برلمانية: تكليفات الرئيس للحكومة الجديدة واضحة لاستكمال مسار الإصلاح    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    محافظ الغربية يتابع الإقبال على تقديم طلبات التصالح فى مخالفات البناء بقطور    تذكرة الطيران ب48 ألف جنيه.. برلماني ينتقد الحكومة لعدم تحديد أولويات الإنفاق    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    رئيس المكسيك المنتهية ولايته يهنئ كلوديا شينباوم على فوزها بالانتخابات    قطر تدين محاولة الاحتلال الصهيوني تصنيف "الأونروا" منظمة إرهابية    روسيا :كشف عملاء للمخابرات الأوكرانية يعدون لهجمات ضد أسطول البحر الأسود    بعد الثلاثية.. الأهلي يكرم فريق سيدات الطائرة    الإصابة الثانية.. منتخب إيطاليا يعلن استبعاد مدافع أتالانتا قبل يورو 2024    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الإسماعيلية يعتمد بروتوكول تعاون بين المديريات استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    تعديل تركيب وامتداد مسير عدد من القطارات على خط «القاهرة / الإسماعيلية»والعكس بدءًا من السبت المقبل    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    جامعة كفر الشيخ تتسلم شهادة رخصة مركز تدريب معتمد من المجلس الأعلي للجامعات    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    تعرف على موعد حفل زفاف جميلة عوض على المونتير أحمد حافظ (خاص)    شاهد.. مجدي أفشة: أنا أفضل لاعب في مصر.. والقاضية ظلمتني    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    الرئيس الأوكراني يشكر الفلبين لدعم قمة السلام في سويسرا    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    مرصد الأزهر: الحفاظ على عقول الأفراد من الانحراف أحد أهم مقاصد الشريعة    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجندى غير المجهول (2-4)
نشر في الوطن يوم 07 - 10 - 2013

صوت انفجار كاسح دوى فجأة، فكتم صوت المدافع وامتلأ الجو بالغبار. شعرت أن رجلى أثقل من الجبل، تحسستها حتى وصلت يدى إلى ركبتى ثم انزلقت إلى التراب، وندت عنى آهة لم أعرف كنهها. لم أبك ولم أضحك ولم أصرخ بل وجمت، وتطلعت هناك فى القريب المكدر بذرات الرمل والدخان، فإذا بشبح صغير يتجلى مع رحيل الغبش حتى ظهر بوضوح.
كنت أنت يا «شعبان» تعافر حتى اعتدلت وملت نحوى وكشفت عن جرحى. شدة الحزن لم تفسح للدموع الأبواب فتحجر الألم فى عينيك. جثوت على ركبتيك ورحت تقبل قدمى المقطوعة. احتضنتها كأنها وليدك وذاب صمتك فى صمت المكان، الذى كان منذ دقائق مليئا باللغط. نداءات حماسية وحكايات وتعليمات. ها هو صار مواتاً. أشلاء ملتصقة ببقايا المدافع، ودماء برقشت الرمال.
لم يبق سوانا.. أنا عاجز جريح وأنت مزقتك الفجيعة. كنا نلهث والعطش يحرق جوفينا. الزمزمية الوحيدة التى كنا نتقاسم رشفاتها انتهت قبل الضربة إلى الجندى محمود السيد. هرولت يا «شعبان» نحو الدشمة المنهارة وفتشت عن «محمود»، ولأول مرة يمزق صراخك صمت الموت.. آهة زاعقة دفعتنى للزحف نحوك، كنت مغمض العينين تحاول أن تنزع الزمزمية من صميم قلب «محمود» وهو مطروح على ظهره، مشروخ لنصفين، والزمزمية مغروسة فى اللحم.
الفوهة تستقبل بعض الدماء المتسرسبة، غمست يدك فى الصدر المبتور ودفعتها من بين شظايا العظم.
قربت منى الماء الدم، كان ساخناً مملحاً، ارتشفت قطرات ورددتها إليك، لكنك كنت مشغولاً بتمزيق جاكتة أفرولك، مزعتها ثلاثة أجزاء وربطت رجلى. تبكى وتضغط لتمنع تدفق الدم. لم يتجلط فخلعت فانلتك الداخلية وربطت رباطاً جديداً ولففت الباقى فربما يحتاج الجرح إلى ضمادات أخرى. استجمعت كل قوتك وأنا أساعدك، رفعتنى عن الأرض، تساندت عليك وصارت لى ثلاث أقدام تغالب وعورة الصحراء.
***
تبتلعنا الوهاد إلى ربا جبل «كسفريت» وشمس الضحى تفضح خطانا صوب الغرب. جؤارى المكتوم يذبحك يا «شعبان» ويسكب دموعك مدراراً. تتقاطر على الرمل وتخالط دمى المفسوح. تربت عجزى فيزداد إصرارى على السير.
ها هى الجثث منثورة على التراب، عشرات فى تتابع. بيادات تحتضن أقداماً منفصلة عن أجسادها. أجساد انشطرت وفقدت هويتها تماماً. رؤوس تبحث عن أجسام لتلتئم. أيادٍ مقطوعة منكسة، مفرودة على الحصى والرمل، أو مقبوضة تعض على الرغبة فى الحياة، أو تمسك جزءاً من سلاح. علب أغذية محفوظة مبعثرة يميناً ويساراً. أجزاء من بنادق ومدافع وجنازير دبابات وأسلاك شائكة وأجهزة إشارية ترقب الخواء. فوارغ ذخيرة ورصاص يبحث عن مقاتل.
ما جعلنا ننتحب بحرقة فهى تلك اليد المقطوعة المحزمة بساعة مذهبة، مقبوضة إلا إصبع السبابة كانت ممدودة على آخرها، تشكل الحرف الأخير من الكلمة المحفورة على سطح الرمل الأملس. كلمة ينقصها حرف فكانت هى حرفها، تتدلى الإصبع فتصبح راء، تلتحق بالألف واللام والثاء والألف الأخيرة المهموزة.
وقرأت يا «شعبان» وأنت تتلعثم «الثأر» وملت أنا على الرمال فرفعت الإصبع وأضفت الحرف الناقص، ثم أتبعته بكلمة «قريب». وقرأنا سويا:
«الثأر قريب»..
نهضنا محملين بحمية جعلتنا نعض على نواجذنا فى غيظ. أدرنا عنقينا إلى الشرق حيث مياه البحيرات المرة، بدت كندف ثلج مختلفة وسط اصفرار المدى.
رحنا نستحث الخطى متسلقين ثنيات الصخر بحثاً عن مكان فى العراء. حلقانا عصوان تلهبان قدرتنا على السير. كانت شفتاك يا «شعبان» مقددتين بظمأ قاسٍ، ارتسم على سمار وجهك، وبدا فى لهاثك الجاف وأنت تساعدنى على تجاوز حجر امتشق يعترض خطانا الوئيدة.
من ضحى إلى ظهر أدخلنا فى عصر كسير، راح يتداعى ويلقى فى الغرب جمرة نازفة لشمس تطاردها فحمة الليل، تسقط وتسود كل الطرق المؤدية للهروب.
رجلى فى فم كلب مسعور، أحبس الصراخ خوفاً من أن يحمله سكون الليل إلى آذان الأعداء، فتخرج أنات متقطعة تذوب فى فوارغ الليل والصحراء. لم نعد نسمع سوى نباح الكلاب الضالة الهاربة بعد تدمير الكتائب الأمامية، بين الحين والآخر نسمع أصواتها وهى تقفز صوب الغرب، تجرى وتسبقنا، وتصبح سرعتها وحريتها حلماً لا نطاوله.
انتهينا إلى أخدود غائر بين صخرتين عاليتين، ودلفنا إلى الداخل وأسندنا ظهرينا المكدودين على أشواك الصخر المتراصة فى تتابع عشوائى. تولد الصرخات وتموت وتتوهج ألسنة اللهب المبعثرة ثم تخبو فى المدى..
- شعبان..
- أفندم..
- اذهب أنت وانجُ بنفسك. أنا لن أستطيع إكمال الطريق.
- لا يمكن أبداً..
- سيلحقنا جنود العدو، وليمت واحد فقط..
- نموت سوياً..
- المسافة طويلة وسيطلع النهار علينا ونكون صيداً سهلاً.
- سنحاول أن نسرع..
- دعنى واذهب.. أرجوك..
- سنذهب سوياً..
(نكمل غداً إن شاء الله تعالى).
مقالات متعلقة:
الجندى غير المجهول (1-4)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.