ممرات طولية فى باطن الأرض، و«كبارى» علوية ترتفع وسط الشوارع، بعضها يأخذ شكلاً دائرياً والآخر مستطيلاً، تبدأ وتنتهى بدرجات سلالم متعددة، خرسانية أو معدنية، يتحدد مستوى انخفاض الممرات بما تحمله الأرض فوقها من ثقل ومبانٍ، فيما ترتفع الكبارى تبعاً لطبيعة الطريق، والسيارات التى اعتادت أن تمر منه، جميعها خصصت الدولة ملايين الجنيهات لإنشائها وصيانتها، بهدف تسهيل حركة المواطنين، فتحولت إلى مستقر للباعة الجائلين الذين يزاحمون المارة فى طرقاتها، ومقالب للزبالة، وتسربات المياه الجوفية، والأخطر هو تحول بعضها إلى أوكار للخارجين على القانون ولصوص «نص الليل»، فيما أُغلق بعضها ل«دواعٍ أمنية». «الوطن» رصدت حالة الكبارى والأنفاق بميادين وشوارع القاهرة الكبرى، تلك الحالة التى تعكس إهمال المسئولين، وتزيد من معاناة المشاة الذين تحول مرورهم بتلك الكبارى والأنفاق إلى رحلة ذل يومية. نفقان صغيران أسفل ميدان الأوبرا بوسط القاهرة، يربطان طرفى الميدان، أحدهما يربط وسط الميدان بشارعى الجمهورية وعدلى، بينما الآخر مخصص لعبور المشاة من وسط الميدان إلى الجهة الأخرى، التى يرقد على ناصيتها سوق الكهرباء وامتداد شارع الجمهورية من ناحية عابدين. افتتُح نفقا الأوبرا عام 2006 بطول 90 متراً، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تستخدم محافظة القاهرة السلالم الكهربائية داخل أنفاق المشاة، بهدف تسهيل حركة المواطنين وتشجيعهم على استخدام النفق، ما يساهم فى تيسير حركة مرور السيارات داخل الميدان، لكن ما حدث على أرض الواقع يختلف عن الهدف الذى أنشئ من أجله. «مهجور»، كلمة لخص بها أحد أفراد الأمن القابعين على مدخل النفق أمام سوق الكهرباء حال النفق، قائلاً «النفق نظيف باستمرار والنزول إليه أو الخروج منه بالسلالم الكهربائية، لكن الناس «بتستسهل» المشى من فوق بدل ما تنزل النفق، خصوصاً أن حركة السيارات داخل الميدان بطيئة جداً، بسبب إشارات المرور وتقاطعات الطرق على أطراف الميدان». بينما يرى الشافعى منصور، أحد العاملين بشارع عبدالعزيز، مشكلة نفقى الأوبرا فى أنهما «كثيراً ما يكونان مغلقين خاصة فى أيام الإجازات أو بسبب غياب أفراد الأمن، وإذا فتحت الأنفاق أبوابها لا يتم تشغيل السلالم الكهربائية فى معظم الأوقات». نفقا الأوبرا يتميزان عن غيرهما من أنفاق المشاة فى محافظة القاهرة بأنهما الوحيدان فى العاصمة اللذان توجد بهما شركة أمن خاصة، حيث يخصص لكل مدخل فرد أمن بهدف تأمين المكان وعدم تعرض شبكة الإنارة لسرقة ومنع الباعة الجائلين من الاستيلاء على الممرات. من جانبه، يؤكد أحد الباعة الجائلين أن عدم عرض بضاعتهم داخل النفق يرجع إلى قلة عبور الناس منه وليس بسبب وجود أفراد الأمن «وإلا ما كنا عرضنا بضاعتنا داخل محطات مترو الأنفاق التى يوجد بها أمن طول الوقت». من جهته، محمود فتحى، شاب فى العقد الثالث من العمر، يرى أن نفق المشاة هنا يعتبر من أفضل الأنفاق الموجودة فى القاهرة من حيث النظافة والوجود الأمنى، لكن تصميمه كان خطأ من البداية، قائلاً «علشان أوصل آخر الميدان من الناحية التانية لازم أنزل النفق الأول وأطلع وأنزل النفق التانى وأطلع، رغم أن المسافة بينها مش بعيدة وكان من الأولى أن يكون لكل نفق أكثر من مدخل، خصوصاً أن المسافة بينها لا تتجاوز ال20 متراً هى المساحة المتبقية من صينية الميدان». أروقة ميدان الأوبرا تشهد زحاماً شديداً بين المارة والباعة الجائلين وسيارات الموقف العشوائى فوق سطح الأرض، بينما أسفل الميدان، حيث نفق المشاة هدوء لا يقطعه سوى قليل من المارة بين الحين والآخر وحديث اثنين من رجال الأمن بزيهما المدنى المميز. ولكن الصورة تختلف تماماً فى نفق ميدان الجيزة، حيث يسود الزحام فوق وتحت الميدان، ويتناثر المارة فى ممرات النفق وفى أروقته وسط حصار الباعة الجائلين الذين يسيطرون على مساحات محددة على مداخل النفق. وقبل نهاية عام 2011، افتتحت المحافظة نفقاً للمشاة أسفل ميدان الجيزة، تم إنشاؤه ضمن عملية التطوير التى شهدها الميدان، بتكلفة قدرتها المحافظة ب119 مليون جنيه وقتها، خُصصت 90 مليوناً منها لإنشاء نفق المشاة، بهدف نقل حركة المشاة من سطح الميدان إلى أسفله، حيث يربط النفق، حديث النشأة، جميع مداخل ومخارج الشوارع المتفرعة من الميدان ليصبح النفق الأول بالجيزة الذى تُستخدم فيه السلالم الكهربائية، والثانى فى القاهرة الكبرى بعد نفقى الأوبرا. وفى ظل الانفلات الأمنى الذى صاحب ثورة 25 يناير، تمكن الباعة الجائلون من السيطرة على النفق، كما يروى أندريا سعد، الذى يعمل فى أحد البنوك الخاصة بشارع مراد، لينتقل التكدس والزحام إلى داخل ممرات النفق أسفل الميدان، موضحاً أن «الوضع استمر هكذا على مدار ال3 أعوام الماضية، ما بين غلق النفق تماماً من قبل حى جنوبالجيزة أو سيطرة الباعة الجائلين عليه تماماً». يأتى ذلك على الرغم من إعلان الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة، منتصف شهر مارس الماضى، عن أنه تم إصلاح السلالم الكهربائية وإعادة تشغيلها يومياً من السابعة صباحاً وحتى الثانية عشرة بعد منتصف الليل، بالإضافة إلى غلق الفتحات الموجودة فى الأسوار الحديدية التى تحدد اتجاهات السير فى أروقة الميدان، وهو ما نفاه السكان تماماً. تقول نادية أبوالوفا، مقيمة بشارع مراد «إن المشكلة الآن هى تعطل السلالم الكهربائية، خاصة فى مدخلى شارع مراد ومسجد الاستقامة، حيث إنها معطلة باستمرار».