سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جمالى أونال ل«الوطن»:ما يحدث فى مصر نسخة «بالكربون» من الانقلاب «الناعم» فى تركيا - لو استورد المصريون «أردوغان» شخصياً فلن ينجح فى هذه الظروف.. و«الدولة العميقة» وراء الفوضى الحالية
« إذا أردتم فهم ما يجرى فى مصر الآن، فعليكم فهم ما جرى فى تركيا فى التسعينات». يرى جمالى أونال الخبير التركى فى الشئون المصرية، أن المقارنة بين الفترتين، يظهر نسخة كربونية من انقلاب 1997 العسكرى الناعم فى تركيا، مؤكداً أن قادة الجيش فى مصر - مثل نظرائهم فى تركيا - لا يثقون فى اختيارات الشعب، وأن جماعة الإخوان والأحزاب الإسلامية تكرر أخطاء الزعيم الإسلامى نجم الدين أربكان، الذى استفز الجميع بتصريحاته المخيفة، فجرى إقصاؤه من المشهد تماماً. يرى نائب رئيس رابطة الصحفيين العرب والأتراك، فى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح مرشح الرئاسة «أردوغان مصر»، لكنه يجزم بأنه لن يحقق نجاحاً كبيراً على المسار الديموقراطى، فى حال فوزه، وسيضطر لتقديم تنازلات كبيرة للمؤسسة العسكرية. * كيف تقرأ المشهد الحالى فى مصر؟ - إذا أردت أن تفهم ما يحدث فى مصر الآن يجب أن تفهم ما حدث فى تركيا بداية من عام 1995، حين أجريت الانتخابات البرلمانية، وتقدم حزب الرفاه الإسلامى بقيادة نجم الدين أربكان، الذى فشل فى تشكيل الحكومة، لأنه لم يحصل على الأغلبية اللازمة، فكون ائتلافاً مع حزبين آخرين بعد مفاوضات مضنية، لكنه واجه تصاعد احتجاجات استفزازية منظمة، جرفت البلاد كلها إلى مناخ من الفوضى السياسية، وتدهور الاقتصاد، وارتفعت معدلات التضخم إلى ما يزيد على 100%، ووصلت ذروة الفوضى فى فبراير 1997، عندما اتخذ مجلس الأمن القومى قراراً بإسقاط الحكومة، وذكرتنى أحداث العباسية الأخيرة بهذه الفترة العصيبة من تاريخنا. * من كان يقف وراء الفوضى فى تركيا فى تلك الفترة.. ولماذا؟ - المؤسسة العسكرية وعناصر ما نسميه «الدولة العميقة»، أى بعض النافذين فى القضاء والإعلام ورجال الأعمال والجامعات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدنى. هؤلاء حركوا الاضطرابات، ببساطة لأن نجاح «أربكان»، كان يعنى هزيمة توجهات النخبة العلمانية المستقرة منذ 80 عاماً، وصعوده كان يعنى خسارتهم امتيازاتهم، كما لعب «أربكان» دوراً فى الانقلاب، بإصراره على أيديولوجية إسلامية متشددة، وانتقاده العنيف للمؤسسة العلمانية القائمة على توجهات مصطفى كمال أتاتورك. * لكن ما أوجه التشابه بين الحالتين؟ وهل تقصد أن المجلس العسكرى وراء الفوضى، رفضاً منه لصعود الإسلاميين؟ - لم أدّع هذا أبداً، فنحن لا نعرف حتى الآن من يقف وراء الفوضى فى مصر، لكن - وهذا أحد أوجه الشبه - هناك قوى مرئية وغير مرئية تدافع عن امتيازاتها، ولا علاقة لها بصعود الإسلاميين، فلو صعد الليبراليون للسلطة، لواجهت مصر نفس الصراع الدائر حالياً، لأنه صراع على مصالح وليس مبادئ. * هل لك أن تحدد بدقة أكبر طبيعة تلك القوى؟ - القوى المرئية هى الجيش الذى يتمتع بقوة كبيرة وصلاحيات ضخمة، فلديه صلات قوية بكل مكونات الدولة «المؤسسة»، أما القوى غير المرئية فهى ما يسمى «الدولة العميقة»، من بعض النافذين فى القضاء وكبار الموظفين فى مؤسسات الدولة وأجهزة الأمن والبعثات الدبلوماسية والنقابات والسفارات الأجنبية والمجتمع المدنى والأقليات وبعض أحزاب المعارضة، ولا يمكن تفكيكها، ودفاع هذه القوى المتعددة عن مصالحها هو سبب الاضطرابات الحالية. * ما توقعاتك لتطورات هذا المشهد المعقد؟ - كل خطوة للأمام سوف تكون شاقة ومرهقة ومحفوفة بالمخاطر، فإذا فاز الإسلامى عبدالمنعم أبوالفتوح، أقرب الموجودين على الساحة من شخصية الزعيم التركى رجب طيب أرد وغان، فسيضطر لتقديم تنازلات للمؤسسة العسكرية، وسيجد من البداية صعوبة فى التصرف وفقاً للمعايير الديمقراطية، وسيأخذ خطوة للأمام وأخرى للخلف، كما حدث مع «أردوغان» فى ولايته الأولى، التى لم يقترب فيها من امتيازات المؤسسة العسكرية على الإطلاق، أما عمرو موسى، الأقرب لزعيم الحزب الجمهورى التركى كمال كلش دارأوغلو، فلن يقترب من امتيازات العسكر، نعم قد يحدث بعض التغيرات لكن المؤسسة الحاكمة ستحتفظ بكل امتيازاتها وعلى رأسها العسكريون. وسواء تولى أبوالفتوح أو موسى أو غيرهما، سيظل الاقتراب من الدستور أقرب إلى حقل ألغام، وفى تركيا لم يستطع حزب العدالة والتنمية، حتى اللحظة - رغم قوته - الاقتراب من الدستور الذى وضعه العسكريون بعد انقلاب 1980، ويظل هذا السيناريو مرهوناً بأن تسير الأمور فى مسارها الطبيعى، وتجرى السيطرة على حالة الفوضى الحالية، أما إذا استمر تناحر القوى السياسية المختلفة فقد يتكرر فى مصر السيناريو المرعب الذى عشناه فى تركيا مطلع التسعينات. * هل لك أن تقرب لنا ملامح ذلك السيناريو المرعب؟ - إذا أصر الجيش على الاحتفاظ بكل امتيازاته، وأذكت الأحزاب الإسلامية حدة التوتر، بتصريحات استفزازية، فإن الفوضى ستطول، مما يؤدى إلى مزيد من الصدامات والخلافات بين الأحزاب الدينية والليبرالية وبين المسلمين والمسيحيين، يمكن أن يتخللها اغتيال شخصيات قيادية فى البلاد، وتفجيرات فى مناطق مختلفة باسم منظمات إرهابية بما فى ذلك «القاعدة»، مما يدفع الفقراء الذين تزداد حالتهم الاقتصادية سوءًا، إلى أعمال سلب ونهب تؤدى بدورها إلى مزيد من الاضطرابات، من سوء الحظ أنه ليس لدى الأحزاب الحالية على الساحة، سواء إسلامية أو غير إسلامية، برامج اقتصادية جادة لانتشال البلاد من أوضاعها المتردية. * على ضوء التجربة التركية.. ما أفضل مخرج من الأزمة الحالية؟ - أفضل طريقة هى التوصل لنظام متوازن بين القوى المختلفة على الساحة، ولا أقصد بهذا الجيش والحكومة المنتخبة، بل الليبراليين والقوى الإسلامية المعتدلة، فمصر لا تستطيع تحمل تبعات حكومة ورئيس إسلامى. من المهم أن يدرك الجميع أن الأصوات التى حصل عليها الإسلاميون فى الانتخابات الأخيرة لا تعكس قوتهم الحقيقية، فقد حصلوا على هذه النسبة الكبيرة، لأن المصريين متدينون جدا، وفضلوا أن يعطوا أصواتهم لأحزاب إسلامية، حدث ذلك فى مناخ يفتقد لقيم الديمقراطية، فلم يكن الناخبون على علم بأسماء الأحزاب على الساحة، وتقديرى أن النسبة التى سيحصلون عليها فى الانتخابات المقبلة ستقل، إلا إذا نجحوا اقتصادياً، ساعتها ستزيد شعبتهم، أسوة بحزب العدالة والتنمية، الذى يرجع نجاحه إلى الملف الاقتصادى وليس السياسى. * ماذا يجب على المجلس العسكرى والإخوان عمله لتجنب مزيد من الاضطرابات؟ - على «العسكرى» أن يثق فى الشعب المصرى، وألا يكرر خطأ الجيش التركى، الذى لم يكن يثق فى الأتراك، اعتقاداً منه أنهم سيأتون بالراديكاليين، إذا تركوا لإرادتهم الحرة، لكن بعد مجىء حزب العدالة والتنمية الإسلامى، أدرك الجيش أن مخاوفه كانت فارغة، وعلى الإخوان التخلى عن خطابهم المتشدد، إذ يمكنهم التعلم من تجربة «أربكان» المتعثرة، الذى كان يطلق تصريحات مستفزة ضد الاتحاد الأوروبى وإسرائيل ويدعو لوحدة العالم الإسلامى، ويتخذ شعار « النظام العادل سيتحقق»، وهو شبيه بشعار الإخوان «الإسلام هو الحل»، لكن أكبر انتصاراته كان حصوله على 21% فى الانتخابات البرلمانية فى عام 1995. * هل تعتقد أن «أردوغان مصرى» هو الحل؟ - «أردوغان» كان جزءًا من الحل والاستقرار فى تركيا، ليس كل الحل، حيث كان لمؤسسات المجتمع المدنى والحركات الإسلامية، خاصة الصوفية، الفضل الأكبر فيما وصلت إليه تركيا الآن، فأتباع الجماعات الصوفية لدينا نحو 10 ملايين، ربما يختلفون عن الصوفيين المصريين، فهم شديدو التدين والحداثة فى الوقت نفسه، وأسهموا بدور كبير فى المزاج الدينى المعتدل فى تركيا، ولم يدعموا المتطرفين أبداً، وعلموا أتباعهم أن يكونوا مثاليين يحترمون كل الأفكار والأديان، لكنهم فى الوقت نفسه مسلمون ملتزمون، وبالتالى لم يدخلوا تركيا فى أزمة. أردوغان استفاد من كل هؤلاء، وعندما جاء للحكومة، عمل مع القوى الإسلامية المعتدلة والليبراليين واليساريين والعلمانيين، وبذكائه وشخصيته الكاريزمية حقق النجاح، معتمدا على عدد كبير من الشباب المتدين والمعتدل. * برأيك.. هل يوجد بين المرشحين للرئاسة فى مصر أحد بمواصفات «أردوغان»؟ - أرى أوجه تشابه كبيرة بين «أبوالفتوح» و«أردوغان»، كلاهما يتمتع بشخصية كاريزمية، وسن متقاربة، وخلفية إسلامية معروفة. أبوالفتوح كان قيادياً فى الإخوان المسلمين، وأردوغان كان من أتباع أربكان القريب جداً من فكر الإخوان. كلاهما استقال من الجماعة التى كان ينتمى إليها عندما قرر خوض الانتخابات، لكن من المهم أن نعرف أن الديمقراطية سلعة تنتجها الشعوب وليس الزعماء، فحتى لو استوردتم «أردوغان» شخصياً فإنه لن ينجح فى هذه الظروف، لأن مصر الآن تفتقد للديمقراطية، التى هى تقاليد وثقافة وأسلوب حياة، وعندما يدرك المصريون ذلك سيكون لديكم أكثر من «أردوغان».