فى وقت قياسى أصبح المشير محمد حسين طنطاوى خارج المشهد السياسى بعد أن كان قد تحول إلى جزء من الثوابت، ويُنسب إليه أنه كان يقول «لن أصبح وزيراً سابقاً»، لكنه فى يوم واحد أصبح وزيراً سابقاً، وهو خرج ضمن عدد غير قليل من القيادات العسكرية، ما جعل فكرة «المجلس الأعلى» الفضفاضة -التى حكم من خلالها مصر خلال الفترة الانتقالية- فى خبر كان. ولمصر مع المشيرين قصة، من عبدالحكيم عامر إلى طنطاوى مروراً بأحمد إسماعيل وأحمد بدوى وعبد الحليم أبوغزالة ومحمد عبدالغنى الجمسى. فهذا المنصب الذى لم يُمنح فى تاريخ العسكرية المصرية بعد يوليو 1952 إلا مرات محدودة اقترن عدة مرات بشىء مأساوى، إما لحامله أو لمصر! والمشير الذى تولى وزارة الدفاع فى النصف الأول من التسعينات يخرج الآن بقرار فاجأ كثيرين لكنه على ما يبدو لم يفاجئ الوزير المحال إلى التقاعد. وخلافاً لكل التكهنات فقد خرج معه الشخص الذى طالما كان المرشح الأوحد فى كل التكهنات خلال الفترة الانتقالية، الفريق سامى عنان، وقد جاء وزير الدفاع الجديد حاملاً رتبة أرفع، ترقى إليها من رتبة لواء. وكان اسم عبدالفتاح السيسى بالنسبة لكثيرين موضوع جدل كبير بين من وصفوه بأنه «رجل الظل الأهم» بحكم شغله منصب مدير المخابرات الحربية، فيما اعتبره آخرون -رجماً بالغيب- «جنرال الإخوان». والطريقة التى حل بها السيسى محل طنطاوى تفتح الباب للتكهنات بشأن الكيفية التى صدر بها القراران، أو القرار المزدوج. وإذا تصورنا -افتراضاً- أن ما تم حدث إعمالاً للقاعدة المملوكية الشهيرة «أنت قتلت السلطان فاجلس على الأريكة»، مكانه. فالوزارة الجديدة عمرها أيام، ولو كان القرار فى سياقه الطبيعى لتقرر أن يكون السيسى وزيراً للدفاع فى وزارة الدكتور هشام قنديل، ومن اتخذ القرار لم تتغير قدرته على اتخاذه ولم يعد بيده سلطات أوسع حتى توقيت اتخاذ القرار، وما تغير إذن موازين قوى سياسية. وعلى الأرجح أحد مفاتيح تغير هذه الموازين عبدالفتاح السيسى نفسه. والمنعطف الأبرز فى الأيام القليلة الماضية حادث معبر رفح، وهو حادث أطلق موجة من الاتهامات بالتقصير للقوات المسلحة، وصولاً إلى تساؤل البعض عما إذا كان هناك متورطون داخلها أرادوا منع الدكتور محمد مرسى من تغيير سياسة مصر الخارجية تجاه غزة بأى ثمن، فانقلب السحر على الساحر. فبعد محاولات ظلت نتائجها محدودة لاستثمار الحادث لضرب الرئيس والإخوان تحت الحزام، نجح مرسى فى إطاحة رؤوس كبيرة. وقد كان أول استثمار لحادث معبر رفح، القرارات السريعة التى اتخذها الدكتور محمد مرسى بإقالته مسئولين رفيعى المستوى بينهم محافظ شمال سيناء وقائد الحرس الجمهورى، والأهم مدير المخابرات العامة اللواء مراد موافى من منصبه بعد تصريحات جعلته متهماً فى نظر كثيرين بالتقصير فى التعامل مع المعلومات التى كانت بحوزة المخابرات العامة عن جريمة المعبر. فهل كانت إقالة مراد موافى «ملهماً» لعبد الفتاح السيسى ليتصرف على نحو مختلف؟ وهل سهّل هذا مهمة إقالة المشير والفريق سامى عنان للتقاعد فى يوم واحد، وبعد أيام من إقالة قائد الشرطة العسكرية؟ ولا يستطيع منصف هنا أن يتجاهل حقيقة أن الإقالات المتزامنة كانت جزءاً من حزمة إجراءات شيّعت «الإعلان الدستورى المكمل» إلى مثواه الأخير، ومنحت الرئيس حق تشكيل اللجنة التأسيسية، وبهذا يكون الجيش قد خرج من المشهد السياسى بعدة قرارات أعادت للذاكرة ما قام به السادات فى مايو 1971، لكن من لعب دور اللواء الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى آنذاك، هو فى مشهد 2012 -على الأرجح - الفريق عبدالفتاح السيسى. وبعض الأسئلة تلد أخرى!