خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رقص ماجد المصري وتامر حسني في زفاف ريم سامي | فيديو    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    جيش الاحتلال يُقر بمقتل رقيب من لواء المظليين في معارك بقطاع غزة    زيلينسكي: الهجوم على خاركيف يعد بمثابة الموجة الأولى من الهجوم الروسي واسع النطاق    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    إنجاز تاريخي لكريستيانو رونالدو بالدوري السعودي    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    مواعيد مباريات اليوم السبت والقنوات الناقلة، أبرزها الأهلي والترجي في النهائي الإفريقي    التشكيل المتوقع للأهلي أمام الترجي في نهائي أفريقيا    موعد مباراة الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال أفريقيا والقناة الناقلة    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    أحمد السقا يرقص مع ريم سامي في حفل زفافها (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    فيضانات تجتاح ولاية سارلاند الألمانية بعد هطول أمطار غزيرة    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معركة بين «أبناء العم»: «كمشوش» و«فيشا».. «حرب عطش» بين قريتين
«الوطن» ترصد تفاصيل المعركة على «خط مياه نظيف».. ورعب من «الفشل الكلوى»
نشر في الوطن يوم 26 - 09 - 2014

كيلو متر واحد يفصل بين القريتين، طريق ترابى تتماهى فيه الحدود الفاصلة، هنا لا تستطيع التفرقة بين منازل كمشوش وفيشا الكبرى، تربطهما صلة مصاهرة وقرابة، فأولاد العمومة الواحدة، لم يراعوها وفرقت بينهم قطرة مياه صالحة للشرب، كانت لهم بمثابة مسافة تباعد بينهم وبين مياه جوفية غير صالحة للاستخدام الآدمى، تروى جوفهم بالمعادن الثقيلة وتهرى أكبادهم بأمراض الفشل الكلوى والحصوات.
فى البدء كانت المياه تجمع شتات الناس، واليوم تفرقهم، فأطلت فتنة وخصومة بين القريتين المتجاورتين فى محافظة المنوفية، التابعتين لمركز منوف، حول خط المياه الصالح للشرب، وسط انتشار أمراض الفشل الكلوى والالتهاب الكبدى الوبائى الناجم عن مياه البئر الارتوازية.
بجلبابه المهترئ، وشعر دب الشيب فيه، وجسد معطوب أنهكه الفشل الكلوى طوال عامين جراء شرب المياه الجوفية، واستنزف قوته العلاج، يجلس أمام ماكينة الحياكة فى محله المتواضع، عبدالعظيم غنيم، ترزى يبلغ من العمر 68 سنة، وبعصبية مفرطة يشير إلى زجاجة مياه أحضرها على التو عكرت صفوها الشوائب، والحبيبات السوداء ويميل لونها للاصفرار: «لو المسئول فى البلد ديه يرضى يشرب من ميه بالشكل ده أنا موافق، جابت لنا المرض، مش خايفين على نفسنا بس أمنيتنا عيالنا يطلعوا من غير المرض اللى ابتلينا بيه».
الرجل ولد بكمشوش، لم يجد لها بديلاً، قصر اليد وضيق العيش أجبراه على الاستمرار فى البلدة رغم مياهها الملوثة، عامان يغسل كليته كل أسبوعين ما يكلفه مئات الجنيهات، يجلس داخل دكان غطى جدرانه بصور الرئيس عبدالفتاح السيسى ويقول: «الدكتور اللى كشفت عنده قالى إن الميه اللى بتشربها متنفعش للبنى آدمين، ومش أنا بس اللى كده، ناس كتير من جيرانا مصابين أنا أحسنهم، ما سلمش من الأمراض صغير أو كبير»، تمهل قليلاً، وعاود الحديث عن مياه الشرب الملوثة قائلاً: «مقدرش ألاحق على شرب الميه المعدنية ولا فلوسها، وكان عندنا خط جايلنا من منوف لينا وحدنا فى القرية خفف المياه الملوثة، لحد ما جه بتوع فيشا الكبرى قطعوه علينا».
دخول المياه لجيرانه فى فيشا والمصابة أيضاً بالعديد من الأمراض جراء المياه الجوفية كان بمثابة قطع أمل المياه الصالحة المختلطة بالملوثة التى تكفيه بالكاد: «كده مش هيبقى لنا غير الميه الملوثة، الدكاترة يقولوا ملوثة وإحنا شايفين بعنينا فيها العيا، وبتوع المحافظة يقولوا صالحة وحلوة».
الغضب يملأ جوف «غنيم» وجيرانه فى قرية كمشوش، كما تملؤه المياه الملوثة، الخوف من قطع المياه الصالحة عنهم أخرجهم عن بكرة أبيهم قبل أيام فى مواجهة جيرانهم فى «فيشا الكبرى»، حين جاء إليهم خبر أن القرية المجاورة تمد خط مياه لمنازلها من خطهم القادم من شركة المياه فى مركز منوف: «آه رحنا ومشيناهم ومنعناهم يقطعوا عننا الميه، يا واكل قوتى يا ناوى على موتى».
يتابع الرجل الذى انتخب السيسى، وشارك فى الثورتين، على أمل تخفيف وطأة الظلم الذى يتعرض له: «الثورة قامت عشان الغلبان يعيش وإحنا هنا بنموت، والبلد عيانة، ودلوقت هنموّت بعض على الميه، ويا ريت لو يفصلوا الميه عننا خالص بدل ما نموّت بعض عليها» يتحرك بعصبية مفرطة بين جنبات الدكان الضيق ويردد: «يا نموت بالميه يا نموّت بعض عليها، إيه الهم ده يا رب».
«الخط جاى لنا لوحدنا من مركز منوف ياخدوه ليه بتوع فيشا، ولادنا يرجعوا يشربوا تانى من الميه الارتوازية ويملاهم المرض زينا»، يردد الرجل رافضاً قرار المسئولين بمد المياه لفيشا الكبرى من خطهم الأثير، معتبراً إياه ملكية خاصة لهم، مؤكداً أنه لا يكفيهم: «الشركة مكلفة تجيب لهم خط والمسئول المفروض يوجد خط، والتعدى على الخط بتاعنا، والبلدين هيقعوا مع بعض والسبب المسئولين والمحافظ، إحنا ناس أميين والبلدين مش كلهم متعلمين، الغضب هيعمى عينيهم وهيموّتوا بعض، هما مستنيين لحد ما حد يموت عشان يحلوها».
على بعد كيلومتر، يقبع «فوزى قنديل» داخل جمعية تنمية المجتمع بقرية «فيشا الكبرى»، يشير بيده إلى النافذة، يتوافد أهل القرية على الدراجات البخارية والحمير حاملين جراكن المياه، فى اتجاه محطة تنقية المياه، التى تبيع له جركن المياه بنصف جنيه، وعلى الجهة الأخرى تستقر محطة حكومية لبئر مياه ارتوازية، تمد البلد الصغير بالمياه الجوفية، التى ضاقوا بها ذرعاً، فلا تصلح للحياة الآدمية، حسب روايته، صناديق المياه بها راكدة، ومتعفنة، الخَضَار يلون سطحها، ورائحة العفن تزكم الأنوف.
طابور طويل من حملة الجراكن على أبواب محطة تنقية المياه عمرها لم يتعد بضعة أعوام، وقبل ذلك كانت رحلة طويلة من محاولات قرية فيشا الكبرى التى يتخطى تعدادها 40 ألف نسمة، للوصول لمياه نقية لم تصلهم حتى الآن، تفشى المرض، بجانب الفقر المدقع، منذ عام 1995 والقرية تبحث عن المياه النقية «الميه البحارى» حسب لفظة «قنديل» القادمة من نهر النيل: «سنين بنجرى ورا الحكومة لحد ما خرج قرار بمشروع محطة ميه ارتوازية، وجنبها محطة تنقية، ولكن وقف العمل بالمشروع أكتر من مرة، أول مرة بسبب الثورة، وآخرها منعرفلوش سبب، وفى النهاية تستمر أزمة الميه وماتحلتش رغم كل الوعود من المسئولين».
«فيشا الكبرى» تحيط «كمشوش» من الأربع جهات، وبها المدارس والحى التابع له القريتان، وكل المصالح الحكومية: «طب إزاى بقى كمشوش اللى هى تابعة لفيشا ومصالحها كلها فى فيشا تشرب ميه حلوة وإحنا لا!»، كلمات قالها فى هدوء، ويعيد الكرة: «الأزمة سببها المسئولين.. يقولوا لنا حاجة ويقولوا لأهل كمشوش عكسها، لو حصلت مصيبة هيبقوا هما السبب فيها».
محطة التنقية تكفى بالكاد أهل القرية للشرب، بعدما بنوها بالجهود الذاتية، وعلى الرغم من ذلك نقطة المياه الصالحة الخارجة منها مهددة لرفض المحافظة ترخيص مدها بالتخليصات اللازمة، وعلى الجانب الآخر ينظر إلى غاطس مياه البئر الجوفية، وما يخرج عنها من مياه ملوثة: «الواحد يقرف حتى يستحمى فيها تخيل لما تتقفل المحطة ديه هنشرب منها إزاى؟».
لم تكن أزمة فيشا الكبرى مع كمشوش على المياه هى الأولى للحصول على المياه النقية فى ظل تهديدات غلق محطتهم الخاصة، فحاولوا توصيل المياه من «كفر فيشا» المجاور لهم، الذى يحمل نفس اسم القرية، ولا يبعد عنها سواء بضعة أمتار، ولكن فوجئوا بخروج «أهل الكفر» مدججين بالأسلحة، رافضين توصيل المياه «البحارى» خوفاً من ضعفها وتغليب المياه الجوفية على المياه الصالحة خلال عملية الخلط التى تعتمد عليها تلك القرى، حيثُ تصل المياه للمنازل خليطاً بين المياه الجوفية والمياه النيلية الصالحة، أو ما يسمونها «البحارى»، ووضع أهل الكفر حراسة على «محبس» المياه لمنع قرية «فيشا الكبرى» من التوصيل، وقالوا لهم حسب رواية قنديل: «اللى هيقرب للمحبس هنضرب فى المليان».
حاول قنديل وأهالى فيشا الكبرى الحصول على المياه من خط كمشوش القرية المجاورة، وبالفعل وحسب رواية «قنديل» حصلوا على القرار من المحافظ، وبدأت المعدات فى الحفر والتوصيل، حتى خرج عليهم أهل قرية «كمشوش» وطردوهم: «قالوا لنا نقطة الميه برقبة أتخن واحد»، وحينها تراجع أهل فيشا الكبرى حسب روايته خوفاً من إراقة الدماء، منتقداً موقف المسئولين الراضخين لرغبات كمشوش.
تأجج الصراع وبدت الفتنة فى الظهور، تخرج كمشوش للتظاهر تقابلها مظاهرة لفيشا: «المسئولين قالوا لنا اتفقوا وإحنا ننفذ إلى انتوا عايزينه.. هل تلك دولة الرئيس السيسى؟»، يتساءل فى غضب ثم يسكت.
يتهم «قنديل» أهالى كمشوش بسرقة خط المياه، الذى يوصل لهم المياه الصالحة الآن، وأنه كان مخططاً له من الأساس توصيل المياه لفيشا الكبرى، لكن أهالى كمشوش اعتدوا على حقهم من المياه وقطعوها عنهم منذ بداية عملية التوصيل، بمساعدة بعض المسئولين المتواطئين.
على دراجته البخارية يقطع يومياً المسافة ذهاباً وإياباً بين القريتين «إسماعيل فليلة» أربعينى السن، تربطه علاقة مصاهرة بين أهل فيشا الكبرى، ويعمل طبيباً بالوحدة البيطرية بها، على رغم انتمائه وسكنه بقرية كمشوش: «أخوالى من فيشا وأعمامى من قرية كمشوش»، وأشار إلى الفتنة التى تكاد تعصف بالقريتين، وتطور الأزمة التى وصلت لقطع الطريق من قبل شباب قرية فيشا الطرى المتهور، حسب وصفه، ومحاولة الاعتداء عليه وعلى بعض العاملين من أبناء كمشوش فى فيشا الكبرى «المسئولين مش عايزين يخرجوا بره المكيفات عشان يحلوا مشكلات الناس»، تصدر إدارة المحافظة المشكلة للأهالى ما خلق الأزمة، حسب تقدير الطبيب، ما تسبب فى سوء العلاقة بين القريتين وما تطور عليه من وقوع المناوشات بين القريتين.
يؤمن «إسماعيل» بحق أهل فيشا الكبرى فى شرب مياه نظيفة، كما من حقه وأهل قريته تلك «الشربة الصالحة البعيدة عن الأمراض»، فى ظل نسبة الأملاح العالية التى تتركز فى مياه البئر الارتوازية: «هناك مجموعة تثير الفتن وتستغل اندفاع شباب القرية لخلق أزمة وتطوير المشكلة لما هو أكبر».
قبل أيام كان الدكتور إسماعيل ضمن وفد زار قرية «فيشا الكبرى» لوأد الفتنة، وفى جلسة كانت محاولة للصلح بين أهالى القريتين تهور عدد من شباب قرية «فيشا الكبرى» وحاولوا الاعتداء على الموجودين من القريتين، فغادر الوفد وفُضت الجلسة، وفى طريق عودتهم قطع عليهم الطريق بعض من شباب قرية «فيشا الكبرى» ولم يستطع كبار عقلاء القرية حماية أهل كمشوش منهم، ما تسبب فى زيادة اشتعال الأزمة.
بجوار محطة المياه الارتوازية، بقرية فيشا الكبرى يقف شاب عشرينى، يدعى «محمد محاريق» بغضب يصيح فى شقيقه ليتوجه لملء دلو من المياه الصالحة من محطة التنقية، وحين يسمع اسم «كمشوش»: «المسئولين مش هيتحركوا إلا لما يموت واحد من القريتين»، يتحدث عن الغليان فى القرية وتهور بعض الشباب من سنه، وما ينفخ فى النار من بعض أهالى القرية لتسخين الأمر لمصالح خاصة: «فيه نسب ودراسة وأهلنا فى كمشوش، ولكن عقل بعض الشباب المتهور، لما بيسمعوا إن كمشوش حايشة الميه عننا».
«المشكلة لها جذور قديمة»، يؤكد «محاريق» العامل بإحدى شركات الصرف الصحى، أن الأزمة من الممكن أن تعصف بالقريتين: «الموضوع ممكن يتطور ويقع شباب من القريتين».
طارق عبيد، أحد أهالى قرية كمشوش، ممن يحاولون التهدئة بين القريتين، توجه وعدد من الأهالى لمقابلة محمد نجيب مسئول شركة المياه بالمنوفية، يدور الحديث يشتكى الأهالى: «الميه ليها طعم ولون وريحة»، يسكت، يجادلهم ويحاول تهدئتهم، وبصوت هادئ يقول لهم الرجل الأربعينى «شوفوا واسطة لرئيس الشركة القابضة للمياه والصرف الصحى بالقاهرة».
«حل المشكلة» هو ما صدره محافظ المنوفية بعد تأجج الوضع بين القريتين، لكن يقول طارق: «مفيش قرار لحد الآن صدر وكل ما قيل لنا وعود براقة، طالما قيلت»، وهدد خلال شهرين إذا لم تحل مشكلة المياه وتنته الأزمة بين القريتين سنطالب السيسى بفصل قرية «كمشوش» عن محافظة المنوفية ونتبع رئاسة الجمهورية مباشرة «خوفاً على أولادنا، وخوفاً من وصول الأمر لفتنة تطير فيها الرقاب وتراق فيها الدماء».
يؤمن طارق وأهالى القرية أن سبب الأزمة الحقيقية هو «قرار المحافظ»، حين أعطى تأشيرة لقرية «فيشا الكبرى» بتوصيل المياه الصالحة من خلال خط مياه «كمشوش»، وهو يعود بالمشكلة لما قبل الثورة، «ستكون الغلبة فى الخلط بين المياه العذبة والجوفية، لعدم كفاية المياه، عوضاً عن كبر مساحة وتعداد قرية «فيشا الكبرى»، التى يصل تعدادها إلى أكثر من ضعف تعداد قريتنا، ومساحتها أكبر منها.
خرج طارق وسط الأهالى من القرية الثائرين حين علم بتوصيل المياه، وظهرت الفتنة بين البلدين، وحين سألت «الوطن»: الجميع «فتنة؟» صاح الجميع من الجالسين بجوار طارق: «طبعاً فتنة بينا وبين فيشا، إزاى ياخدوا الميه اللى بنشربها ونسكت، والميه لا تكفى بلدنا ولا بلدهم لوحدنا، إنت جاى تاخد خط الميه بتاعى اللى تعبت لحد ما وصلت له!».
يتجه «طارق» ووفد من كمشوش للمحافظ، فيقول: «مش هوّصل لفيشا»، يتجه وفد فيشا يقول: «هوصلكوا».. عدم وضوح القرار كان له الدور الأكبر فى إشعال فتيل الأزمة: «البلدين مشحونين، وكل منهم مستنى للتانى على غلطة، والدنيا هتولع».
الخوف من اشتعال الأزمة فى ظل ارتباط الخدمات والمدارس والوظائف لأهالى قرية كمشوش بفيشا دفعهم للمطالبة بالانفصال: «مدارس عيالنا فى فيشا والموظفين شغالين فى فيشا، وتم منع عدد من الموظفين، وطلبنا مدير الأمن ولكن لم يتحدد موعد لعرض الموقف بين البلد».
إلى جوار جدار طينى، بوسط القرية، يقف عبدالغفور شلبى، موظف بالأوقاف من سكان قرية كمشوش، يمسك بجانبه الأيسر، مريض منذ أكثر من 14 عاماً، تتمركز الحصوات على كليته اليسرى، لا يتوقف الألم ولا ينتهى المرض، أجرى 3 عمليات جراحية، آخرها كان قبل شهور يقول: «العطش أهون عليَّا من الألم اللى بحس بيه مع الميه، الدكتور جه معايا لحد هنا بعد 3 عمليات وحلل الميه وقال لى لا تصلح حتى للحيوانات».
«شلبى» فى انتظار عملية أخرى : «الموت أهون من إنى أشرب من الميه تانى اللى بتيجى من البير الارتوازى».. لا يطيق سماع اسم قرية «فيشا الكبرى» حتى يصيح: «ميه إيه اللى نسيبها لهم، ده على رقبتنا كلنا»، فوالده توفى بالفشل الكلوى، بعد إصابته ب4 شهور، ولا يتحمل عمه تكاليف علاجه أيضاً من الحصوات: «العيلة كلها عندها أمراض من الميه وأنا اللى بتحمل فلوس العلاج كله من أبويا لحد ما مات، لحد عمى وآخرهم المرض اللى عندى».
داخل دوار عمدة كمشوش، يجلس طارق صقر، عمدة القرية، لا يعرف معنى اسم قريته: «طلعنا لقينا اسمها كده ومعرفنلوش معنى»، بجوار صورته، صورة بالأبيض والأسود، تتشابه ملامحه معه، عمدة القرية السابق والده، الذى عمد له مسئولية العمودية فى حياته منذ عام 1973، يعدل من هيئته، يحاول الحفاظ على وقار العمدة، يتحدث بهدوء وكلمات منمقة: «فيه غليان بين القريتين»، يؤكد أن الخط الممتد إلى كمشوش جاء بالجهود الذاتية إبان الثورة على مبارك، وسئم الحديث مع شركة المياه التى تخرج إدارتها دائماً بقول: «دى أشياء فنية ملكوش فيه»، ويقول إن المحافظ أحمد شيرين فوزى، وعد بحل مشكلة المياه لكن لم يخمد الصراع والفتنة التى اشتعلت بين القريتين، وعد بوجود محطة تنقية ينشئها الجيش لكن حتى الآن لم نر شيئاً فعلياً على الأرض، ومع تأخر التحرك يشتعل الأمر بشكل أكبر بين الأهالى.
صقر يقول فى حزم إن ما يحدث يحتاج وقفة من المحافظة، وطلبنا الجلوس مع مدير الأمن، فالأمر يزداد سوءاً، وأهالى قرية فيشا يوقفون أهالى «كمشوش» ويمنعونهم من دخول قريتهم التى تعتبر المركز الرئيسى ومحل أعمالهم ووظائفهم، علاقة القريتين لها توترات متراكمة قائمة على خلاف قديم يؤكده العمدة، ويقول إن أزمة المياه تجدده، فكان الخلاف السابق قائماً على خلاف بين الشباب الصغار: «واحد عاكس واحدة على الطريق، الشباب ضربوا بعض والموضوع كبر بس أخمدناه، وده من سنين، ودلوقت الميه صحت الموضوع تانى».
ويحاول العمدة إخماد الفتنة، لكن تناهضه مجموعة من قرية «فيشا الكبرى» تحاول إشعال الفتنة بجوار الشباب الثائر، وهو ما يمثل الخطورة على أهل القرية ويهدد بطرد طلاب المدارس من أهل كمشوش، والموظفين هناك، ويسعى وراء الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة لتنفيذ وحدة المعالجة سريعاً قبل أن يتطور الأمر لأكبر من ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.