في الفترة ما بين عامي 1899 و1910 قام عدد من الرسامين الفرنسيين، على رأسهم الفنان "جان مارك كوت"، بتصميم عدد من اللوحات التي تُجيب عن تساؤل الناس حول شكل العالم، والحال الذي سيكون عليه في عام 2000. وقد أوضحت هذه اللوحات رؤية الفنانين وتوقعاتهم المستقبلية بشأن ما سيبدو عليه العالم بعد مائة سنة، وهو ما جاء بما يمكن أن يسمى بتنبؤات دقيقة أو تقترب بنسبة كبيرة من الواقع الحالي، مع بعض التغيرات الطفيفة. وإذا ما تأملت هذه اللوحات، ستجد أن الكثير منها يتنبأ بالطيران في مجالات عديدة، وهو ما يتكرر في الوقت الحالي، حيث يتبادر شكل المستقبل إلى الأذهان مليئًا بالسيارات الطائرة، سواء في الأفلام أو الروايات الخيالية، ما يعني أن العقلية البشرية لم تتغير على مر التاريخ، حيث حلم الإنسان الأزلي هو الطيران، منذ بدأ تفكير "عباس بن فرناس" في ذلك. ففي مجال الحروب مثلا تنبأ البعض بشكل المعارك الجوية في لوحة "المعركة الجوية"، التي رسمت شكل الطائرات المستقبلية المجهزة بالمدافع والصواريخ، والمرتبطة بمناطيد كبيرة الحجم. وفي مجال النقل تنبأت لوحة "محطة سيارات الأجرة الطائرة" بالشكل الذي ستبدو عليه سيارات الأجرة المستقبلية، بل وشكل المحطات التي تتوقف فيها تلك السيارات/ الطائرات ليستقلها الركاب، بينما ترتفع أجنحتها لأعلى أثناء التوقف. أما الحرائق التي تندلع في البنايات ذات الارتفاعات الشاهقة، فإنها تواجه مشكلات كبيرة في وصول رجال الإطفاء إليها وإنقاذ العالقين بها، إلا أن لوحة "رجال الإطفاء الطائرين" وضعت حلا لذلك، بتركيب أجنحة لرجال الإطفاء تساعدهم على الوصول بسرعة لإخماد الحريق وإنقاذ المحاصرين بالنيران. وفي مجال البريد تنبأت لوحة "ساعي بريد الريف" بخدمة البريد الطائر، حيث يمتطي ساعي البريد طائرة بسيطة التصميم، حاملا حقيبة الخطابات، ليسلم أحدها إلى أحد السكان في الطوابق المرتفعة. أما التنبؤات الخاصة بدور التكنولوجيا في توفير إمكانيات ومساعدات أكثر للإنسان في حياته ووظائفه، فقد جاءت مجموعة أخرى من اللوحات تتنبأ بالشكل الذي ستبدو عليه هذه التكنولوجيا، منها لوحة "الصبيان الجدد للحلاق"، التي تتنبأ بأن الحلاق المستقبلي سيوظف لديه مجموعة من الآلات الميكانيكية التي تعمل بالكهرباء، والتي ستقوم بالحلاقة للزبائن دون الحاجة لأيدي الحلاق نفسه. وبالنسبة لعاملات النظافة في البيوت، تأتي لوحة "التنظيف الكهربائي" لتتنبأ باختراع المكنسة الكهربائية، حيث تبدو خادمة تتحكم في آلة تكنس الأرض وتمسحها بواسطة الكهرباء. بينما تتنبأ لوحة "التكاثر المكثف" بآلة في مزرعة يتم وضع البيض فيها من ناحية، فيتحول إلى كتاكيت تخرج من الناحية الأخرى، دون الحاجة للانتظار حتى يفقس البيض بشكل طبيعي. وتأتي لوحة "ترزي أحدث موضة" لتصور شكل الترزي عام 2000، حيث يعتمد على آلة تسجل مقاييس الملابس من أحد الزبائن، لتقوم آلة أخرى بإخراج الملابس التي طلبها الزبون. وفي مجال التعليم تتنبأ لوحة "في المدرسة" بشكل التعليم المستقبلي، حيث يضع الأستاذ مجموعة من الكتب داخل آلة تشبه المفرمة، تخرج منها مجموعة من الأسلاك تتصل بأقطاب يرتديها التلاميذ فوق رؤوسهم، فتنقل لهم المناهج المختلفة، ما يُعَدُّ الصورة الأولية لشكل التعليم عبر الإنترنت. وفي لوحة "المدام تجلس في الحمام" تبدو سيدة جالسة في حمامها بينما تقوم مجموعة من الآلات بتمشيط شعرها ووضع مساحيق التجميل على وجهها، بينما تتحكم فيها السيدة بمجموعة من الأزرار. بينما تأتي لوحة "أوركسترا جيدة التدريب" متخيلة شكل الأوركسترا المستقبلية، التي يستخدم فيها المايسترو مجموعة من الآلات لتقوم بالعزف على الآلات الموسيقية المختلفة، فيما يبدو التخيل المبدئي للموسيقى الإليكترونية الحالية، التي يمكن استنباطها دون الحاجة لموسيقيين يقومون بالعزف. أما الأنشطة المائية فقد تنبأت مجموعة أخرى من اللوحات بشكلها في المستقبل، منها لوحة "صيد طيور النورس" التي تخيلت مجموعة من الصيادين بملابس الغوص أسفل المياه، يضعون الطعم على سطح المياه لاجتذاب طيور النورس، ومن ثم جذبها أسفل الماء لاصطيادها. وفي تصور لأحد السباقات في المستقبل، تأتي لوحة "سباق في المحيط الهادي"، التي تصور سباقًا تخيليًا تحت مياه المحيط الهادي، حيث يمتطي المتسابقون أسماك السباق في حلبة مائية، بينما يتابعهم جمهور متحمس، وجميعهم يرتدون ملابس الغوص. وتأتي لوحة "حافلة الحوت" لتتخيل شكل وسائل النقل أسفل الماء، عن طريق حافلة ركاب مربوطة بحوت ضخم يتحكم فيه سائق بملابس الغوص، لينقلهم من مكان إلى مكان آخر أسفل الماء. ليست هذه هي كل اللوحات التي تنبأت بالمستقبل من خلال الرسومات التي تحتوي عليها، بل هي عينة صغيرة منها، حيث يبلغ عددها فوق السبعين لوحة، ربما أثار بعضها السخرية وقتها، لكنها الآن تثير الغرابة والدهشة من دقة بعضها في التنبؤ، حتى إذا ما أثير نفس السؤال الآن، فإن التنبؤات التي ستقال عن شكل المستقبل عام 2100 مثلا ستثير نفس السخرية، بينما لن يمكننا التنبؤ بشكل دقيق عن المستقبل، الذي قد يتغير بسبب الاختراعات التكنولوجية التي تظهر بين يوم وليلة. لكن التخمينات مفتوحة للجميع، فربما صادف أحدها الحقيقة مستقبلا، خاصة إذا جاءت بعضها مستكملة للحلم الأزلي للإنسان وهو الطيران.