طالب المستشار عبدالغفار سليمان، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية بإلغاء تبعية جهاز «الكسب غير المشروع» لوزير العدل وإسناد اختصاصاته إلى النيابة الإدارية، موضحاً أن رفض القضاة النص على «النيابة» فى الدستور الجديد يرجع إلى نظرتهم للدستور، باعتباره «تورتة» يتعين أن يحصلوا على أكبر قطعة منه، كما أن أعضاء النيابة الإدارية لم يطلبوا دمجهم فى القضاء العادى، كما يتصور البعض، لكن تحدثوا عن دعم النيابة باختصاصات تتناسب مع الطاقات المادية والبشرية التى لديها. * كيف ترى الجدل الدائر حالياً بشأن وضع النيابة الإدارية فى الدستور؟ * لا بد أن نحدد أولاً جوهر القضية، فنحن بصدد إعداد مشروع دستور جديد بعد الثورة، ومن المفترض فيه إعادة ترتيب السلطات العامة فى الدولة، بما يتناسب مع الأهداف التى قامت من أجلها الثورة، وليس خافياً على أحد ما كان يعانيه المواطن فى ساحات القضاء العادى أو عندما يتوجه للحصول على خدمة من أى هيئة حكومية، فضلاً عن أن القضاء العادى متخم بقضايا تفوق طاقة البشر، ومن ثم اتجهت لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية للدستور إلى وضع تصور يحقق أمرين؛ الأول: الاستفادة من الطاقة المهدرة فى الهيئات القضائية خاصة هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة. والثانى: تخفيف العبء عن النيابة العامة والقضاء العادى وصولاً لهدف أسمَى، وهو تحقيق مصلحة المواطن فى عدالة ناجزة. * نفهم من ذلك إمكانية دمج النيابة الإدارية فى القضاء العادى؟ - لم نطلب كهيئة قضائية الدمج مع هيئة أخرى، ولكن نتحدث عن دعم النيابة الإدارية باختصاصات تتناسب مع الطاقات المادية والبشرية التى لديها، فعلى سبيل المثال إدارة الكسب غير المشروع تقوم بعمل خطير وهو فحص الذمة المالية لأكثر من 6 ملايين موظف، ورغم ذلك ليست هيئة قضائية، وإنما إدارة تابعة لوزير العدل الذى هو عضو فى السلطة التنفيذية، ومن الأولى أن تنقل اختصاصات هذا الجهاز إلى النيابة الإدارية لما لديها من خبرات فى مجال التحقيقات فى الفساد المالى والإدارى. * تقصد أن وزير العدل يتدخل فى عمل جهاز الكسب غير المشروع؟ - أثناء ندبى للعمل بالكسب غير المشروع قبل الثورة، رأيت بعينى تدخل الوزير فى عمل الجهاز، فقد حدث أن استدعى وزير العدل آنذاك القائم بأعمال مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع ليسأله عن ملف يخص أحد الشخصيات العامة، فأبلغه أنه أحيل إلى المستشار أحمد مكى، وكان وقتها نائباً لرئيس محكمة النقض لفحصه وفقاً للقانون، فاستشاط الوزير غضباً لأنه لا يرتاح إلى مكى، وهذا يدلل على تدخل وزير العدل فى عمل الكسب غير المشروع. * نعود للحديث عن النيابة الإدارية ووضعها فى الدستور.. لماذا الإصرار على النص عليها فى الدستور؟ - لضمان حماية أعضائها من تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية فى شئونها، وأنا أؤكد أن النيابة الإدارية عانت طوال العقود الماضية من تدخل وزراء العدل السابقين، خاصة فيما يتعلق بالتعيينات بالهيئة، وكان يعانى المجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية من تلك التدخلات التى ما كانت لتحدث لو وجد نص دستورى يتضمن عبارة واحدة: «النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة»، فالاستقلال الذى ننادى بالنص عليه فى الدستور هو فى صالح المواطن لحماية حقوقه لدى النيابة الإدارية. * وبم تفسر حديث المستشار حسام الغريانى رئيس الجمعية التأسيسية للدستور الذى أعلن رفضه صراحة النص على النيابة الإدارية فى الدستور؟ - المستشار الغريانى موقفه من النيابة الإدارية معروف للجميع، قبل توليه رئاسة الجمعية التأسيسية، حينما كان رئيساً لإحدى دوائر محكمة النقض وأصدر حكماً ببطلان انتخابات مجلس الشعب أثناء تصديه للفصل فى طعن يتعلق بصحة عضوية أحد النواب، وكان سنده لبطلان الانتخابات أن أعضاء من هيئتى النيابة الإدارية وقضايا الدولة أشرفوا على الانتخابات، وليسوا أعضاء هيئات قضائية، ومن ثم فكان من الأولى به التنحى عن إبداء رأى فى قضية سبق له إبداء رأيه فيها، فحديث الغريانى عن النيابة الإدارية افتقد الحيدة. * لكن ليس «الغريانى» وحده من يرفض النص على النيابة الإدارية، فهناك قضاة فى السلطة القضائية يرفضون وعلى رأسهم رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار محمد ممتاز متولى؟ - للأسف الشديد بعض القضاة ينظرون إلى الدستور باعتباره «تورتة» يتعين أن يحصلوا على أكبر قطعة منها، رغم أننى لا أعرف ما الذى يضير القضاة من مجرد النص على النيابة فى الدستور؟.. إن التفسير الوحيد لذلك أنهم ينظرون إلى السلطة باعتبارها «تركة» ورثوها ويتعين عليهم الحفاظ عليها وتوريثها لذويهم بنظرة تقوم على الاحتكار والتعامل مع السلطة باعتبارها مصدراً للمزايا والمكاسب وليس باعتبارها وظيفة تمارس باسم الشعب. * القضاة يرون أن النيابة الإدارية ستقلص من اختصاصات النيابة العامة بعد أن يُسند لها التحقيق فى جرائم الأموال العامة؟ - معظم المخالفات التى يرتكبها الموظف العام، وفقاً لقانون العقوبات، هى جرائم جنائية وبالتالى هناك ازدواج فى التحقيق بين النيابة العامة والنيابة الإدارية، والمصلحة العامة تقتضى أن تحقق النيابة الإدارية فى كافة جرائم الوظيفة العامة مع الحفاظ على اختصاص النيابة العامة بتحريك الدعوى الجنائية، بمعنى أنه بعد أن تنتهى النيابة الإدارية من التحقيق إذا تبين لها أن الواقعة تشكل جريمة جنائية تستوجب الإحالة للمحاكمة الجنائية تقوم بإحالة الموضوع للنيابة العامة.. ثم إن الرافضين من القضاة للنص على النيابة الإدارية فى الدستور لماذا لم ينتفضوا للحديث عن ندب القضاة للعمل كمستشارين قانونيين بالجهات الإدارية، فهذه قضية تمس جوهر استقلال القضاء وتشكل ازدواجاً بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية بما يهدد مصالح المواطنين.