برجان بالطول نفسه، أحدهما يتزين بهلال والآخر يجمّله صليب، لم ينج أي منهما يومها من تلطيخ الدماء، قطع لحم متناثرة على الأشجار، وأخرى على الجدران، وثالثة تشبثت ببقايا السيارات المحترقة، رائحة الشواء تذيب الأنوف، عويل وصُراخ، دموع تنهمر كالسيل، جنون أصابهم، وتهدئة من حملة صُلبانهم، زوجة تبحث عن زوجها بين صفوف الرجال، أم ملهوفة على وليدها الذى غاب عن بصرها لوهلة، وفتاة انهارت أعصابها بعدما فقدت الأمل فى العثور على نصفها الثانى، وشاب يحدق فى وجوه الجميع بذهول بحثا عن رفيقه الذى هنأه بالعيد قبل لحظات.. عامان مرا ولم يزل الشهداء حاضرين، ليس بأرواحهم فحسب؛ ولكن بما تبقى من أجسادهم فى ذلك الصندوق الملفوف بقطعة من القطيفة حمراء اللون.. الصناديق الحمراء تملأ المكان، فهذه رفات «مار جرجس» وتلك تحمل بقايا «بطرس الرسول»، أما ذلك الصندوق فيحوى بين طياته رفات آخر شهداء كنيسة القديسين. يدخل القساوسة والكهنة يكتسون البياض، حاملين فى أيديهم صُلبانا كبيرة، يمرون بها وسط ضيوف الكنيسة، الأطفال شبوا بأجسادهم، قبلوا الصليب، ثم قبلوا أيديهم، مرددين الترانيم، فى الذكرى الثانية لتفجيرات كنيسة القديسين، الجميع يتبارز من أجل نيل المباركة، الكل يجتهد من أجل الدعاء، إلى جوار باب حديدى دخلوا كطوفان السيل، وقبل الذهاب إلى مكان الصلاة، توجهوا إلى مزار الشهداء، مرددين بصوت خافت لاهف: «اشفعوا فينا أمام عرض النعمة»، أمام ذلك الصندوق ذى القطيفة الحمراء، جلست سيدة مُسنة، بملابس الحداد مالت بجسدها المثقل بالآلام ولثمت ما تبقى من الراحلين، قبل أن تذرف عيناها دمعة وهى تنظر صوب صورة المسيح المصلوب. فى تمام الرابعة يحين الموعد، 30 سنة كاملة لم تغير عاداتهم غير أن القدر شاء أن يبعث لها برسالة، فاليوم الزوج لم يجلس معهم على مائدة الغداء، خرج من ورشة الكهرباء الخاصة به صوب الكنيسة ليقيم الشعائر، فى طريقه قابل «فوزى بخيت» ابنه البكرى «نادر»، وأوصاه «متجيبش حاجة وانت رايح لماما أنا هاجيب الحلويات عشان نحتفل كلنا»، لكنه لم يأت، تتذكر رفيقة دربه بأسى يوم الفاجعة، صوت «رعد» هو ما اعتقدته السيدة الخمسينية لحظة حدوث الانفجار الذى دوى قريبا من منزلها، قبل أن يأتيها خبر الصاعقة عبر الهاتف «هو حضرتك ليكى حد فى الكنيسة.. أصلها انضربت»، ألقت سماعة التليفون وهرعت وأولادها الثلاثة تبحث فى ذهول عن زوجها، لم تجد سوى ملاءات مرصوصة، إحداها تحوى رأسا مهشما وأخرى لأشلاء أشخاص مختلفين وثالثة لنصف جسد «طول عمرى بانهار قدام منظر الدم وقفت زى المجنونة مهما حد حكى ولا شاف فى التليفزيون ده ميجيش واحد فى الميه من اللى كان على الأرض»، الصرخات ظلت تطارد مسامعها حتى وجدوه داخل ثلاجة مستشفى الكنيسة وقت الفجر بعد ساعات من البحث عن مجهول وسط رفاق العيد، تربت أيادى النساء على كتف المرأة المكلومة بحنو فيما تهبط الدموع من عينها تلقائيا «محدش بيتنسى.. خرج وفضلنا مستنيينه بس مجاش»، تقترب بقلب دامٍ نحو صندوق الرفات محدثة حبيب روحها الذى لم يرحل مهما أقنعوها «لما باقرب من الصندوق باقول له صلى عشانى ده أنت شهيد عند ربك»، كل عيد لا تتغير الطقوس تحضر العائلة بالكامل إلى بيت «فوزى» لكنهم لم يأتوا يومها، غير أن جميع من يعرفه يؤكد أنه اتصل بهم محدثهم بكلمات واحدة «كل سنة وانتوا بخير.. تأمرونى بحاجة.. مع السلامة». «معقولة يا صموئيل.. انت خفيت بسرعة كده»، تقولها «يوستينا» بفرحة غامرة تملأ القلب، حاملة على يديها طفلتهما «ميرولا» -تلك القطة الصغيرة- لحظات الحلم الذى طالما راودها فى منامها لكنه لم يتحقق، بدا جليا أمام «رُفات» رفقاء زوجها «صموئيل» فى المذبحة.. جسد التهمته النيران، وشظايا تملأ نصفه الأسفل، وعى غير موجود، كلام غير ملفوظ، وأعين زائغة عاجزة عن تحديد الهوية، هكذا رقد «صموئيل» داخل أحد الأسرّة، الدموع تساقطت كالسيل من عينيها، خاطبته فلم يُجبها.. 20 يوما كانت الأصعب والأقسى على قلب تلك المرأة التى بلغت بالكاد عامها الثلاثين، كانت تحادثه وهو يسمعها على سرير المرض «متقلقش هتكون كويس والناس واقفة معاك.. صلى لربنا ومتخافش». دقت الساعة المتعبة، الأضواء فى خفوت، الجميع فى خشوع، يرفعون أكف الضراعة، يتوسلون، وينظرون بأعينهم صوب سقف الكنيسة، حيث صور السيد المسيح طفلا، بينما بدأ الأنبا «مقار فوزى»، راعى الكنيسة، فى ترانيمه، المصلون تدمع عيونهم عما اقترفوه من خطايا فى السنة القديمة، «أيها الرب إله القوات احفظ الكنيسة» وما إن جاءت كلمات «قدوس قدوس» حتى دوى الانفجار: «افتكرت نجفة وقعت على الأرض.. حصل هرج ومرج قلت لهم متخافوش.. بس لما نزلت تحت ربنا ما يوريك»، يقولها «الراعى» الذى فارق النوم عينيه لأيام، شعب الكنيسة كان خلية نحل يومها: «اللى بيجيب شنطة.. واللى بيشيل مُصاب.. واللى بيطلع بطاقة شخص ضاعت معالمه»، تسمر -الأب المسئول عن الكنيسة منذ 41 سنة- فى مكانه: «لو فكرت تعدى هتبقى بتدوس على بنى آدمين.. شوية أشلاء والدم مالى الحوش والرصيف».. «اللى بيموت له عيل مبيعرفش يعمل إيه وأنا مات لى 20 عيل». مجرد «بطارية موبايل» لم تزل تحتفظ بها «يوستينا» التى تتذكر تفاصيل المشهد كأنه وقع بالأمس.. خاطبها الزوج فى حنو وخفوت: «أنا جبت لك بطارية يا حبيبتى بدل اللى معاكى»، تقبلت منه هديته الرمزية، وطبعت قُبلة على جبينه، قبل أن يتركها تنشغل مع فلذة كبدهما «ميرولا» -التى لم تتعدّ الثانية من عمرها- بغرض الذهاب إلى والدته: «أصل موتور الميّه بايظ ولازم أصلحه»، حاولت أن تعدله عن قراره، إلا أنه لم يُلب نداءها: «مينفعشى السنة الجديدة تدخل عليهم وهما معندهمشى ميّه»، ذكرته زوجته بميعاد الذهاب إلى الكنيسة من أجل حضور احتفال رأس السنة، إلا أنه أكد لها «متقلقيش.. أنا هاخلص وجاى بسرعة».. الساعة دقت السابعة؛ تزينت الأم وابنتها بأجمل الثياب من أجل الذهاب إلى كنيسة القديسين المجاورة لمنزلهما، إلا أن طقوسهما تفرض عليهما فى ذلك اليوم الجلل أن يذهبا قبل ذلك إلى منزل «الجدة» من أجل الاحتفال الصغير ومبادلة التهانى.. مر الوقت كالبرق.. الليل اقترب من انتصافه، وكان على «يوستينا» وابنتها الذهاب للحاق بموعد القُداس، هاتفت «حبها الوحيد»: «إنت فين يا صموئيل.. إنت مش هتيجى ولا إيه.. أنا مش هينفع أروح البيت لوحدى بعد الساعة 12».. أجابها الزوج فى لهفة وعجلة من أمره: «أنا لسه مخلص الموتور دلوقتى.. هاروح أوصل السباك لحد بيته وبعد كده هاجى على طول.. متقلقيش».. عقارب الساعة أشارت إلى الثانية عشرة من منتصف ليل آخر أيام 2010، الأسارير متهللة، والابتسامة تملأ الوجوه، دقائق مرت كالساعات على يوستينا، التى شعرت أن زوجها داخل قاعة القداس، إلا أن الفاصل بين الرجال والنساء حال دون رؤيتها له.. «يارب ارحم».. أضفت سكينة على المكان رددها الحاضرون ولم يكملوها حتى تردد على آذان «يوستينا» صوت رجّ أعمدة «بيت الرب» بينما تسلل الخوف إلى فؤادها، ليطمأنهم «راعى الكنيسة»: «متخافوش»، الطبيبة البشرية طمأنها كلام «الأب»، وبعدها بثوان معدودة خرجت فى طريقها إلى البيت عبر الباب الخلفى للكنيسة القريب من منزلها، بينما قبضت بيديها على الهاتف تحاول الاتصال بزوجها إلا أنه «غير متاح»، شعرت ب«غُصة فى القلب» وهرولت مع المهرولين صوب الباب الحديدى الذى «تفسخ» بفعل القنبلة التى انفجرت فى المكان، احتضنت وليدتها وذهبت صوب «المنزل» للاطمئنان على زوجها: «كنت حاسة إنه فى البيت.. أكيد كان تعبان وراح ينام» وفؤادها مطمئن: «هوه وعدنى إنه جاى»، لكنها ما لبثت أن قذفت بجسدها داخل شقتها، فلم تجده، اتصلت بكل من تعرفه، إلا أن أحدا لم يُفدها شيئاً، فقدت الإدراك والقدرة على التفكير، وسارعت الخطى نحو مستشفى مارمرقس المجاور للكنيسة، أزالت من على الجثث ملاءاتها البيضاء المخلوطة بالدم، ومع كل وجه تكشفه ينبض قلبها بارتجاف، وبعد أن كادت تفارق الأمل فى الوصول، نصحها أحدهم «شوفيه فى قسم الحروق»، الحروق التى انتشرت فى الجسد، وأنبوب الأكسجين الموصول برئتيه وقف حائلا أمام نقله إلى أى مستشفى آخر.. «أى حركة غلط هتأثر على مجرى التنفس الصناعى»، هكذا قال لها «الطبيب»، إلا أنها لم تفقد الأمل فى علاجه، ذهبت إلى إنجلترا فى طائرة خاصة بدعم من مجموعة رجال أعمال أقباط، حاولوا شفاء العليل إلا أن الميكروبات قد توغلت داخل جسده، لتُصيبه بالتسمم الدموى، ليُقابل الرب، ذهبت بزوجها وعادت من دونه، مأساتها استمرت، حتى الأمان الذى كانت تشعر به قليلا راضية بقضاء الله، قد ذهب بعيدا: «وصلت المطار وكان يوم جمعة الغضب.. وكانت البلد كلها فوضى.. والسجون مفتوحة»، توسلت وانهمرت الدموع من عينيها حتى تورمت، تحاول مخاطبة المسئولين داخل مطار القاهرة: «شوفوا لى أى عربية عشان معايا جثة»، إلا أن أحدا لم ينصحها بالمغادرة، طوال أكثر من 24 ساعة وهى حبيسة إلى جوار نعش «شهيدها»، حتى جاءت السيارة أخيراً وحملوا الجثمان إلى الإسكندرية. تركض «ميرولا» الطفلة الجميلة داخل أركان الشقة، بينما تحاول «يوستينا» الوالدة أن تُخفف من شقاوتها، تفتح الطفلة الصغيرة أحضانها وتجرى صوب صورة كبيرة تتوسط «صالة» الشقة، تطبع على الصورة «قُبلة» ثم تخاطبه: «إنت فين يا بابا بقى.. أنا عاوزة ألعاب كتير»، بينما تخاطبها الأم بعين دامعة وقلب خائف: «قولي له يقف مع ماما ومايسيبهاش». توجهوا صوب المذبح، صور الشهداء تزين المكان، وترانيم «المسيح» تُسعد القلوب «كيف عبرت نفوسنا السيل الذى لا نهاية له»، فالرب معهم دائما، يمر حامل «الصندوق» أمام أمهات الشهداء، متجها نحو «الهيكل»؛ فيما تقع أعين الثكالى على ما تبقى من فلذات أكبادهن يتهافتن من أجل ملامسة الصندوق، قبل أن تستأذن عجوز، حامل الرفات، فى أن يذهب نحو أم شهيد مريضة تتمنى أن يصل لابنها ما تكابده منذ رحيله. مُسارعا الخطى نحو «مزار الشهداء» الذى يحوى بداخله رفات رفقائه: «كل يوم أول ما آجى لازم أزور الصندوق وأدعو إنهم يشفعوا لى عند الرب».. الندبات تملأ جسده السمين، وبرغم ذلك الابتسامة لا تفارق وجهه، فجسده ملك «الله» لا يخشى سواه، بابتسامته المعهودة يُقابل الداخل إلى أركان الكنيسة، ويودع الخارج منها متمنيا له «السلامة»، يطلقون عليه عم «مجدى» فهو حارسهم الأمين، منذ أكثر من 15 سنة وهو يرعى أمن «القديسين»، الألم قد عاوده مرة أخرى، يتحسس «بطنه»، ويتذكر: «وقت الحادثة الساعة 10 بالظبط فيه عربية وقفت على الناحية التانية كان شكلها غريب»، القداس أوشك على البدء، والليل اقترب من إعلان بداية عام جديد، الشموع تضىء المكان بالداخل، والأنوار وصورة «المسيح» تُزين حوائطها الخارجية، وقف الرجل الخمسينى وقتها عند البوابة الرئيسية: «كنت فاتح درفة واحدة بس»، وما إن انتهى القداس من مراسمه، حتى قام بفتح الدرفة الثانية بعد زحف الكثير من الأقباط الذين جاءوا متأخرين للحاق بالصلاة: «يدوبك بافتح الدرفة التانية.. حصل الانفجار»، وقع على الأرض وفى عقله قليل من الوعى والإدراك، نظر إلى بطنه فوجد أن إحدى الشظايا قد دخلت من ناحية اليمين وخرجت من الناحية الأخرى: «عملت عملية 6 ساعات.. شالوا لى 80 سم من الأمعاء».. بعد عامين من الفاجعة المريرة يشكر «الرب»: «دلوقتى أنا عندى إيمان أكتر من الأول.. طول ما انت مع ربنا مش هيسيبك». الجمعة انقضت وظل أحمد النجار واقفا يبيع الكتب الدينية أمام «فرشته» الملاصقة لمسجد شرق المدينة، انتهت صلاة العشاء ولم يزل الشاب العشرينى مكملا المسيرة ومع دقات الثانية عشرة ورغم حالة الصخب الدائرة بالمكان على وقع احتفال بعض الشباب القبطى بعيدهم أمام أبواب الكنيسة كانت عيناه تغالبها النوم، اتخذ كرسيه الخشبى واستند على باب المسجد وراح فى غفوة قبل أن يزعجه صوت «القنبلة» التى هشمت أبواب بيت الرحمن -من أثر الضغط- يضحك لأن البعض يتعامل معه كمتشدد لمجرد أنه ملتحٍ، يردد الأحاديث التى يحفظ أجزاء منها بحكم اطلاعه على بضاعته «الرسول له حديث بيقول فيه هلك المتنطعون.. بيتكلم عن المتشددين فى غير مواضع الشدة.. اللى ميعرفوش إن الإسلام دين يسر»، سبع سنوات قضاها «أحمد» داخل الشارع لم يفكر يوما أن يؤذى قبطيا «كل واحد له حرية العبادة، الناس كانت جايه تحتفل وأنا مؤمن بأن لكم دينكم ولى دينى»، قطع صغيرة من القطن يسد بها صاحب «الكتب الدينية» أذنيه منذ الحادث بفعل الالتهابات التى أصابتها، أصوات الصراخ التى خلعت فؤاده يحكيها بوجه حزين «أول ما حصل الانفجار قمت مفزوع، قعدت ربع ساعة مش فاهم حاجة.. كان مشهدا مرعبا»، لم يفكر ساعتها فى فرق العقيدة فالمشهد جلل طغت فيه الإنسانية على كل كيانه «حسيت إن ده ظلم.. دول ناس أبرياء ومسالمين ولو اللى عمل كده مسلمين فأنا مظنش إن ده من الإسلام.. والرسول بيقول من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة». أنبوبة خشب وُضع بداخلها ما تبقى من جثامين الشهداء: «لما القنبلة انفجرت، الأشلاء بقت على الحيطان والشجر اللى بره»، يقولها الأنبا «مقار» الذى تطوع بجمع الأشلاء مع شباب الكنيسة ليتم وضعها داخل ذلك الصندوق تخليداً لأرواحهم الطاهرة كبقية الشهداء الموضوعة جثامينهم فى فتارين زجاجية بالكنيسة «موجود هنا بقايا رفات الشهيد مار مرقس ومارجرجس وشهداء كتير ضحوا عشان دينهم واللى ماتوا فى الحادثة مش أقل منهم». «ما تخديش فى بالك يا مدام دى تلاقيها ألعاب نارية من بتاعة الكريسماس»، بضحكة رد ضابط الشرطة حين هاتفته «مى عبدالمنعم» بعد سماعها دوى الانفجار بلحظات، قبل أن يتحول صوت محدثها لحالة أقرب إلى الذعر «أقفلى يا مدام البلاغات وصلت.. فيه تفجير فى القديسين».. 300 متر فقط هو ما يفصل منزل السيدة الأربعينية عن الكنيسة، التى هرعت وبقية جيرانها صوب المكان، نيران مشتعلة فى المبنى والأجساد ورائحة دم لا تزال تُذكرها بالمشهد، وإسعاف حضر بعد نصف ساعة كاملة «ساعتها عرفت إن حكومتنا بتموّت شعبها». لم تتخط أعمارهما الحادية عشرة، ملا الوقوف بالكنيسة فقررا أن يرحلا، غير أن ثوانى أبقتهما على قيد الحياة، الساعة تدق الثانية عشرة والربع، وبيشوى سامى الطفل الصغير دخل لتوه من باب الكنيسة بعدما اشترى كارت شحن لشقيقته الكبرى قبل أن يبلغها وهو يجرى بخروجه مع أصدقائه، دقائق حاول فيها الصغير بكل عزمه أن يتخطى التكدس الكبير على سلالم المكان دون جدوى، قبل أن يسقط مع من سقطوا على أثر الانفجار، لم تصبهم سوى حبات الزجاج المكسور.. على بعد خطوات ينظر «رامز ملاك» صديق «بيشوى» المقرب، نحو صندوق الرفات الذى يحوى بقايا رفيقه «بيتر» من ظل فى انتظاره على باب الكنيسة، غير أن قريبا له استوقفه للحظات كان الانفجار قد حصد فيها روح «بيتر» يوم العيد.