أبدأ بتوضيح العنوان، فالقطبية الثنائية وصف شاع استعماله للنظام العالمى بين عامى 1945 و1990، فخلال تلك الفترة تسيد العالم قطبان: الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتى. دار بينهما صراع حدد السياسات العالمية فى مجملها وتفاصيلها. وكان صراعاً أيديولوجياً؛ فأمريكا رأسمالية وروسيا شيوعية، لكل منهما كتلة تتبعه. وبين الكتلتين وقفت دول على الحياد ارتأت أن مصلحتها فى عدم الانحياز لهذا أو ذاك. وكان للقطبين وجود فى شتى بقاع الأرض. كل منهما يحرص على تعزيز نفوذه فيها والاستيلاء على مواقع جديدة من الطرف الآخر متى استطاع. ولم يدخل القطبان حروباً مباشرة ضد بعضهما وإنما خاضا صراعاتهما بالوكالة. فكانت موسكو وواشنطن تتحاربان فى القرن الأفريقى مثلاً لكن عبر أثيوبيا والصومال. ولم يمنع الصراع حدوث انفراج بينهما وبدء ما عرف بسياسة الوفاق. فلما انهار الاتحاد السوفيتى انتهت القطبية الثنائية ودخل النظام العالمى مرحلة جديدة رأى البعض أنها تؤسس لهيمنة القطب الواحد فيما رآها آخرون بداية لتعدد الأقطاب بفضل قوى صاعدة تستطيع الحيلولة دون تحقيق هيمنة أمريكية كاملة. حسنٌ. ما علاقة هذا كله بالحالة المصرية؟ الجواب هو أوجه الشبه العديدة بين السياسة فى مصر حالياً وكل الملامح السابقة الإشارة إليها. فلدينا بعد الثورة مثلاً قوى سياسية عديدة، لكن هناك قطبان كبيران العلاقة بينهما هى التى تحدد المسار: الإخوان المسلمون والمجلس العسكرى. والصراع بينهما وإن دار على السلطة إلا أن للأيديولوجية دخل فيه. فالإخوان على وجه التحديد يمثلون تياراً أيديولوجياً يعمل بدأب وصبر لتغيير المجتمع بأكمله. أما المجلس العسكرى فليست لديه رؤية أيديولوجية لكن لديه موقف ضد الأيديولوجية يظهر فى تأكيداته على رفض سيطرة جماعة بعينها على الساحة. وبين القطبين تقف قوى سياسية على الحياد، لا هى مع الإخوان ولا العسكر. تتطلع إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية لكنها لا تستطيع كسر تلك القطبية الثنائية وتقديم بديل ثالث يلتف حوله المصريون. ملمح آخر للتشابه يبدو فى حرص القطبين على توسيع دائرة نفوذهما فى المناطق التى تهمهما. وأحدث مثال لذلك نزوع الإخوان فى التشكيل الحكومى الجديد إلى تولى حقائب وزارية تتيح لهم الانتشار الجماهيرى الذى يعولون عليه للترويج لبرنامجهم، واحتفاظ المجلس العسكرى بالحقائب الوزارية التى تُبقى على مفاصل القوة الأساسية فى يده. ناهيك عن محاولة كل قطب التوسع على حساب القطب الآخر. فالإخوان مثلاً حاولوا إحياء مجلس الشعب بعد أن أبطله القضاء لتكون لهم السلطتان التنفيذية والتشريعية، بينما أصدر المجلس العسكرى إعلاناً دستورياً مكملاً أبقى سلطة التشريع فى يده. يلاحظ أيضاً أن القطبين المصريين لا يتواجهان مباشرةً وإنما يخوضان معاركهما بالوكالة. المجلس العسكرى له وكلاء مدنيون، أفراد وكيانات حزبية، بجانب المحكمة الدستورية التى يرى عدد من المحللين فى طريقة تدخلها مؤشراً يظهر أنها تتصرف كوكيل عن المجلس العسكرى وليست كسلطة قضائية مستقلة تماماً. والإخوان بدورهم لهم وكلاء كثر من المتعاطفين معهم ممن ينشطون للرد بالنيابة عنهم كلما استدعى الأمر. ومع أن القطبين بينهما صراع لا يخفى إلا أن هذا لم يحل دون الوفاق والتنسيق بينهما مراراً. فليس من مصلحة قطب منهما وهو يرى ما لدى الآخر من ركائز قوة أن يرفض التنسيق معه أو يستعديه. ما لا يعرفه أحد إلى الآن هو كيف ستنتهى تلك القطبية الثنائية فى الحالة المصرية. لن تنتهى على الأرجح باستسلام قطب وسقوطه كما جرى فى النظام الدولى. المأمول أن يظهر قطب ثالث أو عدة أقطاب ليطمئن المجلس العسكرى بأن مصر لن تسيطر عليها جماعة واحدة، وليقتنع الإخوان بأن «البلد اللى جابتهم جابت غيرهم».