خلاف حول العراق وتوقع باستمرار المساعدات زيارة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلي القاهرة أمس، كانت حدثا مهمًا، له دلالاته التي لا تخفي علي أحد، كما أنها حملت عناوين مهمة علي جدول أعمال مباحثات كيري التي أجراها مع كل من وزير الخارجية سامح شكري والرئيس عبد الفتاح السيسي. لقد جاءت الزيارة الأولي من نوعها منذ ثورة الثلاثين من يونيو في أعقاب الاتصال الهاتفي الذي اجراه الرئيس باراك أوباما بالرئيس عبد الفتاح السيسي مهنئًا إياه بفوزه في الانتخابات الرئاسية، مما اعتبرته المصادر المعنية بمثابة اعتراف بخارطة الطريق وبضرورة الاستسلام لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها ثورة الثلاثين من يونيو. صحيح أن هناك من يشكك في الموقف الأمريكي تجاه مصر ومدي إمكانية تخلي واشنطن عن دعمها لجماعة الإخوان الارهابية إلا أن كافة المؤشرات تؤكد أن الإدارة الأمريكية لن يكون أمامها خيار آخر سوي التعامل مع النظام الجديد، حماية لمصالحها، وسعيًا لاحتواء ما يجري.. وخلال المباحثات التي أجراها 'كيري' في العاصمة المصرية، كان الحديث واضحا ومحددا حول رؤية واشنطن للنظام الجديد في مصر، وهو الموقف الذي حدده جون كيري في ثلاث نقاط هامة هي: أولا: إن الإدارة الأمريكية لم تكن أبدًا ضد تطلعات الشعب المصري وحقه في اختيار حكامه، إلا أن اعتراضات الإدارة الأمريكية في وقت سابق جاءت تعبيرا عن مخاوف 'مشروعة' من احتمالية عدم قدرة القيادة الانتقالية علي تنفيذ خارطة الطريق. ثانيا: إن واشنطن وبعد أن تأكدت أن الحكومة الانتقالية ماضية في تنفيذ خارطة الطريق باتت علي قناعة كاملة بأنها يجب أن تؤيد وبشكل واضح الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي، خاصة أنها تابعت كافة التقارير المحلية والدولية التي أشارت إلي إجراء الانتخابات في أجواء من الحيدة والنزاهة، وأن الإدارة الأمريكية تتمني علي الرئيس الجديد الاستمرار في الوفاء بتعهداته في حماية الحريات وحقوق الانسان لكافة القوي السياسية في البلاد. ثالثا: إن الإدارة الامريكية سبق أن أعلنت رفضها لسياسة العنف والارهاب أكثر من مرة، ولكنها تفرق تماما بين المعارضين السياسيين وبين من يستخدمون السلاح كوسيلة، وأنه من هذا المنطلق عبرت واشنطن أكثر من مرة عن استعدادها للتعاون مع مصر في اطار مكافحة الارهاب خاصة داخل منطقة سيناء وأنها تجدد هذه الدعوة مرة أخري. أما القاهرة فقد أبلغت وزيرالخارجية الأمريكي برؤيتها لمسار العلاقات المصرية الأمريكية خلال الفترة المقبلة علي الوجه التالي: إن القاهرة ترحب بعودة العلاقات الأمريكية المصرية إلي مسارها الطبيعي، وهي تقدر مراجعة واشنطن لموقفها من خارطة 'المستقبل واستعدادها للتعاون مع مصر في الفترة القادمة ضمن إطار يضمن حماية هذه العلاقات من أية تقلبات أو تدخل في الشئون الداخلية سبق لمصر وأن أعلنت عن رفضها من أي طرف كان. إن القيادة المصرية الجديدة سبق وأن أكدت أكثر من مرة أهمية العلاقات مع واشنطن، وأشارت إلي أن علاقاتها مع أية أطراف دولية أخري وتحديدًا علاقتها مع روسيا لن تكون علي حساب علاقات مصر مع الولاياتالمتحدة، بل إن الصحيح أن القاهرة قررت إعادة التوازن لعلاقاتها الدولية بما يضمن تحقيق المصالح المشتركة مع مصر وأي من هذه الأطراف. إن القاهرة مستعدة للنظر في كافة ملاحظات الادارة الأمريكية ومناقشتها في إطار يضمن عدم التدخل في الشئون الداخلية المصرية ودون فرض املاءات معينة لصالح رؤية معينة أو لصالح جماعات بعينها، وأن مصر تتمني علي الإدارة الأمريكية أن تراجع سياستها في هذا الاطار وبما يحقق ضمان تطوير هذه العلاقات علي أرضية المصالح المشتركة. لقد سمع جون كيري خلال لقائه مع وزير الخارجية سامح شكري وأيضا خلال لقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي رسائل واضحة وعتابًا شديدًا علي الموقف الأمريكي، خاصة أن القاهرة أبلغت كيري بكل وضوح عن معلومات موثقة لديها تكشف عن دعم جماعة الإخوان في الفترة الماضية وسعيها إلي التحريض ضد مصر في المحافل الاقليمية والدولية. وأبدت القاهرة دهشتها من التصريحات التي تنطلق عبر عدد من المسئولين الأمريكيين في الخارجية والكونجرس علي وجه التحديد، والتي تستخدم سلاح المعونة كوسيلة لممارسة الضغط علي الحكومة المصرية. وأكد وزير الخارجية المصري أن العلاقة بين القاهرةوواشنطن لا يجب أن تكون عرضة للمساومة لأي من الطرفين إلا من خلال المساعدات والتهديد بها، أو بأي أسلوب آخر. وكانت القضية الثانية علي جدول الأعمال هي المتعلقة بالتطورات الراهنة وفي المقدمة منها الموقف في العراق. لقد عرض جون كيري أبعاد الموقف الراهن في العراق واتهم تنظيم 'داعش' بقيادة الحرب ضد ما أسماه بالحكومة الشرعية المنتخبة، وحدد الموقف علي الوجه التالي: إن واشنطن حتي وإن كانت لديها تحفظات علي العديد من مواقف الحكومة العراقية الحالية ورئيس الوزراء 'نوري المالكي'، فإنها ترفض ما يجري علي أرض العراق حاليا وتعتبر أن ما يجري هو من قبيل الأعمال الارهابية التي تستهدف الشرعية في العراق، وأن واشنطن لن تسمح بسقوط العراق في يد هذه القوي، التي سوف يصعب التفاهم معها فيما بعد، ويمكن أن تشكل خطرا علي دول الجوار. إن الإدارة الأمريكية لن تلجأ إلي التورط في القيام بحرب برية لتحرير المناطق التي تم الاستيلاء عليها، ولكنها قد تلجأ إلي توجيه ضربات جوية لإجبار عناصر 'داعش' علي الانسحاب من المناطق والمحافظات التي سيطرت عليها وإنها لن تسمح لهذا التنظيم بدخول بغداد واسقاطها لأن ذلك سيعد مؤشرا خطيرا وسيمثل نقطة تحول تهدد المنطقة بأسرها. إن تفاهمات واشنطن مع إيران حول هذا الأمر لا تمثل تحالفا مع إيران ولا تهديدا لأمن الخليج وإنما لأن إيران شريك أساسي علي الساحة العراقية وهي وحدها التي يمكن أن تشارك في التصدي لهذا العدوان 'الإرهابي' علي الشرعية في العراق، وأن التعاون مع إيران لا يجب أن تثير مخاوف مصر أو السعودية أو دول الخليج، لأن واشنطن لا تزال تري في إيران خطرا علي أمن المنطقة.. أما مصر فقد كان موقفها يختلف عن الموقف الأمريكي إزاء هذا الملف، حيث أبلغت واشنطن بالموقف المحدد علي الوجه التالي: أن القاهرة ترفض تقسيم العراق تحت أي مبرر، وتري أن ما آلت إليه الأوضاع هناك سببه التدخل المباشر للقوي الدولية والاقليمية في الشأن العراقي، وكذلك الحال الاضطهاد الطائفي والعرقي الذي تعاني منه البلاد طيلة الفترة الماضية. أن ما يجري علي أرض العراق أكبر بكثير من أن يجري حصره في تنظيم 'داعش الإرهابي'، ذلك أن القوات التي تحركت جاءت ممثلة للعديد من العشائر وبعض القوي السنية وبعض الأطراف التي عانت الاضطهاد في الفترة الماضية وأن أي حل لا يجب أن يستند إلي مبدأ القوة وتدمير العراق مجددًا، بل بالوصول إلي حل من شأنه أن ينهي الأزمة الراهنة ويضمن وحدة الشعب والأرض العراقية. وقد طلبت القاهرة من جون كيري أن تراجع واشنطن موقفها المعلن الذي هدد بتوجيه ضربات جوية مباشرة في المناطق التي سقطت في يد القوي الجديدة، وأن يتم الاحتكام إلي الحوار كسبيل وحيد لضمان إنهاء الأزمة الراهنة. وفي نهاية الحوارات التي أجراها 'جون كيري'، وضح أنه برغم الخلاف في الرأي حول الكثير من القضايا المطروحة علي جدول الأعمال، فإن واشنطن وعدت بمراجعة ملف المساعدات مرة أخري بما يضمن استمرارها خلال الفترة القادمة.