عندما تشتد المحن وتتعاظم الخطوب ويتعاقب حدوثها بشكل خطير ومريب، يلوذ الناس بخالقهم طلباً للعون، وأى محن تلك التى يعيشها الوطن والمواطن أقسى مما نكابد فى أيامنا الحالية، والتى تمس فى الصميم أمن وأمان الناس فى البيت والشارع ووصولاً إلى انتهاك حرمة حدود البلاد عبر جماعات التكفير والشر المستطير، فحدود الوطن مثلما استقبلت عناصر ورموزا للتشدد الدينى، كانت جسراً لتهريب الأسلحة.. أسلحة حرب وليست مجرد أسلحة استخدام فردى لبشر يستشعر الخوف والغربة على أرض الوطن!! حوادث متفرقة لفرق التشدد الدينى فى عدد من المدن والقرى المصرية باسم حماية المعتقدات والنهى عن المنكر.. معاودة الإقدام على التهجير القسرى للمصريين المسيحيين بدعوى الحفاظ على أمنهم، وبات الخوف يسكن الشارع المصرى.. للاقتراب من مرتكبى الجريمة الأخيرة فى سيناء، جاء على لسان د.كمال حبيب، المفكر والقيادى السابق بجماعة الإخوان المسلمين، عبر قناة إسلامية: «السلفية الجهادية وتنظيماتها هى المسئولة عن الحادث الإرهابى، حيث تعتبر مثل تلك الجماعات أن الشرطة والقوات المسلحة طوائف ممتنعة بلغتهم؛ بمعنى أنهم يرفضون الاعتراف بشرعية تلك المؤسسات».. نعم، وإذا أضفنا ما هو معروف عن الطابع البدوى المستعلى عن الواقع، فيكون مبرراً ذهاب بعضهم لاتخاذ مظلة فكرية ما لتغطية توجهاتهم العنيفة.. ولكن ما أثار الدهشة ما تردد حول تصريح المخابرات الإسرائيلية بأنها أبلغت المخابرات المصرية بكارثة سوف تحدث يوم الجمعة قبل الماضية، وعند الربط بين دلالة التصريح، وما تم إطلاقه من قبل السلطات الإسرائيلية من تحذيرات لمواطنيها لمغادرة سيناء، ثم تصريح رئيس المخابرات المصرية بعلم جهازه بترتيبات الذهاب إلى تدبير تلك الكارثة وأن ما منعه عدم تصديقه أن يقدم مسلم على قتل أخيه المسلم وفى شهر رمضان (وحسناً كان قرار عزله).. أمام كل تلك المعطيات والتصريحات نكون أمام علامات استفهام كثيرة، لعل أهمها هل يعمل أى جهاز مخابرات وفق قياس مدى معقولية ما يسعى إليه المجرمون أم مدى قدرة وعزم المخططين لتلك الجريمة ومدى سماح المناخ العام والظروف الجغرافية والأمنية فى تلك المنطقة لأن ينجح مسعاهم الإجرامى؟! ومن غرائب القول أيضاً بالمناسبة تصريح المحامى عصام سلطان الذى حمّل مبارك مسئولية الحادث وأن الوطن سيظل يعانى من بلاوى الرئيس المخلوع، وعلق فلان مفروساً: هل مبارك من فتح المعابر؟! هل مبارك من أفرج عن الرموز الجهادية السلفية؟! هل مبارك هو من تلقى التحذير وعمل «ودن من طين وودن من عجين»؟! أمام كل تلك الألغاز نلجأ دائماً لرب العزة مبتهلين طالبين العون والمدد نصرخ: «يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف».. وبمناسبة مناجاة الخالق العظيم، أذكر ما جاء فى مقالات شهيرة للكاتب الكبير توفيق الحكيم عندما طلب السماح من الخالق العظيم سبحانه وتعالى أن يقيم حوارا معه (وهو بالطبع حوار افتراضى)، وهو ما اعتبره كبار الشيوخ والمفكرين فى زمانه تجاوزا وخروجا على تعاليم الدين الإسلامى وتعديا على الذات الإلهية، ومما قاله الحكيم فى مقالاته: «لن يقوم إذن بيننا حوار إلا إذا سمحت لى أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيلا وتأليفا، وأنت السميع ولست أنت المجيب، بل أنا فى هذا الحوار المجيب عنك افتراضاً، وإن كان مجرد حديثى معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائى -فى زعمهم- على مقام الله سبحانه وتعالى، خصوصا أن حديثى معك سيكون بغير كلفة»، وأثارت هذه المقالات الغضب على «الحكيم»، بل إنها فتحت عليه أبواب النقد من كل ناحية، كتب الأستاذ عمر التلمسانى بجريدة النور فى 9 مارس 1983 مقالا تحت عنوان: «أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم؟» قال فيه: «هل نسى هذا المتحدث مع الله أن العليم الخبير قد قال بالقول القطعى الثبوت، القطعى الدلالة: «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم»، فإذا كان هذا هو كلام الذات العليا التى يقول الأستاذ إنها ردت عليه فأيهما نصدق: كلام الله وقرآنه، أم كلام الكاتب الضليع الفيلسوف الحكيم؟!». وقال الشيخ محمد متولى الشعراوى: «الكلمة عند عباد الله محدودة بكمال المتكلم، فجاء توفيق الحكيم ليخضع كمال الله الأزلى إلى كماله المحدود، ويجعل الله سبحانه وتعالى يتكلم بلسان توفيق الحكيم وفكره وعقله، وكأنه فى هذه الحالة قد أخضع فكر الخالق وقوله لفكر المخلوق فهل يصح هذا؟ وهل يمكن أن يضع فكر الخالق لفكر مخلوق بحيث يتساوى الفكر بينهما؟ وهل من الممكن أن أخضع أنا المخلوق الضعيف فكر الله لفكرى فأتحدث عنه وأتكلم عنه أليس هذا خطأ؟!». ذكر حكاية الحكيم ليس لتجديد الحوار حول ما ذهب إليه الحكيم وطرحه، ولكن بغرض عرض مثال لحالة الحوار الفكرى المقبولة والمعقولة فى غير تشنج، أو اللجوء إلى رفع قضايا على كل صاحب فكرة أو رأى أو طرح جديد، أو الذهاب إلى التكفير والتفريق عن الزوجة، والأمر الثانى هو إعلان رغبتى فى الإفصاح فقط عن شكواى أرفعها إلى الله باعتبارى مواطناً مصرياً يعيش حالة إحباط وحزن، مُتعلقاً برغبة أشارك فيها رفاعة رافع الطهطاوى (1871- 1873م)، رائد التنوير فى مصر الحديثة، «ليكن الوطن محلاً للسعادة المشتركة بيننا نبنيه معاً»..