كثيراً ما يشار إلى بولندا كمثال ناجح للتحول الديمقراطى والتخلص من سيطرة الحزب الشيوعى فى أنظمة أوروبا الشرقية، وقد يكون من المفيد استعراض التجربة البولندية، وكيف استطاعت النخب السياسية إدارة المرحلة الانتقالية، والإشارة إلى أهم المشكلات التى واجهتها وكيفية حلها وصولاً إلى كتابة دستور ديمقراطى. التحول من نظام سلطوى إلى نظام ديمقراطى (1989- 1991).. اتخذت الثورة البولندية مساراً سلمياً من خلال تفاوض قوى المعارضة ممثلة فى حركة التضامن بقيادة (ليخ ويلسا)، مع الحكومة ممثلة فى الحزب الشيوعى، وهو ما عرف بمفاوضات «المائدة المستديرة» فى عام 1989، التى نتج عنها التوصل إلى اتفاق يقضى بحصول الحزب الشيوعى على ثلثى مقاعد مجلس النواب، والثلث المتبقى يكون بالانتخابات، وكذلك إنشاء مجلس الشيوخ على أن تنتخب جميع مقاعده المائة، علاوة على إجراء تعديلات على دستور 1952. وفى يونيو 1989 أجريت الانتخابات البرلمانية واكتسحت حركة التضامن تلك الانتخابات فحصدوا 160 مقعداً من أصل 161 كانت متاحة لهم فى مجلس النواب، وعلى 92 مقعداً من أصل 100 مقعد فى مجلس الشيوخ، وبنهاية 1989 تولى أحد قيادات حركة التضامن رئاسة الوزراء، ثم تولى ويلسا رئاسة الجمهورية فى أواخر 1991 وسقط الحزب الشيوعى، وظهرت الحاجة لكتابة دستور جديد ليتناسب مع طبيعة النظام الوليد. الدستور فى المرحلة الانتقالية: (1991-1997).. قام كل من مجلسى الشيوخ والنواب بتعيين لجنتين لصياغة الدستور الجديد، والاستعانة بخبراء فى مختلف المجالات من بولندا وخارجها. أدى وجود لجنتين إلى حدوث صراع بينهما، وقيام كل لجنة بتقديم مشروع دستور، بالإضافة إلى قيام بعض السياسيين والأحزاب بتقديم مشاريع دساتير خاصة بهم، مما أدى إلى حدوث زخم دستورى قاد إلى عدم الاتفاق حول مشروع دستورى موحد. الدستور الصغير.. . بنهاية 1991 تم انتخاب برلمان جديد، شهد هذا البرلمان وجود عشرين حزباً، مما عكس قدراً من التشرذم السياسى الأمر الذى لم يعتبره البعض مؤشراً للتفاؤل حول عملية كتابة الدستور. وفى أكتوبر 1992، أدركت كافة القوى السياسية أنه لا بد من التخلص من كافة الصراعات السياسية وكتابة دستور جديد، وتم التوصل إلى حل وسط وصياغة ما يسمى ب«الدستور الصغير»، عن طريق القيام بتعديلات جديدة على دستور 1952 كمحاولة لإدارة المرحلة الانتقالية. شكّل هذا الدستور الإطار القانونى للدولة ما بين 1992 وحتى 1997، وكانت الفكرة منه المضى قدماً فى التحول الديمقراطى مع إيجاد إطار قانونى ينظم العلاقة بين السلطات حتى كتابة دستور جديد. تكوين اللجنة الدستورية.. . فى بداية 1994 تم تكوين لجنة دستورية مؤلفة من 46 عضواً من مجلس الشيوخ، وعشرة أعضاء من مجلس النواب(10% من البرلمان، يتم انتخابهم فى كل مجلس على حدة)، بالإضافة إلى ممثلين عن الرئيس، والحكومة، والمحكمة الدستورية، ولكن ليس لهم حق التصويت. على أن تُقدم مسودة مشروع الدستور خلال 6 أشهر من بدء اللجنة عملها، ويقدم مشروع الدستور إلى الجمعية الوطنية (المكونة من مجلسى الشيوخ والنواب بالبرلمان بالإضافة إلى الرئيس)، ويلزم التصويت على المشروع بأغلبية الثلثين وبحضور50% على الأقل من أعضاء البرلمان، ويحق لرئيس الجمهورية خلال 60 يوماً إضافة تعديلات ثم إعادته للجنة للنظر فيها، وتقدمه اللجنة للجمعية الوطنية مرة أخرى للتصويت عليه فى صورته النهائية. وفى يونيو 1996 تم طرح الدستور للاستفتاء العام، وتمت الموافقة عليه بنسبة 52٫7%.