منذ 65 سنة، وتحديداً عام 1947، صدر كتاب «سقوط الجبابرة أو شهوة البطريركية» لمؤلفه «بشارة بسطورس» الذى قال فى افتتاحيته إنه قد قصد به إعلان الحقيقة التالية: أن المطران الذى يترك أبرشيته ويحصل على الكرسى البطريركى فضلاً عن أنه يخالف بذلك تعاليم الكنيسة، فإنه يفقد كثيراً من شخصيته، ويخسر جهاده الطويل وهو مطران، بل ويخسر المعركة ويعرض نفسه والكنيسة لمتاعب قاسية مما هو حاصل الآن فى الكنيسة وكما حصل فى عهدى الأنبا يؤانس والأنبا مكاريوس، وأن الخير فى التمسك بتعاليم الكنيسة»، وأضاف المؤلف: «ورجاؤنا بل هو أمل كل قبطى أن يصحح مطارنة الكنيسة من جديد موقفهم إزاء الترشح للكرسى البطريركى، وأن يحول المجمع المقدس دون الرغبات التى قد تبدو من نفر من الشعب أو من أحد أحبار الكنيسة للتعدى على النظام أو القوانين التى سارت بموجبها الكنيسة زهاء عشرين قرناً، وألا يسمح المجمع المقدس لأحد من الأحبار أن يترك أبرشيته، ويتطلع للكرسى البطريركى»، وفى نهاية الافتتاحية يقول: «وسوف نترك للقارئ الحكم على تصرفات هؤلاء الأحبار، ولا شك عندنا أنه سيحكم بأنهم سقطوا فى الميدان سقوط الجبابرة قبل نهاية المعركة..». وبعد 65 سنة يعانى الأقباط من نفس ما كتب عنه وأثاره بسطورس نظراً لإصرار الكنيسة على تطبيق لائحة 1957 والسماح بترشيح مطارنة للكرسى البابوى فى عناد غريب، وينتظرون من يرد على أسئلتهم فى علاقتهم بالكنيسة ولا مجيب.. لماذا الإصرار على انتخاب البابا القادم وفق لائحة 1957 التمييزية الطبقية؟! من بين شروط اللائحة أن يكون حاصلاً على شهادة دراسية عالية أو أن يكون موظفاً حالياً أو سابقاً فى الحكومة المصرية والهيئات ولا يقل مرتبه عن أربعمائة وثمانين جنيهاً سنوياً، أو موظفاً بأحد المصارف أو الشركات أو المحال التجارية أو ما يماثلها ولا يقل مرتبه عن ستمائة جنيه سنوياً، أو يكون ممن يدفعون ضرائب لا تقل عن مائة جنيه سنوياً، ويشترط فى الحالة الأخيرة أن يكون الناخب ممن يجيدون القراءة والكتابة.. مما يعنى الاحتياج فقط إلى المتعلم بدرجة بكالوريوس أو البديل يكون بيفك الخط بس غنى وبيدفع ضرايب.. ده عيب قوى قوى يكون ده معيار اختيار الناخب للراعى الأكبر فى مطلع الألفية الثالثة! فضلا عن شروط تتعلق بقصر الحق الانتخابى على سبيل المثال على الصحفى التابع المعين بالصحف الحكومية، وعليه فإن الصحفى والإعلامى المتخصص فى الشأن الدينى المنتسب لصحف ومواقع إلكترونية مسيحية مثل جريدة «وطنى» وموقع «الأقباط متحدون» والقنوات الدينية، ليس من حقهم انتخاب البابا القادم! إننى أتفق مع القمص فلوباتير فيما قاله لموقع «الأقباط متحدون»: «اللائحة حجمت عدد الناخبين إلى نحو 2500 ناخب، وهذا رقم هزيل جداً لا يمثل حتى النخبة القبطية، وحصرنا الانتخاب فى دائرة الصحفيين، أين الأطباء والمهندسون؟، كما أن هناك 29 امرأة فقط غالبيتهن من الراهبات مختارات من قبل أساقفة مرشحين، فالأمر عليه جدل كبير.. مجمع نيقية يمنع تماما ترشح الأساقفة على كرسى البطريرك، لا يمكن أن يأتى كيان غير شرعى مخالف لتعاليم الكنيسة، وأطالب وألتمس من الآباء الأساقفة أن يعطونا المثل والقدوة فى إنكار الذات والاتضاع واحترام قوانين الكنيسة وأن يصنعوا مثل «يوحنا المعمدان» عندما قال: «ينبغى أن هذا يزيد وأنا أنقص..»، وينسحبوا من الترشح ويتركوا الأمر لاختيار السماء..».. شوية ديمقراطية يا أصحاب العمامات السوداء وجالسوا كهنتكم وشعبكم واسمعوا ماذا يقولون.. إنهم يسألون لماذا لا تعملون وترفضون لائحة 1938 للأحوال الشخصية وتتجاوزونها ببساطة وتتمترسون حول لائحة 1957 ودونها الموت؟! وفى سياق آخر لرفض الديمقراطية يقول الشيخ ياسر برهامى عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، وعضو لجنة وضع الدستور الحالية: «الديمقراطية التى قَبِلنا آلياتها هى كما صرح به برنامج حزب النور منضبطة بضوابط الشريعة».. وأضاف: «نعنى أننا لا نقبل أن يكون الحكم لغير الله»، وفى جواب لبرهامى على أسئلة تلقاها موقع «صوت السلف» الذى يشرف عليه: «ونقبل قيام المؤسسات فى الدولة على مبدأ الشورى الذى يتم من خلال الانتخاب». أما ما لم يقبله السلفيون فهو «الفكرة الفلسفية للديمقراطية فى أن الشعب هو مصدر السلطة التشريعية»، وما فى الديمقراطية من كفر «فى أصل فكرتها»، وذلك لاعتقادهم الجازم بأن «الحكم لله». يوضح برهامى للمعترضين عليهم أن «النظم البشرية» يمكن أن ننتفع بما يوافق الشرع منها.. ومؤخراً كانت فتوى الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، بوجوب قتال المتظاهرين فى 24 أغسطس الجارى، وأيدها الشيخ وجدى غنيم لوأد فكرة الديمقراطية من جذورها.. فى حكاية شهيرة نتذكرها بحزن وأسى على حال المعرفة لدى المواطن المصرى، أنه عندما كان المفكر التنويرى المصرى أحمد لطفى السيد مرشحا للانتخابات النيابية فى العشرينات من القرن الماضى وكان واثقا من الفوز فى دائرته التى احتكرت أسرته مقعدها فى مجلس النواب، فإذا بخصمه يبعث من يتسللون إلى الفلاحين البسطاء ليقولوا لهم: «كيف تنتخبون لطفى السيد وهو رجل ديمقراطى؟ ألا تعرفون أن الديمقراطى رجل ملحد ويشجع على مشاعية الجنس؟ فكلمة ديمقراطى تعنى أن مراتى تبقى مراتك ومراتك تبقى مراتى»، وقد أثر السجع فى كلمة «ديمقراطى» وكلمة «مراتى» التى تعنى زوجتى بالعامية المصرية على أذهان البسطاء فصدقوا الفرية، وعندما جاء إليهم أحمد لطفى السيد يدعوهم لانتخابه سألوه سؤالا واحدا: «سمعنا أنك ديمقراطى، فهل هذا صحيح؟»، فأجاب مزهوا: «نعم».. وبالطبع كانت القاضية! فخسر مقعده النيابى! ويا أصحاب العمامات السوداء والعمامات البيضاء دعونا نتنفس شوية ديمقراطية يرحمكم ويرحمنا ربنا!