لم تكن تعرف جدران فيلا إمبرون القابعة بحى محرم بك العريق والتى شهدت كتابة رباعيات تحدثت عن النبى دانيال ومحرم بك وكوم الدكة وعمود السوارى، وتغزلت بمناطق الإسكندرية الرائعة، أن يوماً سيأتى لتُشوَّه وتهدَّد بالانهيار، ليُمحَى معها واحد من معالم تراث المدينة المتعبة، لتتحول إلى حظيرة للمواشى. فى 19 شارع المأمون بحى محرم بك العريق، شيدت فيلا إمبرون على الطراز الإيطالى عام 1920 وسميت على اسم عائلة المقاول الإيطالى إمبرون الذى شيدها وعاش فيها مع زوجته الفنانة التشكيلية إميليا، وملحق بها برج أثرى يميزها ويعطى انطباعاً أنها أشبه بقصر كبير. تطل إمبرون على 3 شوارع عريقة بحى محرم بك، هى شارع المأمون وعلى شيحة «الكنوز سابقاً» وشارع النعم، وكانت حديقة الفيلا تحوى العديد من الأشجار والنباتات النادرة. فى عام 1942 استأجر الكاتب البريطانى لورانس داريل الدور العلوى للفيلا، والذى كان يعمل مراسلاً حربياً للجيش البريطانى أثناء الاحتلال البريطانى لمصر، ثم عمل ملحقاً صحفياً لشئون الأجانب فى الخارجية المصرية أثناء فترة الحرب العالمية الثانية، ثم غادر مصر فى أعقاب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956. وشهدت جدران الفيلا رباعيات داريل الشهيرة، التى تغزل من خلالها فى جمال مدينة البحر المتوسط، ليجعل منها عروساً يتذكرها الناس دائماً ويتمنى من لا يراها الذهاب إليها ومشاهدة أجمل ما فيها. تحدثت الرباعيات عن شارع النبى دانيال بعراقته وعن عمود السوارى ومقابر الشاطبى. ولم تتوقف إمبرون عن إخراج أحلى ما فى عروس البحر المتوسط، فتحولت عقب مغادرة داريل لها إلى عدد من الفنانين الأجانب والمصريين، وأبرزهم عفت ناجى، وسعد الخادم، وجاذبية سرى. بدأت فيلا إمبرون فى التحول من كونها حامية لتراث الإسكندرية وتحفة فنية إلى مجرد جدران، بعد بيع حديقة الفيلا التى كانت مليئة بالأشجار والنباتات النادرة ليخرج مكانها مجرد كتل خرسانية معتادة وتتحول الفيلا إلى أشبه بمكان مهجور. ولم يكتف مالكها بمجرد بيع الحديقة وبناء أبراج سكنية مكانها فقط، فقد كان يريد أن يزيل الفيلا بالكامل ويزيل معها تراث الإسكندرية، إلا أنه تم منعه عقب حلقات الضغط التى شكلها عدد من النشطاء الحقوقيين بالإسكندرية. أثناء جولة «الوطن» لفيلا إمبرون، قال الجزار المقابل للفيلا الذى رفض الحديث بداية عن الفيلا بداعى أنه لا يعرف الكثير عنها، إن تلك الفيلا كان يعيش فيها بعض «الخواجات» على حد قوله، ثم أصبحت مهجورة إلى أن اشتراها أحد المقاولين ليستفيد من حديقتها ببناء برج سكنى عليها. وباستغراب كبير أضاف الجزار «بس فيه سياح كتير بييجوا عشان يتفرجوا على الفيلا المهجورة ديه، وبصراحة أنا مش عارف على إيه». وقال أسامة سليم، أحد السكان المجاورين للقصر، إن القصر كان به حديقة بها أندر الأشجار والنباتات، وأتذكر عندما قام ابن المقاول الإيطالى أمبرون ببيع القصر منذ حوالى 15 عاماً هدم المقاول المصرى جزءاً ملحقاً من القصر وأزال النباتات النادرة وخلع جميع الأشجار الموجودة بالحديقة وبنى برجين سكنيين. وأضاف أنه لم يستطع إزالة مبنى القصر والإسطبل الخاص بالحيوانات فى الحديقة، نظراً لتدخل وزارة الآثار، ومنعها هدم القصر باعتباره أثراً. الآن وبعد مرور أكثر من مائة عام تحول قصر إمبرون الذى كان أحد رعاة الفن السكندرى لفترة طويلة، إلى مجرد شبح يذبح فيه الماعز والأبقار وتربى فيه الماشية.