استكمالاً للمقال السابق عن الفساد وأموالنا فى الخارج الذى أوضحت فيه أن اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد قد نظمت كيفية استرداد الأموال المنهوبة، وحددت آليات الاسترداد وخطواته، وطالبت الحكومة الحالية بأن تفصح عن الإجراءات التى تم اتخاذها فى هذا الأمر والنتائج التى تم التوصل إليها، فإننا نستعرض فى هذا المقال الأموال المنهوبة من الشعب فى الداخل والتى يتعين اتخاذ إجراءات بشأن استردادها، وهذه الأموال يمكن حصر معظمها فى ثلاثة بنود رئيسية. أولاً: أموال التأمينات الاجتماعية، ووفقاً لما قررته الدكتورة ميرفت التلاوى، وزير الشئون الاجتماعية الأسبق، فى أحدث تصريح لها مع الإعلامى عمرو الليثى أن هذه الأموال بلغت 435 مليار جنيه.. نعم.. أربعمائة وخمسة وثلاثين مليار جنيه؛ هى أموال خاصة لا تملكها الدولة، وتجمعت من اشتراكات العاملين فى القطاع العام والخاص على مدى سنوات، وهذه الأموال لا يعرف أحد أين ذهبت بعد أن تم إلغاء وزارة الشئون الاجتماعية وضمها إلى وزارة المالية فى عهد الوزير الأسبق يوسف بطرس غالى. والمريب أنه لا أحد يعرف مصير هذه المليارات، هل هُربت للخارج، هل تم إنفاقها أو تبديدها؟ والغريب أن هذا السؤال لم نجد له إجابة حتى الآن، وعلى السيد وزير المالية الحالى أن يوضح للرأى العام مصير هذه المليارات، خاصة أنه كان مديراً للمكتب الفنى للوزير الأسبق الذى تم فى عهده اختفاء هذه الأموال الضخمة التى تكفل حل جميع مشاكل مصر. ثانياً: أراضى مصر المنهوبة، وهى بآلاف الأفدنة، تم توزيعها على محاسيب النظام السابق. ويكفى للتدليل على هذا النهب المنظم ما تضمنه بلاغ 47 نائباً من مجلس الشعب للنائب العام منذ عام 2009 ضد وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، ولم يتم حسم التحقيق حتى اليوم، وقد تضمن البلاغ بياناً تفصيلياً بالأراضى التى نُهبت وتم توزيعها على شركات مقاولات وأفراد. ونكتفى للتدليل على فُحش هذه الجرائم بأن نورد مثالاً واحداً، وهو حصول إحدى الشركات العائلية، وهى شركة المهندسون المصريون، على مساحة 647 فدان أرض للبناء ثم تخصيص 570 فداناً منها فى يوم واحد، وهو 27/7/1994، إضافة إلى ملايين الأمتار التى تم توزيعها على شركات مكسيم للاستثمار العقارى (المقاول وجدى كرارة) والشركة المتحدة للاستثمارات العقارية (عماد الحاذق) والشركة الهندسية للمشروعات العمرانية (حسن درة) وغيرهم. والغريب أن يُقدّم الوزير الأسبق لمحكمة الجنايات بتهمة توزيع فيلات وأراضٍ لعائلته وحُكم عليه بثلاث سنوات ولا يُقدّم للمحاكمة فى نهب ملايين الأمتار وتوزيعها بدون أى معايير أو ضوابط إلا معيار الفساد والهوى، والسؤال للسيد النائب العام: لماذا لم يتم التصرف فى هذا الجزء الأكبر من البلاغ؟ وهل من إجراءات سيتم اتخاذها لاسترداد هذه الأراضى أو احتساب قيمتها بالقيمة العادلة؟ ثالثاً: قروض البنوك التى تم نهبها بمعرفة شركات وأفراد من البنوك المصرية، وهى تقدر بالمليارات، ويكفى مثالاً لذلك أن شركة واحدة -هى شركة المهندسون المصريون- قد حصلت على قرض بمليار وستمائة مليون جنيه من البنك العقارى بضمان الأراضى التى خُصصت لها ولم تدفع ثمنها. والسؤال: هل لو استردت الدولة أموالها المنهوبة فى الخارج وفى الداخل سنكون بحاجة لأن نمد يدنا لنتسول قروضاً من البنك الدولى مع ما يحمله ذلك من مخاطر الديْن على مستقبل الأجيال القادمة؟ والسؤال الآخر: هل قمنا بواجبنا لاسترداد هذه المليارات المنهوبة فى الخارج والداخل وفشلنا فى ذلك؟ الحقيقة أننا لم نقم بواجبنا الذى يمليه علينا إخلاصنا للشعب وللوطن واستسهلنا الاقتراض من الخارج على حساب قرارنا السياسى وعلى حساب أجيالنا القادمة.