قال السيد وزير الثقافة د. جابر عصفور فى جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ 5/8/2014: «لدىَّ أكثر من 500 قصر ثقافة، كل منها يشبه عمود إنارة، لو أضاءت كل تلك الأعمدة لأنارت مصر كلها فكرياً وثقافياً»، وكتبت فى مقالى السابق أن «عواميد» الإنارة الثقافية مطفأة فى الإسكندرية. أركز هنا على تدهور قصور الثقافة، فهى فى حالة يرثى لها. فى الإسكندرية قصور الثقافة ما بين مغلق وشبه مغلق، ما بين ردىء الإنتاج ومدعى الإنتاج، لا نقول عنها «لو أضاءت»، نقول بصريح العبارة إنها مطفأة. السلبية الأساسية فى قصور الثقافة أن أغلب الموظفين فيها لا تهمهم إنارة ولا يدركون ما الإنارة. صحيح أن حال الإدارات الحكومية هى هَمٌّ وغَمٌّ على كل مصر، وإيجاد حل لهذه السلبية الخطيرة من مسئولية الدولة ككل وليس وزارة الثقافة وهيئة قصور الثقافة على وجه الخصوص، لكن تلك السلبية فى وزارة الثقافة أفدح لخصوصية عملها الإبداعى. قصر ثقافة الشاطبى كان جديداً، واكتشفوا أنه قابل للانهيار، السؤال الآن كيف تعرض للانهيار رغم أنه مبنى حديثاً؟ هُدم وتم بناؤه من جديد، مسرح فى الطابق الأرضى وثلاثة طوابق عليا؛ طابق يتيم للإبداع، الطابقان العلويان تم تخصيصهما للإدارة المزدحمة بالموظفين، وللقصر مديران، لكل منهما مكتب براح، لكن مكتبة القصر ضيقة للغاية بما لا يليق، وعدد الكتب بها فضيحة. تذكرت أنه فى نهايات القرن الماضى حدث فى قصر ثقافة الحرية أن مديرة ضمت جانباً من مكتبة القصر لمكتبها الخاص! وكأن القصر قصر الإدارة وليس قصر الثقافة. نعود لقصر ثقافة الشاطبى، به صالة للندوات معقولة، لكنه ليس قصر ثقافة كما كان قديماً، هنا أسأل: لماذا تعلن الهيئة أن هذا المبنى قصر ثقافة؟! إنه مبنى إدارى فى مجمله! سيادة الوزير، هل تعلم أن قصر ثقافة الأنفوشى تم تجديده فى منتصف تسعينات القرن الماضى، وأن الدولة والوزارة كلفته ملايين من الجنيهات، ونفس هذا القصر حالياً يتم تجديده مرة أخرى وهو معطل عن العمل منذ سنوات طالت، أى إن ملايين أخرى تنفق على هذه القصر المبتلى بالفساد؟! إنها المصابيح المحطمة يا سيادة الوزير، فهل من العجب أن يستشرى التطرف تحت عباءة السلفية فى الإسكندرية التى كانت ماريا وترابها زعفران؟ الأستاذ المفكر الكبير حقاً د. جابر عصفور، أنت تعلم تماماً أن تكلفة إغلاق القصر وتعطيله عن عمله ووأد النشاط الثقافى التنويرى المنتظر منه، تكلفته المعنوية أخطر وأقسى من الملايين المادية التى أُهدرت، فمعركتنا أساساً بين التحضر والتنوير وأمثال «داعش» والتبوير، معركتنا معركة ثقافة. قصر ثقافة الأنفوشى مبنى ضخم وفى مكان رائع، وبه مسرح هائل يمكن أن يكون قاطرة فن المسرح فى الإسكندرية وما حولها. مسرح الأنفوشى اسمه «مسرح يوسف وهبى»، لأن يوسف وهبى رائد المسرح مثَّل على خشبته، فكيف يكون مصيره الإظلام؟! وما زال القصر مغلقاً مظلماً بسبب المسئولين الفاشلين فى الإسكندرية والإدارة المركزية القاهرية! عار، إغلاق القصر مستمر يا سيادة الوزير. والغريب أن مسئولاً سابقاً فى قصر الأنفوشى كان ضد الفنون وضد المسرح وضد وزارة الثقافة، فهو ظلامى معتم العقل والضمير. والمصيبة الأكبر أن كل القيادات الكبرى بالإسكندرية كانت تعرف ذلك، وتركته سنين يطفئ المصابيح حتى أحيل للمعاش! ونتعجب أننا لم نسمع أنه تم التحقيق مع المسئولين عن كارثتى قصرى ثقافة الشاطبى والأنفوشى. كنت منتدباً لسنوات فى هذا القصر خلال منتصف تسعينات القرن الماضى، وبسبب ضعف الميزانية كتبت على الآلة الكاتبة فكرة استغلال مسرح الأنفوشى طوال الصيف، بمسرحيات قطاع خاص على درجة من الرقى مقابل مبالغ معقولة، وبهذه المبالغ نضىء النشاط المسرحى الكبير فى الإسكندرية وما حولها، لم يجبنى أى مسئول، وفى صباح يوم إذا بلافتة ضخمة تعلن عن عرض مسرحية «عبده يتحدى رامبو»! فكان ضحكى كالبكا. بعدها كتبت فكرة تشجع رجال أعمال سكندريين على طباعة كتب أدبية، تكون بمنزلة دعاية إعلانية محترمة لهم، وفى نفس الوقت نعطى الفرصة لأدباء الإسكندرية لنشر أعمالهم، لم يجبنى أحد. المفاجأة أن الفكرة تنفذ فى الخفاء بمستوى ضحل، فهرب رجال الأعمال الذين تحمسوا فى البدايات. قلت إن موظفى قصور الثقافة هم العنصر السلبى الأساسى فيها، فمن ضمن خباثات جوانب منهم أنهم يفضلون العمل مع مدعى الإبداع؛ لأن مدعى الإبداع من مصلحتهم الزحام فى قصور الثقافة لتعويض هزالهم الإبداعى عموماً، فيكونوا بوجودهم الجسدى بدلاً من وجودهم الإبداعى، وإن تصدى مبدع حقيقى للعمل فى قصور الثقافة، يتم «قَرْيَفته وعكننته» حتى يهرب، فالمبدع الحقيقى يأتى القصر معتقداً أن العاملين به هدفهم الأساسى هو مساعدته على الإبداع، لكنه يجد الموظفين يؤمنون بأن القصر قصرهم والمبدعين من أدوات عملهم وتحت إمرتهم وخدمتهم. وتتكون شلل قبيحة من صنف من الموظفين وصنف من مدعى الإبداع، يعملون على تسويد الأوراق من ناحية الكم والكيف، فيتم تزوير أعداد الحضور فيتضاعفون على الورق فقط، ويُكتب عن مدعى الإبداع أنهم مبدعون كبار! ومن المؤكد أن الكثيرين من القيادات، سواء أكان ذلك فى الإسكندرية أم فى القيادات العليا بالقاهرة، يعلمون ما أقول. لكن هل كل العاملين بهذا السوء؟ بالطبع لا، لكن ما أقوله ينطبق على التيار الأساسى منهم، التيار الذى لا يهمه إبداع أو ثقافة، فهل نتوقع مصابيح مضاءة؟