس أحد آخر. - إن مصر نفّذت مرحلتين من الاستحقاقات الثلاثة المتعلقة بخارطة المستقبل، وإن الاستحقاق الثالث المعنىّ بإجراء انتخابات مجلس النواب سوف يتم تنفيذه قبيل نهاية العام الحالى. ■ تحدث أوباما معلقاً عن ضرورات المصالحة السياسية، وكان يقصد المصالحة مع جماعة الإخوان. وكان رأى الرئيس السيسى أن الشعب المصرى هو صاحب القرار فى ذلك، وقال: لقد طالبنا مؤيدى الجماعة بالتوقف عن العنف، إلا أن الجماعة لا تزال مستمرة فى نهجها وإرهابها الذى تمارسه ضد المصريين. وفى نهاية اللقاء الذى شهد جدلاً واسعاً حول القضايا الثلاث، جرى الاتفاق على مزيد من التواصل وفتح صفحة جديدة فى سجل العلاقات بين البلدين، خاصة بعد أن أبدى الرئيس أوباما تفهمه للعديد من النقاط التى طرحها الرئيس السيسى ببراعة وحنكة وإصرار.