الجريمة التي وقعت في قرية دهشور بمركز البدرشين جنوب محافظة الجيزة في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي (يوليو 2012) وأدت إلي مقتل «معاذ محمد حسن» الذي تواجد في المكان بالصدفة وحرق منازل ومحال الأقباط في القرية وتحطيم سيارات واقتحام كنيسة القرية وتدمير محتويات غرفة راعي الكنيسة وتهجير لأسر مسيحية بالكامل من القري.. هي أحد تجليات «الفتنة الطائفية» التي هددت وتهدد الاستقرار والأمن في مصر، وقبل ذلك تهدد وحدة المجتمع المصري وتنتهك حقوق المواطنة. ومبادرة وزير الداخلية الجديد للقول إن «أحداث دهشور ليست فتنة طائفية، ولكنها مجرد مشاجرة بين مجموعة من المواطنين» تبسيط مخل للأمر وخطيئة ومحاولة فاشلة لإخفاء الحقيقة واستخدام نفس آليات نظام «السادات – مبارك» والتي أدت إلي استفحال ظاهرة «الفتنة الطائفية» في مصر طوال أربعة عقود. صحيح أن الأحداث بدأت بمشادة بين مكوجي مسيحي ومواطن مسلم حرق المكوجي قميصه أثناء عملية الكي، إلا أن تحولها إلي صدام بين المسلمين والمسيحيين استخدم فيه زجاجات المولوتوف الحارقة وتم تحطيم ممتلكات الأقباط واقتحام الكنيسة يكشف عن وجود احتقان طائفي سرعان ما يشتعل بمجرد وقوع حادثة عادية طرفاها مسلم ومسيحي. لقد عرفت مصر ظاهرة «الفتنة الطائفية» كنتيجة مباشرة لانقلاب 13 مايو 1971 الذي قاده الرئيس الراحل أنور السادات، واستخدم «الدين» كسلاح ضد معارضيه سواء من أعوان الرئيس جمال عبدالناصر، أو التيارات اليسارية والشيوعية والناصرية، بدءا بتسمية نفسه ب «الرئيس المؤمن» وإبراز كلمة «محمد» قبل الاسم الذي اشتهر به «أنور السادات» ثم إضافة «مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع» في المادة الثانية من دستور 1971، وساعدته مجموعة من العوامل في مقدمتها آثار هزيمة 1967 وهيمنة الخطاب الديني التقليدي علي حساب الخطاب السياسي وطرح تفسيرات دينية «إسلامية ومسيحية» لأسباب الهزيمة، إضافة إلي ارتحال المصريين للعمل في الخليج إثر الأزمة الاقتصادية والاجتماعي وتأثرهم بالإسلام الخليحي أو الإسلام البدوي والمذهب الوهابي، وشيوع التعصب الناتج عن الهزيمة والأزمة الاقتصادية الاجتماعية، وتراجع الهوية الوطنية وناظمها الأساسي المواطنة وبروز الهويات الصغري «الأسرة – العشيرة – القبيلة – الجامع – الكنيسة» ورواج خطاب الإخوان المسلمين – بعد تحالف السادات معهم في السبعينيات – والخلط المتعمد بين الدين والسياسة وإحياء الرابطة الدينية علي أسس من الأممية الإسلامية بديلا عن الرابطة الوطنية، والقيود علي الترخيص ببناء الكنائس وترميمها، وتجاهل المناهج الدراسية للحقبة القبطية في التاريخ المصري والتي استمرت ستة قرون منذ عام 70 ميلاديا إلي عام 641 ميلاديا، والتمييز ضد الأقباط في الوظائف العامة.. إلخ. وبدأت هذه الأحداث في نوفمبر 1972 – العام التالي لانقلاب 15 مايو وصدور دستور 1971 والنص علي أن مبادئ الشريعة الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع – بحرق كنيسة الخانكة، وتتوالي الأحداث أعوام 1975 و1976 و1977 و1981 «الزاوية الحمراء» و1999 و2000 «الكشح» و2001 «صحيفة النبأ» و2002 «قرية بني واللمس بالمنيا» و2003 «العياط» و2004 «أبوالمطامير» و2005 «أبوقرقاص» والإسكندرية 2006 «الإسكندرية» و«قرية العدسات بالأقصر»، و2007 «قرية بمها بالعياط» و«تكفير محمد عمارة للأقباط وإباحة دمهم» و2010 «سمالوط» و«الإسكندرية» ليلة رأس السنة 2011 «كنيسة القديسين». وبعد ثورة 25 يناير 2011 كان مفترضا أن تعالج الدولة أسباب الفتنة، ولكن الوضع استمر علي ما هو عليه، وزاد الأمر خطورة هيمنة الإخوان المسلمين علي مؤسسات الدولة بالتحالف مع حزب النور وأحزاب تيار الإسلام السياسي الأخري لتصبح البيئة مهيأة لمزيد من الاحتقان الطائفي، وتتوالي أحداث طائفية خلال العام الماضي مثل هدم جدار دير الأنبا بوشوي (23 فبراير 2011) وأحداث كنيسة صول (4 مارس)، ومذبحة ماسبيرو (9 أكتوبر) وفتنة امبابة في 4 مايو (6 قتلي و75 مصابا) وأحداث ماسبيرو التي تلتها، وأحداث كنيسة الماريناب (30 سبتمبر) ومذبحة ماسبيرو الثانية (9 أكتوبر 2011)، وأخيرا جريمة «دهشور». واستمرار الصمت علي هذه الفتنة أو إنكار وجودها جريمة في حق الوطن والمواطنين والحلول معروفة وواضحة، ومسجلة في البيان الصادر عن مؤتمر الوحدة الوطنية ومواجهة الفتنة الطائفية الذي عقد في نقابة الصحفيين في أكتوبر 2010، ولا يحتاج تنفيذها أكثر من توافر الإرادة السياسية والعمل من أجل الوطن وليس الحزب أو الجماعة.