الواضح من أزمة منع رئيس الوزراء «إبراهيم محلب» لعرض فيلم «حلاوة روح»، أن الدولة تلعب على أرضية المتطرفين، وأنها قررت أن تزايد على تيار الإسلام السياسى وتحاول أن تثبت أنها دولة «متدينة» ولو بقرار «تافه»!! أنا مع حرية الإبداع قلباً وقالباً، وأرفض الوصاية على الشعب بزعم حماية الأخلاق والفضيلة، أو حماية الأطفال من العنف والرذيلة. لكن الغريب هو تلك الازدواجية فى النظر للفضيلة والأخلاق، فحكومة «محلب» تحارب الرذيلة «المفترضة» على الشاشة ولا تحارب ظاهرة أطفال الشوارع ونساء الشوارع والتسول والعشوائيات على أرض الواقع. تنتفض الحكومة لمنع فيلم، ولا تتحرك لحل أزمة انقطاع الكهرباء، ولا تستجيب لصرخات الناس من الغلاء.. بل تستثمر انشغال الإعلام بفيلم حقير وترفع أسعار الغاز الطبيعى على المواطنين الغلابة! فيلم «حلاوة روح»، بطولة الفنانة اللبنانية «هيفاء وهبى»، وإنتاج «محمد السبكى» -من وجهة نظرى- ما هو إلا فيلم لجزار يستثمر فيه «لحم رخيص»، ليقدم «بورنو» على هيئة فيلم.. وهو لا يستحق الدفاع عنه؛ لأنه ليس إبداعاً أصلاً.. لكن تجاوز رئيس الحكومة لكيان الرقابة على المصنفات الفنية، وضغطه على وزير الثقافة، الدكتور محمد صابر عرب، ليصدر القرار الوزارى رقم 286 لسنة 2014، بسحب ترخيص فيلم «حلاوة روح» من أجل تحقيق فرقعة إعلامية.. جعلنا جميعاً «مضطرين» للدفاع عن الفيلم حماية لمنظمة حرية الإبداع نفسها.. وحتى لا يصبح المنع سلاحاً مشهراً فى وجه المبدع الحقيقى. المادة «67» من الدستور تنص على أن: (حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك. ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة).. ورغم ذلك تم منع فيلم «نوح» من العرض؛ لأن «الأزهر الشريف يحظر ظهور الأنبياء على الشاشة».. إذن فالأزهر ومجلس الوزراء أقوى من الدستور.. وهى هيئات لا علاقة لها بالإبداع. ورغم تعنت السلطتين: السياسية والدينية، ووضع متاريس قانونية لعدم تحطيم تابوهات «الجنس والدين والسياسة»، فإن هذه السلطات التى تتخبط سمحت بعرض فيلم «آلام المسيح» وكأن لدى الأزهر مواصفات خاصة لتجسيد كل نبى. نفس الدولة حامية الدين والفضيلة سمحت بعرض فيلم «أسرار عائلية» لهانى فوزى، الذى يتناول علاقات المثليين.. كما وافقت الرقابة مؤخراً على عرض فيلم «ملحد» ل«نادر سيف الدين»، تحت لافتة: «للكبار فقط».. التى يتحايل عليها الجميع. لقد استقال «أحمد عواض»، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، على الهواء فى برنامج «أنت حر»، الذى يقدمه الدكتور «مدحت العدل» على قناة cbctwo، وهو أبلغ رد على طغيان رئيس الحكومة على الدستور.. رغم أن «محلب» حاول تجميل قراره باجتماع مع عدد من الفنانين ليبرر فعلته. هذا الشعب ليس ساذجاً لينخرط فى «حلقة الزار» التى أقامتها القنوات الفضائية ويغيب عن واقعه، ومهما حاولتم الاحتيال عليه وإلهاءه بفيلم «بورنو» أو انتفاضة أخلاقية مفتعلة فلن يقبل وصاية من أحد على تفكيره ولن يستسلم لحقه فى المعرفة.. حتى لو كان يتعرف على ما سميتموه الفاحشة والرذيلة.. لسبب بسيط لأنه متعايش مع الفواحش على أرض الواقع.. ولأنه لا يقبل تسييس الفضيلة!!