من أكبر الأخطار على الدول والمجتمعات انعدام المعارضة الحقيقية، لأن ذلك يعنى انسداد آفاق التعبير الديمقراطى السلمى، وإن من أهم مظاهر الممارسة الديمقراطية الحقيقية وجود المعارضة الفاعلة المعترف بها من جانب السلطة وتملك القدرة على البحث والمناقشة وتنافس الحكومة فى الوصول إلى الحكم، والمعارضة الفاعلة هى التى تضمن عدم وقوع انحرافات مع التزام الحاكم وأجهزته بالدستور وقواعد الحكم السليم، فضلاً عن الدور الرقابى على أداء حكومته ونقده ومحاسبته عند التقصير، وأى مجتمع لا يعتمد فى ممارسة الحكم على الشراكة والتعددية بين المواطنين هو نظام استبدادى يعتمد على القهر أسلوباً للحكم ووسيلة للكبت وتقييد الحريات. والأهم أن المعارضة هى صمام الأمان الوحيد ضد احتمال تحول النزاعات الداخلية إلى صراعات وحروب تعصف بالدولة حين تتحرك المعارضة تحت الأرض. فالمعارضة والحكومة قطبان، أحدهما سالب، والآخر موجب، لازمان لدفع تيار التقدم لكل عناصر الدولة. والثابت أن شرعية النظم السياسية ونظم الحكم تتحدد وفقاً لقوة المعارضة أو ضعفها، فنظم الحكم القوية التى تتوخى مصلحة شعوبها لا تقبل فقط المعارضة القوية بل تدعمها انطلاقاً من حرص هذه النظم على رقابة المعارضة لأجهزة الحكم لتصحيح مسارها، وبهذا الفهم تتحول المعارضة إلى مصدر قوة للنظام بدلاً من أن تكون مصدر تهديد لإزالته، وبالتالى لا تكون المعارضة لأجل الصراع على البقاء بل تنافس لخدمة الصالح العام. ولا شك أن رفض المعارضة يرتبط بظاهرة الطغيان والاستبداد، الذى يعوق التقدم ويعجل بالانهيار. فإذا ما طبقنا ما سبق على ما يحدث الآن فى مصر نجد أن نظام الحكم الجديد ومع بداية عهده لا يطبق المعارضة ويعمل جاهداً للقضاء عليها، وانتهج فى كبح المعارضة أساليب جديدة، أولها تخوين المعارضين واتهامهم بأنهم إما عملاء أو مأجورون أو فلول أو خونة أو متآمرون أو أعداء للإسلام والدين. رأينا ذلك مع العديد من الشخصيات المشهود لها بالوطنية على سبيل المثال: (أبوالعز الحريرى، وعاطف المغاورى، وحمدى الفخرانى، ونجاد البرعى، وتهانى الجبالى) فإذا لم تفلح الحملات الإعلامية ليس هناك مانع من الدفع ببعض الأشخاص المغيبين بالاعتداء عليهم بالضرب حتى يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه أن يعارض. وعلى الصعيد الإعلامى، رأينا التعدى على مدينة الإنتاج الإعلامى والتعدى على الإعلاميين خالد صلاح ويوسف الحسينى وعمرو أديب. ثم رأينا التغييرات الصحفية الأخيرة بل ومصادرة إحدى الصحف (الدستور) ومنعها من الصدور، وتقديم رئيس تحريرها للمحاكمة، فإذا ما كانت هذه البدايات فكيف سيكون الأمر فى نهاية السنوات الأربع القادمة؟ على أن أخطر ما فى الأمر هو أسلوب المواجهة بالجماهير، فالنظام السابق والمستبد كان يواجه المعارضة بالأجهزة الأمنية والحكومية والبلطجية أحياناً، أما الآن فإن مواجهة المعارضين تتم فى الغالب باستخدام الحشود الموجهة لإحداث أكبر قدر من الرعب والإرهاب، كما حدث أمام قصر الاتحادية وأمام المنصة. وهكذا نرى التنوع فى أساليب القمع بداية من الحملات على المواقع الإلكترونية إلى السب والقذف وإطلاق الشائعات إلى الاعتداء الجسدى بالضرب والسحل وتمزيق الملابس وتحطيم السيارات والتهديد بالتصفية الجسدية ومنع الدخول أو الخروج فى مدينة الإنتاج الإعلامى، ونرى أيضاً التنوع فى أشخاص من توجه لهم هذه الأساليب القمعية من صحفيين وإعلاميين ونواب وقضاة وناشطين سياسيين أو حقوقيين. ولما كنت أحسب نفسى من المعارضين وفى ذات الوقت لا يمكننى ممارسة المعارضة فى ظل هذا المناخ القمعى، فأرجو أن يدلنى رفاق الكفاح من «الإخوان المسلمين» فى معارضة النظام السابق على فقه الصم والبكم فى أصول معارضة الحكم.