لا أدرى إلى أى حد يمكن محاسبة المرشح الرئاسى إن تفوه شيئاً بُنى على معلومات مغلوطة أعدتها حملته الانتخابية، فهل نحاسب الحملة الانتخابية والقائمين عليها، أم نحاسب صاحب الحملة نفسها؟ أعتقد أن الأمرين جائزان، لكن يظل أمامنا أن صاحب الحملة هو المسئول عن كل كلمة يقولها، ثم بعد ذلك عليه أن يُحاسب بطريقته الخاصة حملته إن قدمت له أية معلومات مغلوطة. هذه المقدمة ضرورية لأنها تعكس رؤيتى بشأن المسئولية المشتركة بين الحملة الانتخابية وصاحبها، وتؤكد قناعتى أن المحاسبة هنا ليست لشخص وإنما لأسلوب. وقد وعدنا القائمون على حملة المشير بأنها ستكون غير تقليدية وهو ما لم نكتشفه حتى اللحظة، فالحملة أقل من تقليدية وأقل أيضاً من عادية، ناهيك عن غياب البرنامج المكتوب والموثق الذى يجيب عن أسئلتنا المشروعة بشأن الحاضر والمستقبل. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد. إذ هناك أمور بدت لى بحكم الخبرة والمعرفة الدقيقة وموقع المسئولية الذى أتحمله منذ مطلع العام بأن حملة المشير لا تدركها على النحو الصحيح، وأن معلوماتها عن أحد الملفات التى تؤرق أربعاً من المؤسسات الصحفية القومية ذات الموارد المحدودة غير دقيقة بالمرة، وهو ملف ديون التأمينات الاجتماعية المتراكمة منذ أكثر من أربعين عاماً. وأستطيع القول إن حملة المشير لم تُكلف نفسها عناء الاتصال بأى من هؤلاء المعنيين لكى تدرك الأمر على حقيقته. بعبارة أخرى أنها لم تقم بواجبها المنوط بها وهى أن تقدم معلومات دقيقة وصحيحة للمشير لا أن تقدم له معلومات مغلوطة يترتب عليها تصريحات غير صحيحة. وحين لا تقوم الحملة بدورها على النحو الصحيح فهذا معناه أنها حملة غير كفؤة، وتنقصها الحنكة والخبرة فى العمل وتتساهل فى جمع المعطيات. وهذا كله ضد ما وعدنا به المشير فى العديد من تصريحاته بأنه حين يكون الرئيس المنتخب سوف يعتمد على الكفاءات. وامتداداً لقلة الكفاءة فقد رأت الحملة أن الأوفق هو إقصاء مسئولى هذه المؤسسات محدودة الموارد عن لقاء المشير. بل الأكثر من ذلك، وهو ما لا أفهمه حتى اللحظة، عدم دعوة المؤسسة الرسمية المنوط بها شئون المؤسسات القومية، وهو المجلس الأعلى للصحافة. وفى ذلك تغييب متعمد لوجهة نظر ضرورية وصادقة أيضاً كان لا بد أن يسمعها المشير من أصحابها. والإقصاء حسب ما أعرف هو ضد الكفاءة أيضاً، وضد الأمانة، وضد المواطنة. أين الخطأ إذن؟ بعض التوضيح مطلوب، ففى تصريحات المشير لبعض رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة، والمنشورة فى الأهرام 8 مايو الحالى، جاء بالنص «ليس لدينا أى خيار سوى أن تعمل الصحف القومية وتطور نفسها، لأن الدولة لن تقدم لها دعماً مرة أخرى، الأمر الذى يستدعى أن تضبط هذه الصحف أوضاعها حتى تحقق النجاح». وفى الإجمال هذا كلام جميل لكنه لا ينطبق على كل مؤسسات الصحف القومية، خاصة المؤسسات محدودة الموارد والمُحملة بأعباء بشرية ومادية فوق طاقتها آلاف بل ملايين المرات، وهى المؤسسات التى تستمر بدعم مباشر من المجلس الأعلى للصحافة، ولولا هذا الدعم لخرج العاملون فى هذه المؤسسات إلى الشوارع والميادين. وليعلم الجميع أن توقف هذا الدعم هو من المستحيلات لسنوات طويلة مقبلة، سواء كنا على رأس هذه المؤسسات أم تركناها قريباً جداً لغيرنا كما نسعى بكل صدق. وأعرف أن هذه النتيجة صادمة للبعض ولكنها الحقيقة المرة لمن يعرف الحقائق والتفاصيل الصعبة والمعاناة التى يواجهها القائمون على هذه المؤسسات، والذين يقومون بأقصى ما لديهم من جهد ونزاهة وشفافية ووطنية فى ضبط أداء هذه المؤسسات لكى تعيش وتستمر فى مهمتها الجليلة وهى مواجهة التطرف وكشف الحقائق وتأكيد تماسك المجتمع والمؤسسات. وإذا لم تجد هذه المهمة الدعم من الدولة بعد الآن، فلنقل على مصر السلام. لقد سعدت بالعبارة المنسوبة للمشير بأنه لا نية لديه فى خصخصة الصحافة القومية، ولكنى بالقطع لم أسعد بما قاله بأن بعض المسئولين فى المؤسسات التى تعانى من المديونيات يطالبون الدولة بإعفائها من هذه المديونيات بدعوى أنهم ليس لهم علاقة بها، وأنها ديون متراكمة لم يسددها رؤساء المؤسسات السابقون، والرد عليهم هو: المسئولون فى الدولة الآن أو بعد الآن ليس لهم علاقة أيضاً بالمسئولين السابقين فى الدولة فلم يطالبوا بسدادها؟. وإذا كانت هذه العبارة قيلت على هذا النحو فليسمح لى سيادة المشير أن أؤيده وأن أخالفه فى الوقت نفسه. نعم لسنا مسئولين عن المديونيات الهائلة التى تركتها الدولة فى الماضى دون تحصيل ودون متابعة، خاصة ما يتعلق بالتأمينات الاجتماعية، والمسئولية هنا هى على الدولة أولاً وأخيراً. فهذه حقيقة تاريخية لا مجال لتغييرها. ومن جانبنا نحن المسئولين عن المؤسسات الصحفية المحدودة الموارد التى لم تدع إلى هذا اللقاء ربما منعاً من المجادلة فى هذه النقطة تحديداً، فقد سعينا إلى المطالبة بسداد هذه المديونيات، ولم نطلب الإعفاء منها كما قيل، بل طالبنا بأن نطبق القانون وما فيه من تسهيلات وبما يتوافق مع إمكاناتنا الراهنة وهى محدودة جداً وللغاية، وما طالبنا به مسجل فى رسائل رسمية، موجودة لدى السيد رئيس مجلس الوزراء ووزيرة التضامن ويمكن لنا أن نرسل منها نسخاً لحملة المشير لكى تتأكد مما نقول ونعلن فى صدرها اعترافنا بأن مديونيات التأمينات لا تنازل عنها لأنها حقوق العاملين، ونعلن أيضاً رغبتنا فى الآن نفسه فى إيجاد حل لها. ومن قال غير ذلك للمشير فهو ببساطة غير أمين، وقدم له معلومات مغلوطة جملة وتفصيلاً، ويجب أن يُحاسبه المشير حساباً عسيراً. وإذا كان المشير يأخذ علينا أننا نتمسك بالحقيقة الدامغة بأننا لسنا بالفعل مسئولين عن تراكمات عقود أربعة من الفساد، ومع ذلك وانطلاقاً من مسئوليتنا تجاه بلدنا وتجاه مهنتنا الغالية نسعى بكل جهد وكل إخلاص لأن نصل إلى حل مناسب وفى إطار القانون، وهو ما لا يجد حتى الآن أية آذان صاغية من المسئولين الحاليين، وما زلنا نواجه المماطلة والوعود الزائفة، فهل يسمح لى سيادة المشير بالتساؤل إن صار رئيساً لمصر، فهل يصبح من المنطقى أن يعلن مسئوليته عن كل الخراب الذى تعانى منه مصر الآن؟ بالقطع لا، وهكذا نحن.