لا أفهم سبباً لتكرار الأخطاء عند إدارة «الإخوان المسلمين»، وقد كنت أجزم دائماً أن الجماعة بإدارتها الحالية قد ألقت القبض على جميع الكفاءات بها، وبالذات الكفاءات السياسية والثقافية والإدارية، وهى فى ذلك لا تكتفى بإلقاء القبض عليهم فقط وإنما تقوم بإخفائهم خلف غيابات السجون، من أجل ذلك فإنك لا تستطيع أن تفهم سياسة تكرار الأخطاء إلا على أنها خطة للقضاء على الجماعة تتم بسوء أو بحسن نية وقد كانت سياسة تقديم أهل القربى على أهل الكفاءة سياسة متبعة منذ أن سيطر مكتب الإرشاد الحالى بفكره التنظيمى على الأمور فى الجماعة فظهر هذا فى النقابات المهنية؛ إذ بدأ التخلص من الكفاءات ثم بدأ الاعتماد على أهل القربى والولاء فانهارت الحركة النقابية وقامت الجمعيات العمومية للنقابات المهنية بعزل الإخوان فى أول انتخابات أتت بعد إعلان هذا الفشل، والعجيب أن يتكرر هذا الخطأ فى ظل وجود الدكتور مرسى كرئيس سابق لمصر، فتكرر الخطأ بنفس الشكل دون أن يعى ذلك التنظيم أن ذلك نوع من أنواع الفساد؛ فأموال النقابات هى أموال عامة لا ينبغى أن يحكم فيها الأقل كفاءة بينما يوجد بين أبناء الوطن من هو أفضل، وبالتالى فإنه لو كان للإسلام ظل على سلوك هذه الإدارة لعلموا حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى يجعل من يوسد الأمر لغير أهله فى النار، ولعلموا فقه الرسول وعلمه بأنه صلى الله عليه وسلم لا يقبل المحسوبية بين الناس، وقد جاءت نتيجة انتخابات النقابات المهنية كنوع من أنواع الرفض لهذه السياسة التى تفرق بين الإخوان وبين الشعب فتجعل من الإخوان أسياداً وحكاماً وتوليهم المناصب لا لشىء إلا لأنهم من الإخوان، وكنا نظن أن تصحيحاً لا بد أن يجرى بعد سقوط الإخوان فى انتخابات الاتحادات الطلابية، لكن شيئاً لم يحدث، ثم كنا نظن أن يتم تصحيح ذلك بعد سقوط الإخوان فى انتخابات نقابة الصيادلة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. والآن تأتى الضربة الثالثة والرابعة والخامسة فيسقط الإخوان فى انتخابات نقابات الأطباء ومع ذلك لا تجد اعتذاراً واحداً يصدر من هذه الإدارة التى أسبغت على الجماعة صفات المحسوبية وإهدار المال العام والكذب، ثم كرروا هذه الجريمة مع الدكتور مرسى، وبدلاً من أن يشفقوا على الرجل الضعيف ويساعدوه على حمل المهام قامت هذه الإدارة الفاشلة بقتله فأرسلت إليه أسوأ الوزراء وأسوأ المستشارين فأمضى عاماً من اليأس يترنح بين التصميم على القرارات الخاطئة وبين العدول عنها بصورة تهز هيبته فكانت الكارثة التى أنتجت زعيماً مهزوزاً فى دولة قوية وكان الخطأ الأكبر فى إدارة هذه البلاد هو أنهم لم يتركوا الرجل يفكر كما أنهم لم يتركوا أعضاء النقابات المهنية لكى يفكروا، فوقع الدكتور مرسى كما وقعت النقابات المهنية. أما المثال الثانى فهو يتمثل فى هذه المظاهرات العقيمة التى لم تنتج إلا فساداً فى الأرض وضحايا على جميع الأصعدة وتنطلق هذه المظاهرات من الميادين لتتقلص إلى الحوارى والأزقة ويُدفع فيها بالفتيات ولا تظهر فيها تلك المعانى الشرعية التى كانت تحيل إليها حركة «الإخوان» فى كل عمل وتصر إدارة «الإخوان» على تكرار الخطأ فتنقله إلى الجامعات ويسعون إلى تعطيل الدراسة، وبالقطع يذهب الضحايا بأخطاء من «الإخوان» أو أخطاء من الشرطة، وتحرق المبانى والسيارات ولا نعرف على أى شىء يكون النضال فى ذلك؛ فحتى لو كان باسم الشرعية فقد عاش الإخوان عقوداً تحت حكم الرئيس الأسبق «مبارك» والرئيس «السادات» وهم لا يعلمون عن الشرعية شيئاً ولم تعد المظاهرات ترفع الأحكام الشرعية لتحتكم إليها، لكنها ترفع علامة صماء لا نفهم لها معنى ولا رمزاً ولا تتصور إدارة «الإخوان» أن المرحلة التى يذهبون إليها بأبناء الدعوة المخلصين هى أسوأ المراحل؛ ذلك أنها هى المرحلة التى سوف يطارد الناس فيها الإخوان فى الشوارع والأزقة إذا ملّ الناس منهم فقد بات الشعب لا يفهم هدفاً لتلك المظاهرات إلا أنها صراع على السلطة يحاول فيه الذين فشلوا فى إدارة المعارك من إدارة «الإخوان» أن يستعيدوا نقطة تفاوض واحدة فيعتمدوا على سمع الشباب لهم والطاعة فينقلوا إليهم الأوامر فيرددها هؤلاء البسطاء من المخلصين . أما المثال الثالث فهو يدور حول المهندس عاصم عبدالماجد، ذلك الرجل الذى يملك فقهاً خاصاً جعله يقتل فى يوم واحد أكثر من مائة وثلاثين نفساً، فلما قُبض عليه روى تفاصيل ما حدث وروى أيضا جميع الروايات التى تحدد دور كل من شارك فى هذه الجريمة، لكنه لم يتألم لأنه كان يعتبر ما فعله مِن قتل إنما هو الجهاد فى سبيل الله ورفض القاضى فى تلك القضية أن يحكم عليه بالإعدام، لكنه أشار إلى سبب ذلك التخفيف بأن هذا الذى يحمل فكراً ضالاً ليس مسئولاً وحده عن ذلك وإنما تسبب فى ضلالته آخرون من أجهزة الدولة وأدان الحكم الصادر ضد عاصم عبدالماجد ما كان يردده من فقه؛ فشبه ذلك بفقه الخوارج والمبتدعين من الذين خرجوا عن وسطية الإسلام ثم قام كرم زهدى ومجموعة من أصحابه بعملية اعتذار رائعة إلى المجتمع المصرى وإلى شريعة الله أيضا، ولكن كان من الملاحَظ أن المهندس عاصم عبدالماجد لا يستحسن ذلك ولا يوافق عليه ثم دارت الأيام دورتها وارتكبت إدارة الإخوان خطيئتها الكبرى فقرنت بين هذا الفكر وفكر الشيخ عبدالمقصود وفكر أيمن الظواهرى وفكر محمد مرسى، وقامت برصهم على طاولة واحدة أمام 20 ألفا من المتفرجين فى قاعة الاستاد المغلق أمام ملايين من الذين ترحموا على ما كان يسمى سلمية فكر «الإخوان» وهم يشاهدون القنوات الفضائية ليقف فيها «عبدالمقصود» وهو يدعو على المصريين لمجرد أنهم يختلفون معه فى الرأى ثم ينتقل شعب مصر بعيونهم المندهشة إلى عاصم عبدالماجد وهو يحكى عن نفسه وأنه سوف يطيح بالرؤوس التى أينعت لأنه قد حان وقت قطافها ولتبدأ صفحة من التحالف بين الدكتور مرسى وطلقات الرصاص، وقد ترتب على هذا الخطأ الجسيم هلاك الفكرة الدعوية السلمية وأن أصبحت حركة الإخوان مصدر خوف وقلق لدى الملايين؛ لأن الرؤوس قد أصبحت تخاف من وقت قطافها، ومع ذلك فقد مرت الأيام وحدث ما حدث من ثورة ضد نظام الدكتور مرسى وقد كان جزءاً من أسبابها ذلك الخوف الذى ملأ الشعب المصرى بسبب تلك التهديدات وغيرها مما كان يطرح على وسائل الإعلام وتمر الأيام مرة أخرى ويقرر الإخوان إنشاء قناة تنطلق من فرنسا باسم «رابعة» وبدلاً من أن تستخدم إدارة الجماعة تلك القناة لإزالة ذلك الخوف والتصور وقعت عبقرية الإدارة على اسم المهندس عاصم عبدالماجد لكى يقوم سيادته بتقديم برنامج يومى ليبث فيه فكره ومنهجه وأسلوبه.. وهكذا يتم الإعلان عن البرنامج وتكرر إدارة «الإخوان» ذات الخطأ بذات الشخص وكأنها تقول للناس: «مفيش فايدة».