بدأ الإتحاد السوفيتى فى بناء نوع جديد من المفاعلات ذات القدرة العالية، وقد صممت هذه المفاعلات لإنتاج البلوتونيوم وإنتاج الطاقة، ولم يتم تصديرها خارج الإتحاد السوفيتى، وهذا النوع من المفاعلات يذكرنا بحادثة "تشرنوبل"، فى الوقت الحالى لا توجد خطط لبناء مفاعلات جديدة من هذا النوع. فى موقع Leningradskaya، كانت البداية مع تشغيل مفاعل طراز RBMK وهى اختصار لعبارة باللغة الروسية تعنى "مفاعل ذو القناة عالى الطاقة" High Power Channel-type Reactor، وهى تعمل بالماء الخفيف كمبرد والجرافيت كمهدئ للنيترونات. فى عام 1973، تم تشغيل أول مفاعل من نوع RBMK-1000، وهو من الجيل الثانى، يعمل باليورانيوم المخصب U235، نسبة التخصيب 2%، القدرة الكهربية 1000 ميجاوات، ويعتبر من مفاعلات الماء المغلى BWR. حزم الوقود توضع فى قنوات رأسية، كل قناة تحتوى على حزمتين موضوعين فوق بعض، كل قناة منعزلة عن الأخرى، وبذلك يمكن فتح قناة اثناء تشغيل المفاعل وتغير حزم الوقود، ماء التبريد المضغوط يمر داخل كل قناة لتبريد حزم الوقود وحمل الحرارة الناتجة من الانشطار النووى الى مولد البخار، ويسمح بحدوث غليان لمياه التبريد المضغوطة، درجة حرارة المياه عند مولد البخار تصل الى 290 درجة مئوية، وتوجد دائرتين تبريد للمفاعل، كل دائرة بها4 طلمبات، وكل دائرة تبريد متصل بها مولدين بخار، وبلوكات الجرافيت تحيط بالقنوات لتهدئة النترونات الخارجة من الإنشطار، ولزيادة التوصيل الحرارى بين كتل الجرافيت يوضع خليط من غاز الهليوم وغاز النيتروجين. أبعاد بلوكات الجرافيت 25x25x25 سم، بها ثقوب بقطر 11.4سم لقنوات الوقود أو التحكم، توضع بلوكات الجرافيت فى قلب المفاعل الأسطوانى الشكل الذى قطره 14 متر وارتفاعه 8 متر، أقصى درجة حرارة مسموح بها للجرافيت هى 730 درجة مئوية، إجمالى وزن الجرافيت 1700 طن. قنوات الوقود الرأسية مصنوعة من سبيكة الزركونيوم قطرها الداخلى 8 سم وسمك جدارها0.4 سم، وهى موجودة فى منتصف بلوكات الجرافيت، نهايتها مصنوعة من الأستينلس ستيل، وهى ملحومة فى لوح الحديد الصلب المغطى لوعاء المفاعل، عدد قنوات الوقود 1661، وعدد قنوات قضبان التحكم 211. تسد قنوات الوقود بسدادة مانعة للتسرب، هذه السدادات مصنعة بطريقة بسيطة، حيث يمكن فتحها لتغيير الوقود وغلقها بطريقة اتوماتيكية، وماكينة تغيير حزم الوقود مركبة على رافعة متحركة ويتحكم فيها عن بعد. عمود الوقود مصنوع من سبيكة الزركونيوم بها 1% نيوبيوم، والعمود يملأ بالهيليوم تحت ضغط 5 بار وطوله3.65 متر، حزمة الوقود بها 18 عمود وقود فى ترتيب أسطوانى. قضيب التحكم والذى يستخدم فى امتصاص النيوترونات والتحكم فى التفاعلية، مصنوع من البورون كربيد وطوله 6 متر، ومتصل بنهايته قضيب من الجرافيت طوله 4.5 متر يسمى قضيب الإزاحة، وعندما يكون قضيب التحكم خارج قلب المفاعل بالكامل، يكون قضيب الإزاحة فى منتصف قلب المفاعل، وتكون مياه التبريد فى الجزء السفلى 1.25 متر أسفل قضيب الإزاحة، وفى حالة الطوارئ، وعندما يتم ادخال قضبان التحكم بالكامل فى قلب المفاعل، يتم إزاحة المياة من الجزء السفلى فى القناة، وتستبدل بالجرافيت، وهذا غير مرغوب فيه، لأنه يؤدى الى زيادة التفاعلية فى المنطقة السفلى من قلب المفاعل. قضبان التحكم تدخل من أعلى قلب المفاعل، كما يتم إدخال عدد قليل من قضبان قصيرة للتحكم من أسفل قلب المفاعل بهدف تسوية (تسطيح) الطاقة وتوزيع النيترونات على كامل قلب المفاعل. وعاء المفاعل من الحديد الصلب وهو اسطوانى الشكل قطره 14.52 متر وارتفاعه 9.75 متر، وسمك جداره 1.6 سم. المهدئ (الجرافيت) محاط بحوض مياه اسطوانى، سمك جداره 3 سم، وقطره الداخلى 16.6 متر، وقطره الخارجى 19 متر، وهو مقسم الى حجرات رأسية عددها 16 حجرة، المياه تدخل هذه الحجرات من أسفل وتخرج من أعلى، يمكن استخدام هذه المياه للتبريد فى حالة الطوارئ، كما أن وجود حوض المياه ووجود طبقة الرمل مع الخرسانة المسلحة يكونوا دروع بيولوجية . استخدم فى تصنيع عمود الوقود سبيكة الزركونيوم، والزركونيوم عنصر كيميائى عدده الذرى 40، وهو فلز انتقالى قوى وهو مقاوم قوى للتآكل، فهو ينصهر عند درجة حرارة 1855 درجة مئوية، وتضاف اليه معادن أخرى لتكوين سبائك بهدف تحسين خواصه الميكانيكية ومقاومته للتآكل والصدأ، ومقطعه النيوترونى منخفض (مساحة مقطع التفاعل مع النيترونات)، وهو يعتبر الحاجز الأول للأمان لمنع خروج المواد المشعة للبيئة المحيطة. هناك بعض الملاحظات تؤخذ على هذا النوع من المفاعلات RBMK، وهى: التأثير الإيجابى للفقاعات Void على التفاعلية نتيجة تواجدها فى المبرد، فالسماح لوجود غليان لمياه التبريد يزيد من كمية البخار (الفقاعات)، وتقل كمية مياه التبريد، وتزدات كمية النيترونات (التفاعلية)، ويعتبر التأثير الإيجابى عامل خطير فى ديناميكية التحكم والسيطرة على التفاعلية داخل قلب المفاعل. في حادثة تشيرنوبل، كان معامل الفقاعات الإيجابى هو المسيطر على التفاعلية، وأصبح معامل القدرة للمفاعل موجب، فمع زيادة القدرة تزداد كمية البخار (الفقاعات)، وتزداد التفاعلية، فتزداد الحرارة ويزداد البخار ويقل التبريد لقلب المفاعل، مما أدى إلى زيادة سريعة فى قدرة المفاعل حتى وصلت لحوالى 100 مرة أعلى من القدرة المقدرة للمفاعل، وأصبح المفاعل خارج السيطرة. عدم اتزان المفاعل فى حالة تشغيله عند قدرة منخفضة. لا يوجد وعاء احتواء خرسانى آمن، لكن قلب المفاعل موجود فى تجويف من الخرسانة المسلحة، يعمل كدرع للإشعاع، أبعاده 21.6x21.6x25.5متر، وقلب المفاعل مثبت على لوح من الصلب الثقيل، وغطاء قمة المفاعل عبارة عن لوح من الصلب وزنه 1000 طن، ومولدات البخار مخصص لها دروع خرسانة خاصة بها. وعاء الإحتواء الخرسانى والموجود فى المفاعلات الأخرى Containment Building، يحمى الجزيرة النووية (المفاعل النووى وملحقاته) من التهديدات الخارجية (إعصار، عواصف، فيضانات، سونامى، سقوط طائرة، الخ)، وكذا يعمل على إحتواء الحوادث الداخلية (يتحمل الضغط ودرجات الحرارة)، وهو آخر حاجز أمان، حيث يمنع خروج المواد المشعة للبيئة المحيطة. مفاعلات RBMK-1000 فى موقع تشرنوبل يوجد منها عدد 4 مفاعلات، وكانت تواريخ دخولهم الخدمة بالترتيب كالآتى: الوحدة الأولى عام 1975 (وأغلقت عام 1996)، والوحدة الثانية عام 1976 (وأغلقت عام 1991)، والوحدة الثالثة عام 1981 (وأغلقت عام 2000)، والوحدة الرابعة (مفاعل حادثة تشرنوبل) دخلت الخدمة عام 1983 (ودمرت عام 1986)، والمفاعل الخامس كان من المقرر تشغيله فى نفس عام الحادثة وهو عام 1986 وتم الغاء تشغيله، والمفاعل السادس كان فى المراحل النهائية ولم يتم استكمال العمل فيه، نلاحظ أن متوسط فترة التشغيل للمفاعلات الثلاث الأولى كانت 20 سنة. تم بناء عدد 15 مفاعل موديل RBMK-1000، فى كل من روسياوأوكرانيا، وبعد حادثة تشرنوبل تم إيقاف تشغيل عدد 4 مفاعلات فى أوكرانيا (مفاعلات موقع تشرنوبل). يوجد عدد 11 مفاعل موديل RBMK-1000 تعمل حتى الآن فى روسيا، 4 مفاعلات فى سانت بطرسبرغ Saint Petersburg، 3 مفاعلات فى سمولينسك Smolensk، 4 مفاعلات فى كورسك Kursk. تم بناء عدد 2 مفاعل موديل RBMK-1500 فى ليتوانيا، ففى موقع Ignalina، وفى ديسمبر 1983 تم تشغيل مفاعل RBMK-1500، قدرة المفاعل الكهربية 1500 ميجاوات، وظل يعمل 21 عام وتم إغلاقه فى 31 ديسمبر 2004، وفى أغسطس 1987، تم تشغيل مفاعل RBMK-1500 آخر، وظل يعمل 22 عام حيث تم إغلاقه فى 31 ديسمبر 2009. تم إيقاف بناء عدد 5 مفاعلات موديل RBMK-1000، وإيقاف بناء عدد 4 مفاعلات موديل RBMK-1500. فى 26 أبريل 1986، وقعت حادثة مفاعل رقم 4 فى محطة تشرنوبل فى "أوكرانيا"، والمفاعل الذى وقعت به الحادثة النووية، هو من نوع RBMK-1000، ففى يوم 25 أبريل، وقبل إيقاف تشغيل المفاعل (إيقاف تشغيل روتينى)، بدأ الطاقم المفاعل يستعد لاجراء تجربة لتحديد كيفية الإستفادة من دوران التوربينات لحظة إيقاف المفاعل، لتوليد طاقة كهربائية لتشغيل طلمبات التبريد الرئيسية فى حالة انقطاع الإمداد بالطاقة الكهربائية من الشبكة الخارجية، ولحين تشغيل مولدات الديزل (مولدات الطوارئ)، وهذا الاختبار كان قد تم تنفيذه فى العام السابق لكن الطاقة الكهربية المولدة من التربينة انخفضت بشكل سريع، لذا فقد تم تصميم منظم للجهد وكان المطلوب اختباره بهدف نجاح التجربة. الساعة 00:28 ص، يوم 26 أبريل، كان ينبغى أن تستقر قدرة المفاعل عند 700–1000 ميجاوات حرارى قبل الإغلاق، ولكن ربما بسبب خطأ فى التشغيل انخفضت القدرة الى حوالى 30 ميجاوات حرارى، وفشلوا فى رفع قدرة المفاعل للمستوى المطلوب (بسحب العديد من قضبان التحكم) بسبب وجود الزينون Xenon (لأنه شره فى إمتصاصه للنيترونات). الساعة 01:03 ص، استقرت قدرة المفاعل عند حوالى 200 ميجاوات حرارى، وقرروا تنفيذ التجربة عند هذا المستوى من الطاقة. الساعة 01:23:04 ص، قضبان التحكم مسحوبة خارج قلب المفاعل، وظهرت إنذارات تحذيرية من خطورة ذلك، إلا انهم أستمروا فى إجراء التجربة، وأغلق المشغل محابس دخول البخار للتربينة، وأنخفض معدل تدفق مياه التبريد مسببا ارتفاع درجة حرارة قلب المفاعل، والتى أدت الى زيادة الفقاعات Void فى مياه التبريد. الساعة 01:23:43 ص، ارتفعت قدرة المفاعل الى 530 ميجاوات حرارى، واستمرت فى الإرتفاع، وبدأ الإنهيار يصيب عناصر الوقود النووى، وبدأت قنوات الوقود فى الإنهيار، وبدأ الضغط يزداد داخل قلب المفاعل، انفصل لوح الحديد الصلب عن قلب المفاعل، وانخفض الضغط داخل قلب المفاعل الذى أدى الى التبخر السريع لمياه التبريد. حدث انفجارين، الأول نتيجة كمية بخار الماء الكبيرة التى تكونت بسرعة، تلاه بعد 3 ثوان الانفجار الثانى بسبب تولد الهيدروجين الناتج من تفاعل بخار الماء مع الزركونيوم (ينفجر مخلوط الهيدروجين والأكسجين الموجود فى الجو بنسبة 2:1، عندما تصل درجة حرارته 570 درجة مئوية عند الضغط الجوى(، كما شبت عدة حرائق نتيجة احتراق الجرافيت، ونتج عن هذه الإنفجارات تطاير الوقود النووى والمهدئ فى الجو، وذلك لعدم وجود وعاء خرسانى حاوى Containment Building. بعد حادثة تشرنوبل، اتخذت عدة تدابير لتحسين سلامة تشغيل محطات RBMK، وقد شملت الآتى: تخفيض معامل الفقاعات Void على التفاعلية، عن طريق: 1. تركيب من 80-90 ماص للنيترونات absorbers إضافية ثابتة فى قلب المفاعل لمنع تشغيله عند قدرة منخفضة (لابد فى المقابل زيادة نسبة التخصيب لليورانيوم). 2. زيادة عدد قضبان التحكم المطلوب تواجدها فى قلب المفاعل (أثناء حالة التشغيل المستقر للمفاعل) من 26-30 إلى 43-48. 3. زيادة نسبة تخصيب الوقود (اليورانيوم) من 2% إلى 2.4%. تحسين كفاءة الاستجابة لنظام الوقاية فى حالات الطوارئ، من خلال: 1. تحديث تصميم قضيب التحكم، بحيث تمنع دخول مياه فى الجزء السفلى من القناة، أسفل قضيب الأزاحة، عندما يكون قضيب التحكم خارج قلب المفاعل بالكامل. 2. تقليل زمن الإدخال لقضبان الإغلاق فى حالة الطوارئ Scram Rods من 18 ثانية (معدل 0.4 متر فى الثانية) الى 12 ثانية (معدل 0.27 متر فى الثانية). 3. تركيب نظام حماية سريع الإستجابة للعمل فى حالات الطوارئ، بحيث يمكن إدخال 24 من قضبان التحكم الوقائية فى قلب المفاعل خلال 2.5 ثانية. إدخال برامج حسابية فى غرفة التحكم، لبيان عدد قضبان التحكم المطلوب تواجدها فى قلب المفاعل، والتى تحدد حدود التفاعلية reactivity margin أثناء التشغيل. وسائل حماية لعدم إلغاء أنظمة آمان الطوارئ اثناء تشغيل المفاعل. ضمانات لتشغيل المفاعل عند وضع يكون عنده ماء التبريد على مدخل قلب المفاعل فى حالة تبريد دونى subcooling، وذلك للبعد عن نقطة DNB عند مدخل قلب المفاعل (DNB النقطة التى عندها انتقال الحرارة من سطح عمود الوقود يتناقص بسرعة جدا، بسبب الطبقة العازلة التى تتكون على سطح عمود الوقود من بخار الماء). استبدال أجهزة الكمبيوتر بأجهزة أخرى متطورة. والى أن نلتقى فى الجزء الثالث، اترككم فى رعاية الله.