تابعت مؤخرا ما يحدث فى دهشور فيما اصطلح على تسميته الفتنة الطائفية، وفجأة طفا على سطح ذاكرتى بداية عملى كصحفى وباحث فى هذا الملف منذ 1981، غصت فى الأرقام والإحصائيات منذ 1981 وحتى نهاية حكم مبارك 2011، مقتل 170 مواطنا قبطيا وجرح 811، ونهب ممتلكات 1384، والاعتداء على 103 كائس، حدث ذلك فى 324 حادثة، تخلل ذلك عشر مذابح ارتكبتها تنظيمات العنف المسلحة الإسلامية، مثل الكشح والدير البحرى والقوصية وصنبو وأبوقرقاص وصولاً لمذبحة كنيسة القديسين بالإسكندرية، كل تلك الجرائم ولم يقدَّم أحد للمحاكمة سوى فى الكشح، ولم يُدَن أحد لعدم كفاية الأدلة رغم مقتل 24!! والإدانة الوحيدة كانت من نصيب الكمونى فى مذبحة نجع حمادى. ويزعم بعض القانونيين الأقباط أن الحكم بالإعدام ليس لقتل الكمونى خمسة أقباط بل لقتله مواطنا مسلما! تنفس الأقباط الصعداء بعد مشاركتهم فى ثورة 25 يناير، ولكن الرياح السلفية أتت بما لا تشتهيه سفن الأقباط، وتم حرق وهدم ثلاث كنائس: الشهيدين بأطفيح والعذراء بإمبابة ومارى جرجس بالماريناب. ودارت عجلة الفتن البغيضة وقُتل 13 فى منشية ناصر و6 فى إمبابة و27 فى ماسبيرو و2 فى كل من نزلة ورومان وأبوقرقاص، إضافة إلى 311 جريحا، كل تلك الجرائم فى 10 شهور ولم يقدَّم أحد للمحاكمة!! وهكذا فإن المتوسط الشهرى لضحايا 2011 يفوق مرتين المتوسط الشهرى لكل أحداث العنف الطائفى التى استهدفت الأقباط منذ 1972، والأمر الأخطر أن الجرائم التى حدثت فى عهد مبارك ارتكبتها تنظيمات مسلحة ذات أيديولوجيات متطرفة، أما كل ما ارتُكب بعد 2011 فارتكبه مواطنون عاديون، الأمر الذى ينبئ بأن أيديولوجيات التطرف أصبحت ذات أبعاد شعبية قاعدية للأسف. من هذا المنطلق نعود إلى حادث دهشور الذى لن يكون الأول ولا الأخير، إلا أنه من الملاحظ أنه الحادث التاسع فى عامين فقط فى محافظة الجيزة خاصة الجزء الجنوبى من العمرانية وحتى العياط، تلك المنطقة التى تضم مهاجرين أقباطا من الصعيد شمالا (مثل العمرانية والثلاثينى)، وتضم تركيبة سكانية ذات أصول عربية جنوبا (من البدرشين وأطفيح وصولا للعياط)، كما تشهد فى العشر سنوات الأخيرة نشاطا تنظيميا ودعويا لبعض التيارات السلفية ذات التوجه الوهابى، مع الأخذ فى الاعتبار موقف هذه التيارات من غير المسلمين، ومن الملاحظ أيضاً رد الفعل الشرطى بين تفجر أى حدث عادى وتحوله لطائفى سرعان ما يتحول للهجوم على الكنيسة، كل تلك الملاحظات لم تشغل أحدا من الباحثين سواء الاجتماعيون أو السياسيون أو الأمنيون، إضافة لما شهده عصر مبارك من تسييد الحلول العرفية على حساب القانون، مما جعل النزعات القبلية والعرفية فوق الدولة، واقترنت تلك النزعات بقيم البداوة السلفية، مما أوجد مناطق حكم شبه ذاتى لا يطبق فيها القانون إلا فى قضايا أمن الدولة، وإذا ما أضفنا لذلك الشرعنة القانونية والمعنوية التى حصل عليها الإسلام السياسى نستطيع أن ندرك أى خطر ينتظر دولة فكك نظام مبارك عوامل الاندماج القومى لها، وتجهز التيارات السلفية القبلية على ما تبقى. إذا ما أضفنا لذلك ما يحدث فى سيناء، أو التوترات النوبية دون إغفال للمخططات الخارجية فمن المتوقع أن يكون الرئيس مرسى هو آخر رئيس لمصر الموحدة.