إنها بيروت، تلك المدينة الجميلة التى تحتضنك بحب غريب كلما وصلت لشواطئها وجبالها، تذكرنى أزقتها وشوارعها الجانبية الضيقة بجادات مدينة نيويورك، لكن ما يميز بيروت هو اختلاط حصى الشوارع ودخان الأرجيلة ورائحة النعناع مع أناقة الماركات الباريسية فى تناغم غريب، قلما تجده فى مدينة عربية! «لبيروت من قلبى سلامٌ لبيروت وقصصٌ للبحر والبيوت».. صوت فيروز المنتشر كقيثارة السماء من مقهى لآخر ينقى روحك كالفلتر من تلوث وعكارة الأصوات النشاز، يلفك فى دوامة من الحنين والعشق السرمدى لجمال المدينة ونرجسية وتفرّد بناياتها، فتشعر وكأنك مسافرٌ عبر الزمان فى ذات المكان على وقع صوت ملائكى يظل يتردد صداه فى أذنك لتعود من جديد لفيروز وبيروت معاً! ما يدهشك فى المدينة هو عشق أهلها للحياة، قدرتهم الكبيرة على الاستمتاع بالوقت، رغم صعوبة الأجواء وتعقيدات السياسة والطوائف والأحزاب، إلا أنك تجد السمة الغالبة على اللبنانيين هى تحدى الصعاب والرغبة فى الحياة والحب والجمال، جمال الصورة والمظهر والطعام والمكان معاً. خلال إجازة العيد التى قضيتها فى بيروت، صحيح أنها ليست المرة الأولى لى فى لبنان، لكن هذه المرة كانت مختلفة، حديث الأصدقاء هناك عن مصر، هو حديث الفخر، تجدهم يسألونك بقلق (شو سوّى السيسى مع الإخوان؟)، وحينما تجيب، ترى نظرات إعجابهم وتسمع منهم الدعوات لمصر الشعب والأرض والحكومة بالتوفيق والنجاح والخلاص من شبح الإرهاب الإخوانى. الجميل هناك أنك تجد كل الطوائف فى نفس المقهى فى تعايش سلمى وقبول اجتماعى رائع أدعو الرب أن يستمر إلى الأبد، فتجد فتاة ترتدى ال«هوت شورت» بجوار أخرى بفستان قصير يتوسط صدرها الصليب، وثالثة محجبة بشياكة تلفت النظر، وتجد المتبرجة بماكياج وألوان شعر فاقعة، والمحتشمة جداً بعباءة وطرحة سوداء، والبسيطة والكاجوال، وأخرى ترتدى أغلى الماركات الباريسية، كلهن فى ذات المكان، لكن لا أحد يحاسب الآخر أو ينظر إليه نظرة استغراب، فالحرية الشخصية مقدسة لدى هذا الشعب. يلتقيك سائق التاكسى بابتسامة وترحاب شديدين، والجرسون فى المطعم، والبائعة فى محل، الكل يقدرون أهمية الزائر لبلادهم، شعب تعود على استقبال سياح وإكرامهم ليعودوا مرات ومرات، هم شعب مثل كل الشعوب العربية مهموم بمشاكله ومشغول بهموم الأمة العربية التى تداهمها الفتن الداخلية والمؤامرات الخارجية، لكن اللبنانى الذى خاض حرباً أهلية طويلة، يدرك جيداً أهمية الحياة، لذلك يحرص على الاستمتاع بها كل الحرص، تحت شعار (بدنا نعيش حياتنا) وهذا شىء يحسب لهم بصراحة. فى مصر نقول، «اللى يشرب م النيل لا بد تانى يعود»، وهى مقولة صحيحة، وأيضا من يرى كم هى جميلة بيروت، يغنى مع فيروز: «من قلبى سلامٌ لبيروت...».