«أنا المشهور المغمور، لا أنا بالثمل ولا أنا بالمفيق، ولا أنا بالنائم ولا باليقظ، ولا أنا مع الحبيب ولا أنا بدونه، ولا أنا بالمحزون ولا أنا بالمسرور، ولو أنى أستريح للحظة فإن نفسى لا تستريح، بل إنى أستريح إن لم أذق طعم الراحة ولو للحظة»، كلمات للشاعر والفقيه الصوفى جلال الدين الرومى، لعلها تعبر بصدق شديد عن حال هؤلاء الهائمين على وجوههم، من ينشدون الخلاص من هموم الدنيا عبر التوحد مع أجرام السماء، فى محاولات لتحرير الأرواح، وتبصير العقول، يدورون ويهيمون بشغف، جمعتهم التكايا المولوية قديما، أما اليوم حين زادت حاجتهم إليها أصبحت مغلقة وبلا اسم، لا ينفذ من أبوابها سوى اللصوص يسرقون أجزاءها ويهربون! «المركز الإيطالى المصرى للترميم والآثار.. المدرسة الفنية التخصصية»، هذا هو العنوان الذى يطالعه المار إلى جوار التكية المولوية، الواقعة فى شارع السيوفية، بالقرب من قصر الأمير طاز، قد يمر بها الزائر مئات المرات دون أن يلحظ بالفعل أنها التكية، لعل جلال الدين الرومى كان يشعر بالحال الذى ستئول إليه التكايا حين قال: «يا من تبحث عن مرقدنا بعد شد الرحال.. قبرنا يا هذا فى صدور العارفين الرجال»، فمصير ما يقرب من 72 تكية حول العالم غير واضح، كما أن الرقم غير مؤكد. التكية المولوية فى مصر لا يفتقد بابها إلى اسمها وحسب، ولكنها تفتقد إلى أهلها أيضا، فبالرغم من عمليات الترميم والتجديد التى تكلفت الملايين لتعيد للتكية رونقها وتبث فيها الحياة من جديد على يد البعثة الإيطالية فى القاهرة، فإنه لم يعد إلا الشكل، أما المضمون أو الوظيفة الرئيسية فلم يعد أى منهما. منذ العام 1928 لم تشهد التكية سوى المؤتمر الأول للموسيقى العربية فى القاهرة، وكادت تضيع تماما فى العام 1952 حين تم تصفية التكايا فى مصر، لكن عالم الآثار المصرى دكتور حجاج إبراهيم تدخل لتبدأ عمليات الترميم بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار والمركز الإيطالى المصرى، لتقف قصة التكية عند آخر حفلين أقيما بها فى عامى 1988 و1992، حيث أحيا ذلك الأخير بعض من الدراويش الأتراك. الذكريات فى التكية المولوية ترفض أن تموت، فبمجرد دخول الزائر إلى المسرح الدائرى تبدأ الأفكار والمشاعر فى الاجتياح؛ مشهد ضريح سيدى حسن صدقة رفيق السيد البدوى، المدفون بالتكية، الملابس الأثرية المعروضة للمولوية، رائحة الخشب، مشهد القبة. تقلصت أعداد الزيارات، وأصبح فى حكم المستحيل أن ترى حفلا مولويا بها. رغم جودة الترميم، لم تسلم التكية من الإهمال الذى دفع اللصوص إلى اقتحامها دون عنف أو قوة، فقط نفذوا إلى الداخل، وسرقوا جزءا من كتابات القبة، التى تشمل 3 تركيبات دفن خشبية عبارة عن شرائط زخرفية عليها كتابات بخط «الثلث»، تتضمن ألقاباً وأدعية للمتوفى صاحب القبة والمدرسة، وهو أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون، وملحق بالتكية المولوية «مسرح الدراويش»، وتبلغ مساحة الجزء المسروق 30 فى 50 سنتيمتر. «الدنيا واقفة، والزيارات قليلة جدا، لكن ساعات بييجى للتكية سواح، وأتراك، أصل المسرح ده مفيش منه غير اتنين بس، ده وواحد كمان فى تركيا»، تتحدث سحر، إحدى العاملات بالتكية، التى تتطوع لدى زيارة أحد المصريين بتعريفه بتاريخ التكية وأهميتها، تقول: «فوق فيه مسرح، أما تحت فيه مدرسة كان الطلبة بيدرسوا فيها فقه، وفيه ضريحين تحت لكن مش حافظة اسمهم بالظبط». الزيارات إلى التكية نادرة، تقتصر على هؤلاء الذين يعرفونها ويقدرون قيمتها، ويسمح لهم بدخول المسرح الخشبى المستدير، الذى يواجه زائره بلوحة خضراء مميزة كتب عليها: «يا حضرة مولانا»، فيما تتزين قبة المسرح بصورة للشمس وأسراب من الطيور، توحى للمولوية الذين يدورون بأنهم ارتقوا إلى السماء وتوحدوا مع أفلاكها، تقول سحر: «المسرح ده كان واقع خالص، لكن إيطاليا رممته، وفيه معرض صور فى المكان لقبل وبعد، المدرسة والضريح أماكن مهمة لكن مقفولة من ساعة السرقة».