أكد المخرج محمد ياسين أن أزمة صناعة السينما ممتدة منذ سنوات طويلة، وجاءت نتيجة عوامل كثيرة، تسببت فيها الدولة وصناع السينما أنفسهم، وقال «ياسين» فى حواره ل«الوطن»، إن تشكيل لجنة من قبل مجلس الوزراء لإنقاذ صناعة السينما أمر إيجابى، لكن نجاحها مرهون بوجود إرادة حقيقية عند الدولة وصناع السينما لإنقاذ الصناعة التى أوشكت على الانهيار. وقال «ياسين» إنه ينبغى استغلال الوقت والظرف التاريخى الراهن، الذى تتم فيه صياغة الدستور، لوضع قوانين تحمى حرية الإبداع وأفكار المبدع، وتجرم السطو على حقوق الملكية الفكرية، وغيرها من الأفكار التى طرحها محمد ياسين فى حواره، الذى أنهاه بإعلانه عدم تفاؤله بما يجرى حالياً. ■ كيف رأيت تشكيل مجلس الوزراء لجنة لإنقاذ صناعة السينما؟ - فى البداية أود أن أشير إلى أننى منذ أن بدأت فى العمل بصناعة السينما، منذ حوالى 25 عاماً، وأنا أسمع الكثير من الكلام الذى يتردد عن وجود أزمة فى صناعة السينما، وعن عشرات اللجان التى تم تشكيلها، لذا عندما تقول لى إن هناك لجنة قد شُكلت فإننى أدرك على الفور أن الحلول سيكون مصيرها الأدراج المغلقة، لأن المشكلة قُتلت بحثاً، وتحدثنا من قبل عن كل المعوقات، لكن هذه المرة يأتى تشكيل اللجنة فى ظروف مختلفة بعد ثورتين، وفى ظل مجتمع يشهد الكثير من المتغيرات بعد أن حكمت قوى ظلامية حملت خطابا معاديا للفن والثقافة، لذا بات من الضرورى على المستوى الثقافى والسياسى أن يتوافر لنا الخطاب البديل لمواجهة الأفكار التى سيطرت بشكل كبير على نظرة المجتمع للفن، وبالتأكيد جزء أساسى من المشروع التنويرى المضاد لهذه الأفكار، يأتى من خلال تفعيل دور السينما المصرية، والسؤال المطروح الآن: هل تدرك الدولة أهمية دور السينما؟ هل ترغب فى أن تقدم دوراً تنويرياً وثقافياً فى الفترة المقبلة بجانب الدور الأمنى الذى تلعبه؟ هذا وحده الذى سيحدد مصير عمل هذه اللجنة، التى أعتبر تشكيلها شيئاً جيداً وإيجابيا. ■ كيف ترى جذور الأزمة فى ضوء اللحظة الراهنة بكل مستجداتها؟ - نحن الآن فى وقت يوضع فيه دستور جديد ويتم ترسيخ شكل مختلف عن علاقة أبناء المجتمع ببعض، عن دور الإبداع والحريات والهوية وغيرها من الخطوط العريضة، لذا ينبغى أن يدرك الجميع أن هناك خللا ما فى علاقة هذا المجتمع بالفن بوجه عام، فهناك قوى شاركت عبر سنوات طويلة فى العمل على تحريم الفن المصرى، وبالتحديد فى العشرين عاماً التى تم فيها تكوين جبهة معادية للفن، وللأسف شارك فيها بنسبة ما الإعلام وعدد كبير من الفنانين أنفسهم، الذين خلقوا مصطلحات معادية للفن، مثل «السينما النظيفة» و«أفلام العائلة»، هؤلاء أساءوا للفن ليس فقط بتصريحاتهم، لكن بالأفلام التى صنعت لمغازلة التيار المعادى للفن، لذا ينبغى أن تضع الدولة فى اعتبارها ضرورة تصحيح المفاهيم، وعقد مصالحة حقيقية مع الفن والفنانين، بجانب تجريم كل موقف يعادى الفن، وهذه نقطة جوهرية، بجانب ضرورة تطبيق ما يسمى العزل الفنى على هؤلاء الفنانين الذين تاجروا بهذه الأفكار وتربحوا منها وأساءوا للفن. ■ وهل تشعر أن هناك إرادة سياسية حقيقية لذلك؟ - فى الحقيقة لا ألمس هذا فى الوقت الحالى، فقد كنت أنتظر العديد من الخطوات الإجرائية التى تسبق تشكيل اللجنة، لتدلل على أن هناك نية حقيقية للنهوض بالسينما، مثل أن يتم تخصيص عدد من الأراضى فى المحافظات لإقامة دور عرض سينمائية، عن طريق تسهيلات تقدم للمستثمرين، وغيرها من القرارات الجريئة التى تثبت أن الحكومة معنية بأزمة السينما وتدرك بالفعل أبعاد هذه الأزمة، وأن تبرهن الدولة على أنها تدرك أهمية هذه الصناعة بالنسبة لها على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى. ■ وكيف ترى الخطوات التى يجب أن تتبعها الدولة لتنهض بالصناعة؟ - أهم هذه الخطوات ينبغى أن تبدأ من أكاديمية الفنون، والتى تضم معاهد متخصصة مثل معهد السينما، مهمته تخريج دفعات من الفنانين، تقود الصناعة والحركة السينمائية فى المستقبل، لذا من أهم القرارات التى ينبغى أن تتخذها الدولة هى الاستعانة بكوادر أجنبية للتدريس فى المعهد، لتضمن صقل موهبة الطلاب الدارسين وتطوير المناهج والأدوات وتأهيلهم، والخطوة الثانية هى تشجيع المستثمرين باعتماد تسهيلات وخطوات إجرائية تدفعهم لاستثمار أموالهم فى الصناعة، وتهيئة المناخ لتطوير الصناعة، مثل تخفيض الجمارك على المعدات والخامات، والضرائب المفروضة على دور العرض، أيضاً تضافر جهود الوزارات التى يتداخل عملها مع تلك الصناعة وأن تكون بحق فى خدمة صناعة السينما، كى تعود عليها الفائدة فى المستقبل، وأن تدرك أن السينما صناعة استراتيجية وليست ترفيهية، من جانب آخر ينبغى أن تقام مهرجانات سينمائية فى كل محافظات مصر وعدم تركيز الجهود على مهرجان واحد فقط مثل مهرجان القاهرة، ونشر الثقافة السينمائية فى كل المحافظات عن طريق قصور الثقافة، وأخيراً المركز القومى للسينما الذى ينبغى أن يتم استغلال الذاكرة السينمائية والأرشيف الذى يملكه فى إنشاء قناة فضائية للأفلام الوثائقية تستفيد منها الدولة والصناعة. ■ كيف ترى أداء غرفة صناعة السينما فى الفترة الماضية؟ - للأسف غرفة صناعة السينما تكونت فى الفترة الماضية من مجموعة من المنتجين، الذين اهتموا فقط بإدارة مصالحهم الخاصة، ولم يكن لديهم هم حقيقى بإنقاذ الصناعة، فماذا فعلوا مثلاً فى كارثة تسمى القرصنة والتى انتقلت من الإنترنت إلى الفضائيات؟ وما الخطوات الفاعلة التى اتخذوها؟ وفى أى اتجاه؟ وما جدواها حتى الآن؟ فى الحقيقة إنها كيان هلامى لم يقدم شيئا للصناعة، فضلاً عن أنها لم تدفع عنها الأذى، وهذه هى الكارثة، المنتجون الذين سيطروا على الغرفة ساهموا بنسبة كبيرة فى تدهور حال الصناعة، فمثلاً كان ينبغى أن يتم منع الموزعين من امتلاك دور عرض، وللأسف هناك تداعيات كثيرة لهذه الأزمة، منها أن أى فيلم يتم إنتاجه لا يتوافق مع خيالهم تتم محاصرته وتوزيعه بشكل مقتضب ويتم قتله، نحن لسنا ضد أن يحقق المنتجون مكاسب، لكن الأهم أن تحقق الصناعة مكاسب واستمرارية. ■ وبالنسبة لاحتكار النجوم وتأثيره على العملية الفنية؟ - بكل تأكيد كان هذا جزءا من أسباب انهيارها، وكان هذا جزءا من اختفاء منظومة القيم والأعراف الحاكمة للعملية الفنية خلال السنوات الماضية، مثل عدم أهمية النص أو الإخراج أو تقاليد الصناعة أو جودة الصورة، ولكن الأهم هو النجم، وهذه كارثة، هل هناك احترام لقيمة النص فى السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة؟ هل هناك احترام لقيمة المخرج؟ للأسف لا يوجد ذلك بالقدر الكافى. ■ وماذا عن دور السينما المستقلة والإنتاج فى حل الأزمة؟ - يجب أن يتم تخصيص قاعات عرض فى المولات الكبيرة التى تملك أكثر من شاشة للسينما المستقلة، وينبغى أن يقوم المركز القومى للسينما بدوره فى تفعيل الإنتاج المشترك، من خلال لجنة المهرجانات التابعة له، لا بد أن يصدق الجميع فى نواياهم وأن يعمل الجميع من أجل السينما بصدق وحب وإخلاص. ■ هل أنت متفائل بما يجرى من محاولات؟ - للأسف لست متفائلا، ولن أتفاءل حتى يتم تغيير نظرة المجتمع للسينما والفن على أنها إما شىء سيئ أو مجرد وسيلة للتسلية على أفضل حال، وللأسف النجوم أنفسهم الذين ظهروا فى السنوات الأخيرة لم يحبوا السينما، حيث تربحوا منها ولكنهم لم يدافعوا عنها، وتم استغلالهم أسوأ استغلال للقضاء على الصناعة، وفى رأيى أن التفاؤل يبدأ حين نشعر أن هناك رغبة حقيقية من الدولة ومن صناع السينما أنفسهم للارتقاء بالسينما. حماية المبدع بداية لا بد من قوانين لحماية المبدع وأفكاره، وأن تتم تهيئة مناخ للاستثمار فى صناعة السينما، وأن يتم تجريم عملية السطو على المصنفات الفنية، وأن يتم تفعيل مواد الملكية الفكرية كى تضمن حياة آمنة للمبدع تخرجه من دائرة الاحتياج، ليصبح لديه القدرة على الاختيار والتفرغ للإبداع الجاد.