فى واقعة غريبة ومدهشة، وعلى طريقة محررى صحيفة الحوادث، قرأت فى جريدة «الوطن» الموقرة يوم السبت الموافق 4 يناير تحقيقاً يتصدره عنوان لافت، يقول العنوان: («الوطن» تكشف مخطط الإخوان للسيطرة على «الثقافة»)، انتهى بوصف سيد قطب بالمناضل ضد السلطة الملحدة، وتوقعت أننى سأكتشف فى التحقيق حديثاً عن تقارير وخلايا نائمة فى أسرة وزارة الثقافة واستيقظتْ فجأة، أو أن هذه الخلايا كانت مستيقظة فعلاً، ولكنها تنتظر الفرصة الذهبية للوثوب على مؤسسات الوزارة، وصور لى خيالى أن التحقيق سيكشف عن مطبوعات سرية داخل الوزارة، وكانت توزع سراً أو علناً، ولكن وياللهول، فالمخطط الرئيسى، والذى سيفعل ما لم تستطع جماعة الإخوان فعله يتركز فى رواية «أشواك» لسيد قطب، وقد صدرت هذه الرواية فى النصف الثانى من عام 2011، وبالتحديد فى أكتوبر من العام نفسه، وكانت قد مكثت فى المطابع حوالى شهرين، أى قبل صعود جماعة الإخوان إلى عرش البلاد، وتسلمهم السلطة السياسية، والأخطر من الرواية هو المقدمة التى كتبها شخصى واصفاً تأثير سيد قطب على شباب البلاد واعتباره أسطورة ورمزاً لهم ولطريقهم، وناديت فى المقدمة بالكشف عن الوجه المجهول والآخر لسيد قطب، هذا الوجه الذى أخفته جماعة الإخوان لأكثر من ستة عقود متتالية، وراحت تطبع غالبية كتبه، إلا هذه الرواية التى تتحدث عن سيرة حب فاشلة لسيد قطب، على شاكلة رواية «سارة» لأستاذه العقاد، وتكشف كذلك عن نوع ليبرالى فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، وقد فقده قطب فى الخمسينيات والستينيات، بعد التحاقه بجماعة الإخوان، وقد صار قائداً وزعيماً لهم، ورمزاً لنضالهم. وعند نشر الرواية اعتبرت جماعة الإخوان أن هذا بمثابة كسر لتسترهم على الرواية، واحتكارهم لحقوق النشر، فرفعوا قضية على هيئة الكتاب التى أصدرت الرواية، وعلى الدكتور أحمد مجاهد، وكانوا متضررين جداً من نشر الرواية. والغريب أن كاتبة التحقيق زعمت أن الرواية صدرت فى «أيام مرسى»، وهذا كذب واضح، وخطأ فادح، وهى لم تكلف نفسها أن تتصل بى وتسألنى عن أى معلومات تخص الرواية، وهذا يُعتبر عواراً فادحاً فى التحقيق، ولكنها اعتمدت على ناقد مغمور جنّد نفسه لمطاردة الرواية وكاتبها ومقدمها والمؤسسة التى صدرت عنها، ووصفنى هذا الناقد بما لا يليق بمثقف فى أوائل حياته، وأنا سأنأى بنفسى عن الرد على هذه الترهات، ولكنه وصف الرواية بأنها رواية تافهة، واعتبرنى متملقاً لجماعة الإخوان إبان صعودهم، رغم أنه قد زعم قبل ذلك أن الرواية قد صدرت أثناء حكمهم، ولكن عندما تيقن أن ذلك غير صحيح، راح يعدل من صياغاته، ولكنه ظل على الموقف نفسه. ومن حقى أن أسأل: طالما أن الرواية تافهة إلى هذه الدرجة، فلماذا تعيرون لها كل هذا الاهتمام؟ وكيف تستطيع هذه الرواية التافهة أن تخطط وحدها لاحتلال وزارة الثقافة والهيمنة على مؤسساتها ال18؟ ومن حقى أن أسأل مرة أخرى: طالما أن الرواية بهذه الخطورة الجهنمية، والقدرة اللوذعية مثل قدرة أبلة فاهيتا فى إرسال الإشارات، لماذا صمت هذا الناقد الهمام وصحبه طيلة عامين كاملين، أثناء حكم الإخوان، ثم بعد زوال دولتهم خرج حاملاً سيفه المعطوب ليتحدث عن خطط وانتهازية وتملق، وراح يملأ الفضاء ببيانات وأناشيد ممجوجة؟ من هو إذن المنافق والمتملق؟ ومن حقى أن أسأل مرة ثالثة: إذا كانت الرواية قد أراد كاتب مقدمتها أن يتملق جماعة الإخوان «إبان» صعودهم، فلماذا لم يتملقهم بعد صعودهم وتوليهم السلطة السياسية؟ وهذا كان أحرى به، وأكثر مضياً ونفعاً، بدلاً من تملق هذه الجماعة وهى خارج السلطة، بل بالعكس كان كاتب المقدمة يتصدى للجماعة فى كل تصريحاته ومقالاته والندوات التى يتحدث فيها ويعقدها هنا وهناك، حتى وصل الأمر إلى الاعتصام الكبير الذى حدث فى وزارة الثقافة، وشارك فيه كاتب المقدمة اللوذعية بقوة ضد الوزير الفاشل والفاشى علاء عبدالعزيز، ومن حقى أن أسأل كذلك: لماذا تخلص الإخوان من الدكتور أحمد مجاهد عندما استطاعوا تعيين وزيرهم البائس، رغم أنه أصدر رواية أشواك، التى يزعم هذا الناقد أنها تخدم مخطط الإخوان فى الاستيلاء على الوزارة؟ ومن المعروف أن أحمد مجاهد فقد منصبه لأنه لم يفتح لهذه الجماعة بأى شكل من الأشكال أى باب للدخول، رغم أن هيئة الكتاب فيها ما فيها من جو يسمح بذلك، والدليل على ذلك أنه عندما تمت الإطاحة بمجاهد، وجد الوزير الفاشل من يتملقه وينافقه ويستقبله بالورود على باب الهيئة، ويتربع فى مكتبه دون حياء يُذكر. ويعلم القاصى والدانى بأننى فى هذه المرحلة الكئيبة لم أذهب إلى هيئة الكتاب سوى مرة واحدة، رغم أننى رئيس تحرير لإحدى سلاسلها، ودعونى أقُل: لو أن شخصى أو هيئة الكتاب أردنا أن نتملق الجماعة الإخوانية أثناء حكمها، كنا قد أصدرنا مثلاً «معالم فى الطريق» أو كتاب «المستقبل لهذا الدين» أو «فى ظلال القرآن»، وأعتقد أن ذلك كان سهلاً ومريحاً ومربحاً، وكان سيثبت أقدام مجاهد فى هيئة الكتاب، الذى أعطى جائزة أحسن كتاب فى معرض القاهرة الدولى للكاتب ثروت الخرباوى عن كتابه الشهير «سر المعبد»، وفرض على عاصم شلبى، رئيس اتحاد الناشرين الإخوانى، تسليمه الجائزة، وهذا مسجل بالصوت والصورة، وهى واقعة فريدة من نوعها، لذلك كان لا بد أن يدفع مجاهد فاتورة باهظة لكل هذا، عدا إصدارات الهيئة لكتب ضد الجماعة بكافة الأشكال. أريد فقط أن أشير إلى أن تصوير سيد قطب على أنه شيطان بشكل مطلق لن يجدى، فقطب له مراحل متعددة، ولا يحق لنا أن نختصره فى المرحلة الإخوانية، وما زلت أصر على كشف الوجه الآخر العلمانى لسيد قطب، حتى يعرف الجميع هذا التحول الغامض والملغز الذى لحق به، وهناك كتابات جادة حاولت حل هذا اللغز لأساتذة وباحثين كبار مثل د. شريف يونس ود. محمد حافظ دياب ود. على شلش وأ. حلمى النمنم وأ. عادل حمودة وأ. آمال الخزامى وغيرهم، وكلهم حللوا الظاهرة واتفقوا واختلفوا حول تفسيرها، ولكنهم اتفقوا جميعاً حول أهميتها وتأثيرها وضرورة دراستها، وهناك تنويه أخير يتعلق بالمتابعات التى أشادت بصدور الرواية فى طبعة ثانية، ومنهم على سبيل المثال الكتّاب سيد محمود وحلمى النمنم ومحمد بركة ومحمد سرساوى وسميرة سليمان، وتحدثت عنها الكاتبة سلوى بكر فى ندوة عُقدت فى جمعية محبى الفنون الجميلة، واعتبرتها من الأعمال المسكوت عنها، وكل هذا يدفعنا قدماً لدراسة الظواهر الثقافية والفكرية دون تجزىء وحذف وتشويه.