السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة    "الدفاع التايوانية" تعلن رصد 26 طائرة و5 سفن صينية في محيط الجزيرة    أوستن: لا مؤشرات على نية حماس مهاجمة القوات الأمريكية في غزة    انتهاء أزمة الشيبي والشحات؟ رئيس اتحاد الكرة يرد    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    نجم الأهلي يقترب من الرحيل عن الفريق | لهذا السبب    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين جائزة حرية الصحافة    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    أول تعليق من أسرة الشهيد عدنان البرش: «ودعنا خير الرجال ونعيش صدمة كبرى»    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    بشير التابعي: من المستحيل انتقال إكرامي للزمالك.. وكولر لن يغامر أمام الترجي    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الوطن» تقود الأهالى لاقتحام وكر خطف الأطفال فى 6 أكتوبر
الأهالى: قوات الشرطة ليس لها أى دور.. ومعظم آباء المخطوفين لا يتقدمون ببلاغات خوفاً على حياة أطفالهم
نشر في الوطن يوم 17 - 10 - 2013

كعادته، استيقظ «عادل العمدة» من نومه بعد شروق الشمس بساعتين، وسط كلاكسات التكاتك وغبار الأتربة التى تخللت نوافذ شباكه الخشبى، فى منطقة المرج العشوائية، بدّل ملابسه، نظر إلى النتيجة المعلقة على الحائط تعلوها صورة للسيدة مريم بوشاحها الأزرق، قطع بسبابته ورقة منها، تعلن الجمعة 20 سبتمبر، وكأنه لم يعلم بعد أن هذا اليوم هو الأسوأ فى حياته كلها، أغلق الباب وراءه، ليذهب صوب المقهى الذى يجاور آخر محطات المترو، متمتماً بتسبيحات ربانية، ممزوجة بأقوال شعبية «ربنا يجعل صباحنا نادى».
داخل إحدى غرف تلك الشقة المتواضعة، يغفو طفل صغير، يلقى بجسده النحيل على إحدى الأسرّة، فيما يغط فى نوم عميق، مصحوب ب«شخير» مكتوم، بعد يوم عمل ثقيل على بنيانه، كان كفيلاً بإهلاك فقراته.. «عماد» الذى لم يتعد عمره 11 عاماً، ينتهى يومه بإسدال باب محل البقالة الذى تمتلكه الأسرة وتجلس فيه الوالدة ليضحى مصدر دخل ضئيل لهم، ليلوذ إلى الشقة منهكاً، قبل انتصاف الليل، يملأ معدته من الطعام الموجود ثم ينام، وماذا يفعل وهو رجل البيت الوحيد بعد والده، و5 من شقيقاته، إلا أن تلك الوتيرة الحياتية المنظمة أصابها الخلل، يوم الجمعة، فيومها استيقظ قرب أذان الظهر، خرج من بيته، وسط ضجيج الشوارع ليلهو قليلاً مع أولاد الجيران، وبينما ينشغل باللعب، انشغلت والدته بتحضير الطعام، فيما استغرق والده فى متابعة سير المقهى الذى يمتلكه ومصنع الحلويات.
رويداً وببطء، اقتربت سيارة يكسوها اللون الأبيض من الطفل الصغير، ثم ما لبث أن زاد سائقها من سرعته، حتى وصل إلى جوار «عماد»، الذى لم يسمع شيئاً سوى كلمات لا يفهمها حتى الآن «روح هات الطوبة دى»، فما كاد الطفل يلتفت لمعرفة مصدر الصوت، حتى شعر بأيادٍ تتملكه من الخلف.. وضع أحدهم يده على فم الطفل الصغير فلم ينبس ببنت شفة، ظلّ صامتاً كاتماً لصراخه داخل جوفه، فيما لم يستغرق الأمر رمشة عين يرمشها مواطن، ليصبح الذى كان يلهو منذ ثوان، مكبل اليدين، ملقى فى المقعد الخلفى للسيارة، راقداً، يمسك أحد الأشخاص بذراعه ورأسه واضعاً شريطاً طبياً لاصقاً على فمه وغمامة حالت دون رؤيته لأشعة الشمس، والتى قاربت على إسدال ستارها، فيما ينشغل ثانى الأشخاص بتكبيل قدميه بواسطة قيود بلاستيكية، بينما ينشغل الثالث بقيادة السيارة، ووقتما يخرج الصوت المبحوح من داخل صدر المخطوف، حتى يلاقى رذاذاً من محلول يرشونه على فمه وداخل أنفه، ليلوذ بالصمت، دون فقدان للوعى.
طريق طويل، تسير فيه السيارة بسرعة فائقة، استخدم الطفل فطنته وذكاءه «أنا دلوقتى ع الطريق الدائرى».. الآن دق قلب «عماد» المتعَب الذى أيقن أنه أضحى مخطوفاً لا محالة، واضعاً كل تركيزه نصب موقفه ووضعه داخل تلك السيارة.. أكثر من ثلاثين دقيقة، لم يصدر «عماد» أى صوت، حتى حاول أحد الخاطفين، فك الغمامة من على عينيه، بعد كلمات من السائق «شوف الواد ده نام ولا لسه؟»، فيما انتهز صاحب ال 10 أعوام الفرصة من أجل اختلاس النظرات حول تلك السيارة وما تحويها، وما إن أزال الخاطف الغمامة، حتى تبين له أنه ما زال مستيقظاً، لتقع عينا الصغير على سلاح آلى أعلى دواسة السيارة.
كان يوم «عماد» الطبيعى يبدأ وينتهى داخل محل البقالة، حيث يساعد والدته، لكن أوقات فراغه كان يستغلها بقدر الإمكان فى الذهاب إلى كنيسة يوسف الصديق بالمرج، يدخر المال، ثم يذهب به صوب بيت الربّ يناجيه، يدعو له، يُشعل شمعة يتلألأ وجهه فى بريقها الأخاذ، يصرف أمواله فى شراء «القرابين» والتى هى عبارة عن مخبوزات معمولة داخل الكنيسة، يُؤثِر الطفل نفسه على تناولها، يعود إلى بيته محملاً بالعشرات منها، يوزعها على الفقراء والأهالى والجيران، طامعاً فى رضاء الله عليه، طامحاً فى أن يكون خادماً له، قسيساً داخل الكنيسة، فهذه هى أمنيته فى الحياة الدنيا.
مرت 30 دقيقة أخرى، السرعة الجنونية للسيارة على الطريق لم تشفع للوصول سريعاً إلى المكان المستهدف، لكن مكالمة هاتفية، بثت الرعب فى فؤاده، الذى تسارعت دقاته، لم ير الطفل شيئاً، لكنه سمع صوتاً يخرج من جهاز يبدو أنه لاسلكى، خاطب المتحدث المجهول السائق «إيه الأخبار؟»، ليرد عليه بصوت أجشّ «كله تمام.. إحنا دلوقتى بقى معانا 22 طفل مسيحى.. هنظبط الأمور فى الشقة وبعد كده هنسلمك البضاعة فى الشقة التانية».. قشعريرة انتابت جسد «عماد»، وخوفٌ تملّك منه، خرجت فى صورة دموع انسالت من عينيه، وصوت مبحوح من الحنجرة، لا يكاد يسمعه سوى الخاطفين، أزالوا اللاصقة من على فمه، فتحدث كذباً «أنا عندى القلب أبوس إيديكم شيلوا البتاعة دى من على بقى وأنا مش هتكلم»، قالها الطفل لرجال اقتنعوا بحديثه، فأزالوها مهددين «لو سمعنا صوتك هندبحك»، فيما راح يسأله السائق «معاك رقم أبوك ياض»، ليرد عليه بالنفى «لأ»، ليأتيه صوت الخاطف الثانى «ع العموم إحنا عارفينه»، لتسود الضحكات بقهقهة داخل السيارة.
قاربت الشمس على الأصيل، يتوارى ذلك القرص الذهبى خلف مساحة غير محدودة ممدودة إلى أبعد الأفق، فيما يتوارى الطفل عن عيون أسرته التى هو الرجل الوحيد فيها بعد والده.. صوت «تكتكات» خارجة من قداحة: «الظاهر إنهم بيولعوا سيجارة»، هذا ما جاء فى مخيلة الطفل، الذى سرعان ما حددت أنفه رائحتها الغريبة، كان دخان السيجارة غريباً، تخللت أنفه الصغير مروراً بحنجرته وصولاً لرئتيه الصغيرتين، ليتيقن أنها «حشيش».. «السيجارة هات وخد.. مش خد بس»، قالها السائق للقابض بين يديه بالسيجارة فيما رد عليه الآخر: «اصبر بس يا أحمد المصرى يا جنّ.. ده احنا هنلعب بالفلوس لعب»، فيما استمر «عماد» فى السعال المستمر دون أن يبالى به أحد، ليتطور سُعاله إلى بُكاء يتردد صداه داخل سيارة مغلقة النوافذ اللهم سوى نافذة السائق، لتأتيه الرحمة من الخاطفين فى النهاية على شكل سيل من السباب واللعان فى والده ووالدته وحتى عقيدته، تلاه ضرب بعصى خشبية صغيرة على يديه وعموده الفقرى، وما هى إلا بضع دقائق حتى توقفت السيارة، ترجل منها السائق فعرف «عماد» أنهم وصلوا أخيراً إلى المكان بعد قرابة ساعتين من الخطف، فيما صورة المسيح عيسى قابعة فى رأس الطفل الصغير لاهثة من أجل إنقاذه.
فى سُبات عميق، كان يغُط عم «عادل» فى نوم عميق، بعد متابعة لممتلكاته استمرت أكثر من 10 ساعات، لا أحد يُقلق منامه فى هذا البيت، لكنه فوجئ ب«سماح» ابنته تناديه «قوم يا بابا»، فتح جفونه بصعوبة، ثم ما لبث أن سألها فى صوت متقطع: «فيه إيه؟»، أجابته فى صوت مرجوف «مش لاقيين عماد!»، ليهب واقفاً من على السرير «يعنى إيه.. تلاقيه فى الشارع ولا عند عماته»، لتكرر عليه ابنته الجملة «بقول لك مش لاقيينه؟»، ترجل «عادل» وهو يزك على قدمه اليسرى طوال حياته بسبب مرض شلل الأطفال، فيما ارتفع السكر والضغط بعد مكالمات هاتفية أجراها لأقاربه لم ينتج عنها شىء ومحاولات للبحث المضنى عن فلذة كبده فى الشارع لم تأت بإجابة.
وقفت السيارة أمام أحد العقارات، فيما اقتاد الخاطفون «عماد» وهو مغمَّى العينين، مقيد اليدين، كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة مساء، ساعة ويتم تطبيق حظر التجوال، ما إن صعد الخاطفون درجات السلم، حتى استوقفهم أحد السكان فى الطابق السفلى «إنتو مين؟»، ليرد عليه أحدهم «إحنا ساكنين هنا»، ارتاب الساكن وعلى وجهه علامات الشكّ، فيما خرجت على إثر المشادة الكلامية سيدة فى الدور الثالث، أصابها الفضول لمعرفة ما يحدث، ليقع نظرها على الطفل «عماد» وهو مغمَّى العينين، سألتهم «مين اللى معاكم ده؟»، ليجيبها أحدهم «ده ابن أخويا»، لتعاوده السؤال «وعاملين ليه فيه كده»، ليرد عليها «أصله عيل شقى بيلعب كورة ووقع على عينيه.. مش قلت لك تبطّل لعب بقى.. وتستهدى بالله»، فيما اقتاد ثالثهم الطفل الذى التزم الصمت الدور الرابع ليبقيه فى الشقة واضعاً الشريط اللاصق على فمه، موجهاً إليه كلمات «لو سمعت صوتك هاطلع أدبحك»، ليتركه الخاطف وينضم لصديقيه فى إقناع السكان بأن كل شىء على ما يرام.
على ركبتيه جلس «عماد» محاولاً إدراك ما يحدث له، متذكراً تلك الجلسة مع أصدقاء والده فى إحدى ليالى مايو الحارة، وقتما سرد أمامه قصة خطف الأطفال التى انتشرت بعد الثورة، مسترجعاً تفاصيل تلك الواقعة التى كانت على أيدى مجهولين طلبوا من والده فدية دفعها كلها، ليتسلم طفله جثة هامدة ملقاة على الطريق الزراعى، وقتها فقط شعر «عماد» بملك الموت يقترب منه، فلن يرى أسرته مرة ثانية ولن يعاود الذهاب إلى الكنيسة.. حاول بقدر الإمكان فك قيوده، مستغلا انشغال الخاطفين الثلاثة فى التحدث مع الجيران لتبرير موقفهم، ساعده كفه الصغير، حركهما يميناً ويساراً، حتى انزلقا من القيد البلاستيكى، فحرر نفسه، أزال الغمامة من على عينيه، ليجد نفسه وحيداً بين 4 حوائط تحوى سريرين، حاول مسرعاً البحث عن باب الخروج، وجد 4 أبواب مغلقة، ثلاثة على يساره وآخر على اليمين، فتح أول الأبواب وثانيها فوجدهما مغلقين.. قطرات العرق تتصبب منه بقوة، فتح ثالث الأبواب فوجد بها سلاحاً آلياً وقطع مواسير حديدية.. اقترب من الباب الذى على يمينه، ففتحه بصعوبة، وجد درجات السلم، حمد ربه، ثم صعد إلى الدور الخامس، فهو آخر أدوار العمارة الفقيرة، وجد 4 شقق، منها ثلاثة بدا عليها الهجر لا يقطنها أحد، فيما طرق الباب الرابع بقوة، ليجد سيدة بشرتها سمراء، قصيرة القامة، استقبلته استقبال الفاتحين، خاطبته فى حنو، وعلامات الذعر على وجهه، فيما تنسال من على جبهته المحنية المنكسة، قطرات العرق بغزارة، أدخلته شقتها، احتمى بين جدرانها، فيما لم تمر دقائق معدودة على أصابع اليد، حتى فوجئت نفس السيدة بأحد يطرق الباب عليها يسألها عن طفل صغير، لكنها أجابته «مفيش حد عندى هنا».
العمارة لا يسكن فيها سوى أربعة من السكان، أقدمهم هى «أم زياد» تلك السيدة القاطنة بالدور الثالث، التى فوجئت بجارتها «دلال» فى الدور الأخير تطلبها عبر الهاتف تشرح لها وضع الطفل «عماد»، لتنتظر «أم زياد» حتى يذهب الخاطفون بعيداً عن شقتهم، وتصعد إلى الأعلى لتجلب الطفل، داخل شقتها وبين أولادها قضى «عماد» أكثر من ساعتين، فيما قامت السيدة بإجراء اتصال هاتفى بأحد أقاربها أمين شرطة، وصف لها كيف تتحرك فى الاتجاه الصحيح لإعادة الطفل المخطوف إلى أسرته.. «إنت تعرف رقم تليفون حد من أهلك»، أجابها الطفل «أيوه»، ثم أعطاها الرقم بعد أن اطمأن قلبه إليها، ثم بدأت فى الاتصال بوالده.
بين ضواحى منطقة المرج، تجول «عادل» لاهثاً باحثاً عن فلذة كبده الذى يحمل اسمه، وجد هاتفه يرن، فأجاب على «أم زياد» التى أخبرته «ابنك عندنا.. تعالى عشان تاخده»، شك الرجل الأربعينى فى الأمر واعتقد أنها واحدة من عصابة الخاطفين، وما لبث أن ذهب صوب قسم المرج، ليحرر محضراً، كلف رئيس قسم المباحث محمد رضوان، أحد الضباط بالذهاب مع «عادل» ومجاراة السيدة على أساس أنها أحد الخاطفين.. من المرج إلى 6 أكتوبر، ذهب الاثنان، فيما كلمات تخالج صدره: «أنا سمعت كتير عن اللى بيخطفوا.. وكنت مستحيل أصدق إنهم ممكن يرجعوا لى ابنى بسهولة».
دقت ساعة الحظر وتلتها أربع ساعات، اطمأنت «أم زياد» للطريق، اصطحبت زوجها الذى أمسك بيد الطفل «عماد»، بعد أن قضى ساعات فى يوم تجلت فيه معانى الوحدة الوطنية، فلا فرق بين مسيحى ومسلم وقت الأزمات، الجميع متكاتفون، أوقفت «توك توك» ثم أمرت قائده بالذهاب صوب قسم ثان 6 أكتوبر فى أسرع وقت «هديك اللى عاوزه»، السرعة التى سار بها سائق التوك توك، جعلته يصطدم بدون قصد بأحد مجندى الجيش، استوقفته المدرعة، تجمع حوله بقية المجندين، صرخ السائق بأعلى صوته «إحنا معانا عيل مخطوف»، تلك هى كلمة المرور التى لطّفت من الأجواء، وصل الجميع إلى القسم بأمان، اختلجت الطمأنينة فؤاد الطفل الصغير «عماد» طارده الحزن واليأس والخوف منه، تدمع عيناه وينخرط فى البكاء الشديد «أنا كان ممكن مشوفشى أبويا وأمى وإخواتى تانى»، فيما يوجه له ضابط بالقسم الأسئلة لمعرفة تفاصيل ما حدث، ليدلى الطفل بأقواله كاملة.
داخل غرفة بالدور الثانى بقسم شرطة أكتوبر، غطّ «عماد» فى نوم عميق، بعد ساعات حافلة، وجملة تتكرر فى أذنيه دوماً ولن ينساها كانت على لسان الخاطفين «إحنا دلوقتى معانا 22 طفل مسيحى»، فيما يسمع صوت والده وهو ينادى عليه «يا عماد»، يتخيل أنه حلم لكنها حقيقة واضحة، فالوالد لم يكن يصدق أن فلذة كبده على قيد الحياة، يفتح له الوالد ذراعيه، ليرتمى فيهما ذلك الجسد الصغير، يأمر ضابط القسم بتحويل الطفل إلى قسم المرج حتى يتسنى للوالد تسلمه من هناك، تنتهى الإجراءات، فيما تهللت أسارير أسرته، الذين استقبلوه برسم الصليب على أجسادهم شكرا لله، على عودة رجل البيت سالماً.
داخل قسم 6 أكتوبر، أكد العميد محمد الدرمللى مأمور القسم، أن قوة مكلفة من القسم تسلمت الطفل من مكان اختطافه، حيث مساكن عثمان العشوائية، فيما أكد الجيران فى العقار وأهالى المنطقة أنهم لم يشاهدوا سيارة شرطة واحدة منذ الثورة وحتى الآن تمشط المدينة، فيما ساعدنا أحد أمناء الشرطة بقسم المرج بحصر لعدد حالات الخطف للأطفال فى المنطقة والتى تعدت ال 30 حالة وأكد أمين الشرطة الذى فضل عدم ذكر اسمه «حالات الخطف عددها أكبر بكتير من المحاضر لأن اللى بيتخطف ابنه قليل ما بيبلغ عن اختفائه أو اختطافه خوفاً على حياته»، فى الوقت الذى ذهب فيه «عادل العمدة» برفقة فلذة كبده «عماد» للإدلاء بأقواله فى النيابة.
داخل شقة الخاطفين، تمكنت «الوطن» -بمساعدة الأهالى بعد فقدانها الأمل فى الشرطة- من الدخول، فوجدت الشقة مجهزة تماماً من أجهزة كهربائية وأنتريه وأسرّة، وصور فرح تخص مالك الشقة، الذى أكد الجيران أنه هو من يرتادها، اقتحمت المشهد «أم زياد» - السيدة القاطنة فى الدور الثالث: «من فترة كبيرة ومراته وعياله مش بشوفهم.. لكن هو بييجى علطول هو وأصحابه»، مشيرة إلى شرائط الأدوية الممنوعة الموجودة فى الشقة «أصله كان بيبرشم».
الأوراق المتناثرة فى أرجاء الشقة كان من بينها تصريحات للجيش قديمة للمدعو «حسين سعيد جابر» أثناء فترة تجنيده فى القوات المسلحة عام 2010، فضلاً عن أوراق أصلية لعقد زواجه، علاوة على مجموعة من شهادات الميلاد لأشقائه وشقيقاته، تدل على أنهم من سكان باب الشعرية، وزوجته من منطقة فيصل.
بعد 48 ساعة من حادث الاختطاف خرج الطفل مع شقيقته، لشراء بضاعة لمحل البقالة، لكن فور خروجه، اقتربت منه سيارة تاكسى بيضاء اللون، فتحت بابها الخلفى، وما لبث الطفل أن طرق المشهد رأسه، حتى تذكر واقعة اختطافه الأولى، فسارع بالجرى فى شوارع المرج القريبة من بيته، فيما ظلت السيارة تطارده، ولكن دون فائدة، بعد لجوئه لبيت أحد أعمامه للاختباء، فيما هرع والده بعد معرفة ما جرى إلى قسم المرج، فابنه هو الشاهد الوحيد فى القضية، ممسكاً فى يديه بورقة ممهور عليها رقم المحضر «6309 إدارى المرج بتاريخ 11 سبتمبر 2013»، ليتذكر كلمات رئيس المباحث «خليه قاعد فى البيت لحد لما الأمور تهدا»، موجها إليه سؤالاً «طيب وسعادتك مقبضتوش على الخاطفين»، لتأتيه الإجابة من الضابط المسئول ترجرج أركانه «مش ابنك فى حضنك.. خلاص.. هنقبض على مين»، فيما يصير الأهالى يبلغون عن فقدان أبنائهم لتضحى حياتهم رقماً على ورقة محضر لا أحد يحرك ساكناً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.