من الأمور التى تستدعى اهتماماً خاصاً تلك المعلومات التى تكشف عنها طبيعة الأفراد الذين سقطوا فى أيدى الشرطة المصرية ويشكلون الخلايا الإرهابية الإخوانية، فمنهم الأطباء والصيادلة وطلاب الأزهر وكليات علوم الدين والهندسة وأصحاب الأعمال خاصة فى مجالى المقاولات والحاسبات الآلية، ومعهم آخرون من القوادين والخارجين على القانون «بلطجية» وموظفين فى الحكومة، فضلاً عن عناصر غير مصرية تندرج تحت مسمى المرتزقة الإرهابية، وبما يؤكد ارتباط جماعة الإخوان الإرهابية عضوياً وتدريبياً ولوجستياً بالتنظيمات الإرهابية عابرة الحدود كالقاعدة وتوابعها. ويؤكد أيضاً أن هذه الجماعة هى الأم الرؤوم وهى المنبع الرئيسى لكل جماعات العنف والخراب فى العالم بأسره. ومن الصور المنشورة يتضح أن الكثير من هؤلاء ما بين العشرينات من العمر إلى منتصف الأربعينات وهم منتشرون فى المدن والريف على السواء، وقليل منهم ينحدر إلى الصعيد، والأكثرية تأتى من محافظاتالشرقية والدقهلية والمنوفية والجيزة. أما الطلاب الإرهابيون فى الجامعات المختلفة فيبدون وكأنهم متدربون ومحترفون لكل أنواع التخريب والتدمير والسلوك السيئ الخالى من القيم والأخلاق. ووراء ذلك تنظيم سرى ما زالت قنواته تعمل بكفاءة نسبية وتمويل لم ينقطع وتعليمات منتظمة. وهى توليفة جديرة بالتأمل والتحليل يمكنها أن تقدم لنا كمجتمع وكمؤسسات السبل الواجبة للمواجهة الشاملة التى لم يعد منها مفر. المواجهة الشاملة المطلوبة تتضمن أربعة مسارات، أولها فكرى، وثانيها أمنى وثالثها قانونى تشريعى، ورابعها اقتصادى اجتماعى. وفى تصورى أنه دون هذه المسارات مجتمعة ووفق نسق تكاملى ومصحوبة بأعلى درجات الوعى المجتمعى بخطورة اللحظة الراهنة وخطورة المواجهة مع الإرهاب الإخوانى والتكفيرى، سوف يكون هناك قصور يؤدى بدوره إلى إطالة أمد المواجهة وبالتالى زيادة الثمن الذى تدفعه الدولة المصرية. ورغم ذلك وبأعلى درجة من اليقين أستطيع التأكيد أن الدولة فى مصر لن تسقط كما يحلم الإرهابيون الإخوان، وأنه مهما كانت هناك مشكلات أو ثغرات فى أداء بعض المؤسسات الرئيسية، فإن قوام الدولة المصرية قادر على الصمود وقادر أيضاً على تحقيق الانتصار. وكلما كان لدينا وعى جمعى بطبيعة المواجهة ومتطلباتها وشروطها، أسرعنا فى تحقيق الانتصار. وهنا نداء للقائمين على الإعلام المصرى بكل صنوفه، أن يكونوا أداة لبث الوعى والصمود فى نفوس كل المصريين، دون مبالغة أو إثارة غير مبررة. فدون تعاونهم ووعيهم بالأولويات والحقائق، تصبح مهمة مؤسسات الدولة أكثر من صعبة. القضية إذن مرهونة بدرجة الوعى بطبيعة الحرب التى يشنها الإخوان وحلفاؤهم وعناصرهم العميلة فى الداخل والخارج على الدولة المصرية بمؤسساتها وشعبها. وربما قبل أشهر قليلة كانت التحذيرات التى أطلقها كثيرون ومن بينهم كاتب هذا المقال بأن التأخر فى المواجهة الشاملة لهذه الجماعة سيكون له آثار سلبية عديدة، لم تكن تجد الآذان الصاغية. وأعتقد أن الأحداث المتواترة فى الشهرين الماضيين وتجسدت للمرة العشرين فى حادث منطقة مسطرد، حيث اغتال إرهابيون جنوداً أثناء تأديتهم الواجب الوطنى، أكدت أن مصر تعيش فى حالة حرب بكل معنى الكلمة، وفى الحروب إما تكون المواجهة لغرض الانتصار أو قبول الهزيمة والانكسار. الحرب التى تعيشها مصر الآن ليست حرباً تقليدية حيث تتواجه الجيوش النظامية فى ميادين القتال فيما يعرف بالحروب النظامية مركزية التخطيط والتنفيذ. وإنما حرب لا متماثلة تعرف فى الأدبيات العسكرية والاستراتيجية بحروب الجيل الرابع، والتى تعنى باختصار الحرب التى تشنها جماعات إرهابية وعصابات ووراءها أجهزة مخابرات بهدف إنهاك الدولة وإفشال مؤسساتها ومن ثم تركيعها لتصبح بمثابة العجين الطيع فى يد القوة المهاجمة. وفى هذه الحرب فكل شىء مباح بداية من ترويع المواطنين وشن الحروب النفسية والحملات الدعائية لبث الخوف والرعب وتقسيم المجتمع وتفتيت فئاته وتشتيت جهوده والدفع به لمحاربة بعضه بعضاً. وفى السياق ذاته استهداف القوى والأجهزة الأمنية والشرطية والدفاعية بشكل خاص، من خلال قتل الجنود والضباط وترويع أسرهم، والاعتداء على المراكز الشرطية والعسكرية بما يؤدى إلى شعور مجتمعى عام بالضعف وعدم القدرة على مواجهة تلك الجماعات ومن ثم قبول شروطهم والخضوع لمطالبهم. فى هذه الحروب غير المتماثلة يصبح الإرهاب هو الأداة المفضلة لتلك الجماعات، وتصبح إراقة الدماء البريئة الذكية سلوكاً مطلوباً فى ذاته لإحداث التفتيت المتتالى فى جدران المجتمع، وتصبح التكتيكات المستخدمة أقرب إلى حرب العصابات، كما تصبح الدعاية السوداء عبر شبكات التواصل الاجتماعى هى الأداة المكملة لإحداث الأثر النفسى المطلوب. وإذا تأملنا حولنا سنجد أن هذه المفردات بمثابة واقع معاش، نصحو على بعضه صباحاً، ونمسى على بعضه الآخر مساء. ومما يلفت النظر هنا أن حجم التجرؤ لرموز الجماعة الإرهابية على الشعب المصرى كله بات فى عنان السماء، والتهديدات بالدماء والخراب باتت شيئاً طبيعياً فى قولهم وفى سلوكهم، وإنذار الشعب والشرطة باستخدام السلاح أصبح علنياً وبلا حياء أو وجل من المحاسبة. وبما يعكس أحد أمرين؛ إما تعبيراً عن ثقة مفرطة فى النفس وفى حجم التأييد الذى يحصلون عليه من الخارج ومن ثم ثقة فى الانتصار على الدولة المصرية وإنزال العقاب بالشعب قريباً كما يتوهمون، وإما محاولة يائسة لتصوير الأمر وكأن الجماعة وتوابعها ما زالوا قادرين على البقاء كقوة سياسية مؤثرة ويجب التفاوض معها. وأياً كانت الحقيقة فنحن فى خضم حرب تسعى الإخوان الإرهابية إلى جعلها حرباً صفرية، فإما الجماعة وإما الدولة المصرية نفسها. وبالقطع سوف تنتصر الدولة بلا منازع بإذن الله تعالى. وأياً كانت التضحيات والدماء البريئة التى سالت على يد إرهاب الإخوان، وتلك التى يُتوقع وينتظر أن تسيل فى الأسابيع المقبلة، فلن تحصد الجماعة الإرهابية إلا الخيبة والعار والذل. فما من إرهاب استطاع أن ينتصر على إرادة الشعوب، وما من عنف تمكن من كسر دول عريقة كمصر التى بقيت شامخة على مر الزمان بينما اندثر المحتلون والغزاة والإرهابيون بلا رجعة.