هى البقعة الكريمة الغالية، التى هى جوهرة مصر، وأشرف بقاعها، ففيها تجلى الله تعالى على جبل الطور، وفيها كلم سبحانه موسى عليه السلام، وأنزل عليه فيها التوراة، وفيها صلى سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلة الإسراء، فيما رواه النسائى وابن جرير من حديث أنس، وهى التى ذكرها الله تعالى تصريحا فى كتابه، فقال سبحانه: (وشجرةً تخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بالدُّهْنِ وصِبْغٍ للآَكِلِينَ)، (سورة المؤمنون، الآية 20)، فجعلها الله تعالى مكانا مباركا، وشرّفها مرة من بعد مرة، وفيها جرت المعارك الكبرى فى تاريخ مصر كلها، انتهاء بحرب العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، فأُريقت فيها الدماء المصرية الطاهرة، دفاعا عن الوطن، وحماية لأراضيه، وقد اعتنى السلاطين والخلفاء عبر التاريخ بتعمير سيناء، حتى امتاز العصر الأيوبى مثلا بالاهتمام البالغ بتعمير سيناء، نظرا لظروف الحروب الصليبية، التى كانت تملى عليهم ضرورة تجديد القلاع والموانئ، تأمينا لأراضى سيناء، وحماية لها من أى تسلل أو اختراق أمنى صليبى، حتى قام صلاح الدين الأيوبى بتعمير ميناء الطور وإصلاحه عام 580ه/1184م، فعمر المراكب والميناء وبدأت تصله المراكب المحملة بالبضائع من اليمن وهجر أصحاب المراكب ميناءى القصير وعيذاب، وقد تبع ذلك أن صارت الغلال ترسل إلى الأراضى الحجازية بصورة دورية ومنتظمة، وشجع ذلك حركة التجارة فى البحر الأحمر، فهذه صورة مهمة من إسباغ الرعاية على سيناء وتأمين أوضاعها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وكان العصر المملوكى أيضا فترة استقرار فى شبه جزيرة سيناء نتيجة الاهتمام الملحوظ بطريق الحج إلى مكة والمدينة، فقام بيبرس البندقدارى (658 - 676 ه /1260-1277م) بتمهيد طريق العقبة، بعد فتح أيلة، فصار الطريق الواصل ما بين السويس والعقبة هو طريق الحج المصرى، الذى تسلكه قوافل الحج المصرية، خصوصا قافلة المحمل الشريف التى تحمل كسوة الكعبة المشرفة من مصر إلى مكة، التى ظلت مصر عبر التاريخ تتشرف بإرسالها إلى الكعبة المشرفة، وما توقفت إلا هنا بالأمس القريب، سنة 1961م، كما أمّن المماليك الطريق إلى الشام من غارات العربان؛ لتأمين طريق البريد والمراسلات بين مصر والشام، وفى العصر العثمانى أيضا قام السلطان سليم الأول ابتداء من عام 1517م بتعمير سيناء وأولاها عناية فائقة، فأولى المنشآت العسكرية فى سيناء عناية خاصة وفائقة؛ لأهميتها الاستراتيجية، فبنى قلعة العريش، ورمم قلعة مدينة نخل، التى بناها من قبل السلطان قنصوة الغورى، فراجت حركة التجارة بين مصر والشام، وكان لهذا الرواج أثرٌ حميدٌ على سكان سيناء، الذين يقومون بنقل التجارة بين البلدين، حيث كان الطريق البرى هو الطريق المفضل لنقل البضائع لرخص تكلفته وسهولته، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على جمال عربان سيناء، مما كان يحقق دخلاً للعربان القائمين بحركة النقل فى سيناء، واهتمام الدولة بهذا الطريق وتأمينه، كان يحقق أمن المسافرين والتجار، وهكذا كانت سيناء عبر العصور محل الاهتمام والتعمير، ومحل العناية والتأمين لإدراك القائمين على شئون مصر لمحوريتها وفضلها واستراتيجيتها، إلى أن جاءت معاهدة كامب ديفيد، وملاحقها الأمنية، فانتقصت سيادة مصر على سيناء، وجعلت يد مصر مغلولة عن تأمينها وتعميرها مع تراجع القيادة المصرية أيام الرئيس المخلوع عن الاهتمام بها أصلا ونسيان أهلها وقبائلها، بل مع إهانتهم وإطلاق يد الأجهزة الأمنية الخانقة والمهينة لأهلها، بدلا من وضع سيناء وأهلها فى قلوبنا جميعا، والتوجه إليها بكل طاقاتنا واستيعابنا لملفاتها، ولا شك فى أن الحادث الإجرامى الوضيع، يوم الأحد الماضى، ناقوس خطر شديد لكل مصرى غيور على تلك البقعة الغالية، ويكشف عن وجوب التغيير الجذرى لطريقة تعاملنا مع سيناء، وأنا أضم صوتى إلى صوت الدكتور معتز بالله عبدالفتاح فى مقترحاته بإنشاء وزارة خاصة بسيناء لإدارتها وتعميرها والتنسيق مع شيوخها وقبائلها لتأمينها ورفع كافة أوجه المعاناة عن أهلها وتعديل معاهدة السلام لبسط السيادة المصرية كاملة على أراضيها الطاهرة وفتح أبواب الاستثمار هناك بكل السبل والوسائل ومطاردة كل الطوائف والفرق التكفيرية التى تمرح فى أرض سيناء الطاهرة بفكر مظلم، لا يعترف بدولةٍ ولا إدارةٍ لمصر، فهيا بنا نلتف جميعا حول هذه المقترحات، حتى تتحول إلى مشروع قومى ينصهر الشعب المصرى كله فى تنفيذه، وتكون بداية لتشكل إرادة وطنية تنجز ملفا من الملفات المهمة، هيا بنا لنشعر بأننا قادرون على إخراج بلدنا من نفق مظلم، ولنحول كوارثه إلى منطلق للنهضة، ونسأل الله أن يحفظ مصر وأهلها وأرضها وشعبها بحفظه، إنه سبحانه ولى ذلك والقادر عليه.