أُقر فى بداية مقالى هذا أنى مواطنة مصرية شيوعية -من منازلهم- لا ولم أنتمِ أو أتعامل يوماً مع أى حزب سياسى، رغم أنى شرُفت بتصميم شعار الحزب الشيوعى المصرى بعد ثورة يناير. وقد اعتنقت الشيوعية بعدما أدركت أنها الفكرة الأكثر إنسانية على وجه الأرض، وأنها لا تختلف فى جوهرها عن اشتراكية عبدالناصر التى انحاز لها وسماها (الاشتراكية العربية)، لهذا لم أفقد يوماً حبى للزعيم جمال عبدالناصر رغم ما عُرف من عداء الشيوعيين له، خاصة بعد الصدام الأبرز بينهما والذى عُرف فى تاريخ مصر المعاصر ب(قضية الشيوعية الكبرى). وهو الصدام الذى أدى إلى اعتقال الآلاف من الشيوعيين فى مصر لفترة امتدت إلى نحو خمس سنوات، وفى نهاية الصدام تم حل الحزب الشيوعى المصرى وتشظى أعضائه فى مختلف فصائل التنظيم السياسى الوحيد حينذاك وهو الاتحاد الاشتراكى العربى. وأرى أن التشابه الكبير بين السيناريو الذى أتى بالزعيم جمال عبدالناصر والسيناريو الذى أتى بالفريق عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم، هو السبب الخفى وراء هوس الجماهير بالسيسى أو عدائهم له، إذ إنهم يرون فى وصوله إلى كرسى الرئاسة إحياءً لعهد عبدالناصر، خاصة الشيوعيين منهم -المُعلِنين لهويتهم السياسية والمستترين وراء مسمى الاشتراكية الثورية. فكل من عبدالناصر والسيسى جاء مُنقذاً ومُخلصاً للشعب من نظام قمعى استبدادى، ثم ما لبث أن اعتبر البعض ثورة كل منهما انقلاباً عسكرياً! وقد تعددت الأسباب فى ذلك، فالشيوعيون الذين باركوا ثورة يوليو فى بدايتها واعتبروا أنها ثورة طبقة وسطى قامت لصالح العمال والفلاحين، أخذوا موقفاً معادياً من الضباط الأحرار بعد إعدام «خميس والبقرى» عاملى كفر الدوار، واعتبروا حركتهم انقلاباً عسكرياً فاشياً، وكان إبعاد الشيوعيين الوحيدين فى قيادة الثورة «يوسف صديق» و«خالد محيى الدين» مؤكداً لذلك من منظورهم، ولم تتحسن العلاقات بين ناصر والشيوعيين إلا بعد عدة إصلاحات سياسية واقتصادية قام بها عبدالناصر، كان أهمها إجراءات الإصلاح الزراعى وإلغاء الفصل التعسفى للعمال، وتوقيع اتفاقية الجلاء، والانضمام لمجموعة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز، والاعتراف بالصين الشعبية، وتأميم قناة السويس وإنشاء القطاع العام، وغيرها من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التى أدرك بعدها الشيوعيون أن ما يحققه عبدالناصر هو نفسه ما يسعون لتحقيقه وأن المسالك مهما تعددت فالحق فعل والفعل توجه لا يتوقف، كما يقول الشيخ النفرى. وقد شكلت الإنجازات السابق ذكرها سبباً كافياً لانقسام المعسكر الشيوعى بين مؤيد ومعادٍ لسياسات عبدالناصر، حتى إن المفكر اليسارى «محمود أمين العالم» أرسل من محبسه خطاباً لعبدالناصر مؤيداً للتأميم. ويتشابه السيناريو السابق -فى بدايته- مع سيناريو السيسى، فقد انحاز هو أيضاً للشعب المصرى واستجاب لندائه فى 30 يوليو فخلع الرئيس الإخوانى وطارد زعماء أهله وجماعته، مؤيداً فى ذلك من كل الأطياف السياسية المصرية - باستثناء الأطياف ذات اللحى. ولكن ارتفاع الأصوات التى تطالب السيسى بالترشح لانتخابات الرئاسة جعل البعض يغير موقفه منه، بل ومن ثورة 30 يوليو نفسها، وهى الثورة التى شاركوا هم أنفسهم فيها ودعوا إليها، فأصبحت بين ليلة وضحاها انقلاباً عسكرياً! وأُدين السيسى بالفاشية لمجرد أنه رجل عسكرى! والسؤال هو: ألم يكن الزعيم أحمد عرابى الذى قاد أول ثورة وطنية فى تاريخ مصر الحديث، رجلاً عسكرياً؟