سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الشفتشى دلع.. والدلع صنعة» فى ورشة جورج عزيز تسمع الترانيم الدينية القبطية.. وصورة السيدة مريم تزين كل جدران الورشة.. وذهب إلى كُتاب الشيخ أمين فى مسجد قلاوون عندما أراد أن يتعلم العربية
فى حى الحسين، وتحديدا فى منطقة ربع السلسة فوق قهوة نجيب محفوظ، يجلس جورج عزيز -66 عاما- فى ورشته فى 5 سكة البادستان، ليصنع فنا أوشك على الانقراض هو فن «الشفتشى» وهو فن مصرى قديم يجمع بين نعومة التصميم وخشونة النحاس، وهو بالأساس مهنة يدوية تقوم على تشكيل سلك النحاس وكأنه «دانتيل»، ثم طلائه بالفضة، واستخدم فى صناعة وحدات الإضاءة من نجف وأباجورات وشمعدانات، وحلى وخواتم وأساور. عزيز، الذى يعمل فى هذه المهنة منذ 50 عاما وأكثر، يعتقد أن كلمة «الشفتشى» تعنى أيضاً «الدلع»، لما يوجد فى هذه الصناعة من تفاصيل شخصية ودقيقة تدل على اهتمام صاحبها بنفسه، ويحكى عزيز: «عندما بدأت هذه المهنة فى ستينات القرن الماضى كانت توجد أكثر من 60 ورشة تعمل فى مجال صناعة الشفتشى؛ حيث كان لهذه المهنة زبونها الذى يبحث عنها ويقدرها معنويا وماديا، أما الآن فلم يتبق من هذه الورش سوى اثنتين أو ثلاث، ورشتى واحدة منها، ومعظم العاملين فى الشفتشى هجروه لصناعات أخرى تحتاج لوقت أقل مع مكسب أكثر»، ويبرر عزيز اندثار تلك المهنة: «لا يوجد اهتمام حقيقى من وزارة الثقافة للحفاظ على التراث المصرى الأصيل فى صناعة الشفتشى، إلى جانب أن مصنوعات الشفتشى أغلى نوعا ما من غيرها من المنتجات التى يتم تشكيلها يدويا بسبب الدقة الشديدة فى التعامل مع المعدن فى صناعة الشفتشى، فلا يقبل على شرائها سوى الأجانب فى الوقت الحالى، وقديما كان البهوات والباشوات يهتمون بشراء مصنوعات الشفتشى، أما الآن ومع ضعف المستوى المعيشى، وتمركز النقود فى دول البترول فلم يعد أحد يهتم بتلك الصناعة التى ترجع بداياتها إلى مئات السنين، وتعبر عن التراث المصرى». فى ورشة جورج عزيز تسمع الترانيم الدينية القبطية، وترى صورة السيدة مريم تزين كل جدران الورشة، لكن هذا لم يمنعه أن يذهب إلى كتاب الشيخ أمين فى مسجد قلاوون، وذلك عندما أراد أن يتعلم اللغة العربية: «والدى دخلنى مدارس، لكن هذا لم يكن من اهتماماتى، وسبت التعليم ورحت اشتغلت فى ورش الصاغة، لكن لما كبرت قررت إنى لازم أتعلم عربى كويس، ورُحت سنة 1966 لكتاب فى مسجد قلاوون، وفعلا قدرت إنى أتقن العربى، وقتها الناس كانت كويسة مع بعض، واللى عملته ده ما كانش حاجة غريبة أو منتقدة». عزيز يصف نفسه بأنه أحد عشاق «الشفتشى» وكل أدوات التشكيل اليدوى، لذلك عندما جاءته الفرصة للسفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر أحد زبائنه رفض بشدة ترك ورشته الضيقة فى الحسين قائلا: «مش هسيبها، أنا وراها لطالون».