قبل يومين كانت حياة يوسف إبراهيم صابر، مدرس الدراسات الاجتماعية الإعدادية بمدرسة الوحدة التابعة لمركز بيلا في محافظة كفر الشيخ، هادئة تماماً، يستيقظ في الصباح الباكر، ويتناول إفطاره ثم يذهب إلى مدرسته، للقيام بعمله، وبعد الظهر يذهب لمنزله مرة أخرى ، ليبدل ملابسه ثم يخرج للعمل في أحد مطاعم المدينة، لتلبية احتياجات أسرته، وأثناء قيامه بتنظيف الشارع أمام المطعم الذي يعمل به التُقط له مقطع فيديو يظهره وهو يقوم بتنظيف الشارع، لينتشر سريعاً على موقع التواصل الاجتماعي« فيس بوك»، لتتحول حياته الهادئة إلى حديثاً لكافة رواد الموقع، فمنهم من قابل قصته بسخرية واستهزاء وآخرون قابلوها بدعم وتضامن، وما بين هذا وذاك يظل المعلم فخوراً بنفسه رافعاً شعار« الشغل مش عيب». يوسف يعمل مدرسا ومشرف على عملا النظافة بمطعم «كنت عايش في حالي فجأة لقيت مدرس زميلي بيتصل عليا ويقولي إلحق يايوسف، دا فيه فيديو منتشر ليك على الفيس بوك، وأنت ماسك مقشة وبتنظف الشارع، والست اللي نزلته كتبت عليه هوا دا اللي عامل نفسه مدرس دراسات، شغال عامل نظافة في مطعم، في لحظة سكت وانهزمت لكن سريعا فوقت وقولت أيه يعني أنا طول عمري شقيان على ولادي بالحلال وبقول الشغل مش عيب»، هكذا يحكي مدرس الدراسات الاجتماعية قصته، ل« الوطن». منذ صغره تعلم مربي الأجيال البالغ من العمر تحو 45 عاماً، الكفاح، فكان يكافح خلال دراسته في كافة المراحل، يخرج للعمل صيفاً لمساعدة والديه في الإنفاق على أسرته،« أمي كانت بتربينا على حب العمل وعدم الاعتماد على أشخاص، امي كانت بتشتغل اكتر من شغلانة علشان تصرف علينا، وأنا كملت وتحملت كثيراً ولم اشتكي، وكنت بشتغل أكثر من شغلانة لأن الشغل مفيهوش عيب، الشغل فيه حرام أو حلال بس، فخور بكوني بشتغل».
المعلم لطلابه: «اشتغلوا واعتمدوا على نفسكم وابنوا بلدكم» دائما يدعو المعلم، طلابه لضرورة العمل، فلا تكاد أن تمر حصة دراسية، إلا ويشيد بالطلاب الذين يعملون ويتحملون مسئولية أنفسهم ويساعدون والديهم،« دايماً بقول للطلاب ولأولادي البلد محتاجة دكاترة ومهندسين وعمال، هو ضلع لا يمكن أن يستقيم بدون أحد أطرافه، علشان كدة في بناء وأنا اشتغلت في أماكن كتيرة، علشان أروح اشتغل وابني واعمر وأقدر أصرف على ولادي، أنا بفيد البلد من الاتجاهين، البلد مش هتقوم غير بالتعليم والعمل، لازم نشتغل وننتج، بقول للطلاب دايما كدة، ولو عامل النظافة لو غاب يوم، المواطن مش هيتحمل القمامة، لذلك أنا فخور اني شغال مشرف نظافة، ومش عيب أني انظف المحل بأيدي». لم يغضب المعلم من كونه عاملاً أو مشرفاً على عمال النظافة بأحد المطاعم، لكن غضبه جاء حينما شاهد مقطع الفيديو وأسلوب التنمر، «أنا زعلت بس لما لقيت المعلمة الفاضلة بتتنمر عليا، الشغل مش عيب، الجملة نفسها شوفوا مدرس التربية والتعليم شغال عامل نظافة ، لكن انا فخور بنفسي، البلد محتاجه ناس كتير تشتغل في كل مكان، اشتغلت في مخبز عيش، وفي مركز شباب، ومبيض محارة، وفي الأخر مشرف نظافة في مطعم لأحد أقاربي، وأنا قدوة لأولاده وطلابه، وأن مرتبه يكفي أسرته الحمد لله مكفي أسرتي، ومش بحتاج لحد، وبنشكر ربنا». المعلم:« انهزمت نفسيا للحظات لكن بشكر الناس على ردود فعلهم» ردود فعل تضامنية وداعمة للمعلم الذي يقدره الجميع ويحترمونه، أجبرت صاحبة مقطع الفيديو على حذف صفحتها من موقع الفيس بوك، لكنها أظهرت معدن المصريين وتضامنهم مع أكل العيش الحلال.. «شوفت رد فعل الناس انبسطت من القصة، على قد ما اتهزين نفسيا شوية على قد ما عرفت قد أيه الناس مع كل شخص شايف حاله واكل عيشه، مديرية والتربية والتعليم، ونقابة المعلمين، وأصدقائي وأقاربي، الناس كلها جاتلي المحل علشان تتصور معايا وتدعمني، وزوحتي كمان قررت تنضف المحل معايا كنوع من الدعم، مؤكداً أن الجميع يعي جيدا قيمة العمل والبحث عز رزق أبنائي الثلاثة في أي عمل شريف لا يعيبني». رسالتان وجههما مدرس كفر الشيخ بعد التنمر عليه، إلى مصورة الفيديو وطلابه وشباب مصر،« بقول للست اللي صورت الفيديو، لما شوفت الفيديو قولت عليه حسبي الله ونعم الوكيل، ولو قابلتها دلوقتي هشكرها، لأن رد الفعل كان حاجه جميلة جدا ودي أحسن مكافأة ليا، والرسالة الثانية للشباب الجالس علي المقاهي بلا عمل، اسعو للشغل وفي فرص عمل كتيره في البلد واللي بيدور وبيلاقي، والشغل مش بيقلل منكم، لانه هيفيدك انت واسرتك وبلدك، واللي مش بيشتغل ملوش قيمة».
