كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة صباحا، وأنا أجلس بين 7 اشخاص ملثمين، في منطقة صحراوية بوسط سيناء، حول نيران مشتعلة فى اغصان جافة، تتراقص ظلالها على 3 سيارات دفع رباعي من طراز "تويوتا بيك أب" تقف بالقرب من مجلسنا. أحدهم كان يبدو القائد من طريقة تعامله مع باقي المجموعة، طلب من أن أناديه باسم "سلامة"، موضحا لى أن هذا ليس اسمه الحقيقي. وافق سلامة على أن يصطحبني معهم بينما يتسلمون أسلحة مهربة، وقال إنها "لدعم المقاومة فى فلسطين". كان يرتدي زيا عسكريا، فوقه سترة مضادة للرصاص، ويغطى وجهه بقناع أسود لا يكشف سوي عينيه وفمه، يحمل بندقية من طراز "فال" مجهزة بمنظار ليزر للقنص، ويضع فى جانبه مسدسا من طراز جلوك 17، بالإضافة إلى بعض قنابل يدوية، يطلق عليها اسم "ليمونة"، وجهاز لاسلكي من طراز "موتورولا" فضلا عن هاتف "الثريا"، وحوله 5 من الملثمين يحملون بنادق كلاشينكوف، وملثم اخر يحمل "آر بي جي". أخبرني "سلامة"، أن شحنة الأسلحة قادمة من ليبيا، وتحتوي على 400 بندقية قتالية من طراز أم 16 الأمريكية، و 4 مدافع رشاشة من طراز "دوشكا عيار 750"، التي تستخدم كمضاد للطائرات الهليوكبتر وفي الحروب البرية، و200 صندوق رصاص مدفع 14.5، وأنها استغرقت 12 يوما منذ أن خرجت من ليبيا لتصل إلى سيناء، مضيفا أن الأسلحة ستتجه بعد ذلك إلى فصائل المقاومة في قطاع غزة عن طريق الأنفاق. حول النار، بدأ سلامة يتحدث لى عن بداية عمليات تهريب السلاح في عام 2000، عندما كان الأمر يقتصر على بنادق الكلاشينكوف والذخيرة القادمة من الصعيد إلى سيناء، لنقلها للمقاومة الفلسطينية، وتغير الوضع بعد ذلك في 2002، واستبدلت الاردن بالصعيد عن طريق العقبة، وبنادق إم 16 بالكلاشينكوف، ونقلها ب "لنشات" إلى منطقة بين مدينتي طابا ونويبع فى جنوبسيناء، وشحنها بسيارات "تويوتا" إلى مناطق مثل: رأس النقب والكونتلا والحسنة والقسيمة بوسط سيناء، ومنها إلى المناطق الحدودية شمالا، تمهيدا لنقلها إلى المقاومة في قطاع غزة، عبر أنفاق صغيرة، من داخل بعض منازل رفح المصرية إلى رفح الفلسطينية. ولكن إسرائيل كشفت هذا الطريق وقصفت "لنشات" التهريب في عرض البحر. كان ضرب خط العقبة، سببا فى البحث عن طرق بديلة، كما أكد سلامة، وحدث هذا عن طريق نقل الأسلحة من اليمن إلى السودان، عبر البحر ونقلها بعد ذلك إلى منطقة حلايب الحدودية، بواسطة افراد من قبيلة سودانية تدعي "الرشايدة"، ليتولى عدد من العربان نقلها إلى مدينة السويس، حيث يتسلمها ابناء قبائل بدوية، وتنقلها بمراكب صغيرة "حواسيك" عبر قناة السويس، وتصل في الجانب الآخر لمهربين في سيناء، ينقلونها عبر طرق وعرة فى وسط سيناء إلى مخازن، تمهيدا لنقلها إلى غزة. وأشار سلامة إلى طريق آخر لتهريب السلاح، برشوة أفراد من القوات الموجودة على كوبري السلام، وتهريب الأسلحة، وسط بضائع أو شاحنات تحمل "غلة أو برسيم" إلى داخل سيناء، وكانت عمليات التهريب، قاصرة على الأسلحة الخفيفة، حتى سقط القذافي في ليبيا، وفتح الباب لتهريب الأسلحة الثقيلة، التي تشمل صواريخ مضادة للطائرات. وشرح سلامة، طريق تهريب الأسلحة من ليبيا عبر الحدود إلى الضبعة بمحافظة مرسى مطروح، ونقلها بعد ذلك عبر الطرق الصحراوية الى العامرية بالإسكندرية، وصولا إلى السويس أو القنطرة غرب، لينقل السلاح إلى سيناء داخل سيارات إسعاف أو شاحنات بضائع، من خلال كوبري السلام أو نفق الشهيد أحمد حمدي. عند الثالثة صباحا، تلقى سلامة اتصالا باقتراب شحنة الأسلحة، لنركب السيارات وتتحرك قافلة صغيرة من 3 سيارات في وسط طرق الصحراء الوعرة، لمدة 45 دقيقة، قبل ظهور 3 سيارات "تويوتا كروز" تقابلنا، وتقف على مسافة قريبة منا، وتتبادل السيارات إشارات ضوئية، لينزل الجميع. حذرني مرافقي من الحديث امام الاشخاص الستة، الذين نزلوا من السيارات، حاملين بنادق "فال"، تحدث أحدهم بلهجة بدوية تختلف عن اللهجات المتعارف عليها فى سيناء، وفتح آخر، سياراتهم من الخلف، لتظهر صناديق خضراء خشبية طويلة مدون عليها أرقام انجليزية في السيارة الأولي، و 4 حوامل حديدية، و4 أجسام حديدية بماسورة كبيرة، تنبعث منها رائحة بارود وزيت في السيارة الثانية، وكانت الاخيرة تحمل صناديق زيتية اللون صغيرة، مدون عليها أرقام وكلمات انجليزية. اخرج مرافقي خنجر، وفتح أحدها، ليظهر رصاص كبير الحجم داخلها. وهنا اشار لي لنعود إلى سياراتنا، وتنطلق السيارات الستة من جديد في قلب الصحراء، إلى جهة غير معلومة، على الاقل لي. بعد ساعة من السير في الصحراء، وصلنا الى مكان به بناء يبدو قديما ومهجور، به غرفة مليئة بالقش، استعداد لنقل الصناديق إليها، ولكن رحلتي كانت انتهت عند هذا الحد كما أبلغني سلامة قائلا: "سيأتي شخص لتوصيلك حتى العريش"، وهو ما حدث بالفعل، عندما رافقني شاب عشريني العمر في سيارة بيضاء اللون دون لوحات معدنية إلى مدينة العريش. الأسلحة باتت في متناول الجميع داخل سيناء بعد الثورة في مصر وليبيا كما أكد ل"الوطن" تاجر سلاح فى سيناء - رفض ذكر اسمه- مشيرا لانخفاض أسعارها، "البندقية الكلاشنكوف الروسي تباع ب 12 ألف جنيه، و "إم 16" سعرها 25 ألف جنيه، والبندقية الفال 15 ألف جنيه، وبالنسبة للصواريخ، المضاد للطيران 750 ب 70 ألف جنيه، والمضاد للطيران 500 ب 50 ألف جنيه، وقاذفة المدرعات "آر بي جي" 20 ألف جنيه، وسعر قذيفتها ألف جنيه، والقنبلة اليدوية ب 100 جنيه، ومسدس جلوك 17 ب 20 ألف جنيه، والقنبلة المسيلة للدموع 100 جنيه. الدكتور عبدالرحمن الشوربجي، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة، بدائرة شمال سيناء، يري أن مساعدة قطاع غزة بالأسلحة عمل وطني من الدرجة الأولى، لكن الخطورة حسب قوله في وجود السلاح مع الجميع بسيناء، وهو ما يختلف معه ناصر أبوعكر، من عائلة العكور بشمال سيناء، لافتا إلى أن السلاح في يد أهالى سيناء بمثابة تأمين للممتلكات والأرواح في ظل غياب الأمن. ويضيف سعيد اعتيق، ناشط سيناوي وعضو ائتلاف شباب الثورة، أن وجود السلاح في سيناء واجب شرعي، في ظل قيود اتفاقية كامب ديفيد، لصد أي هجوم إسرائيلي على سيناء. وطالب سلامة الرقيعي، عضو مجلس الشعب عن حزب الإصلاح والتنمية بدائرة شمال سيناء، بتسهيل إجراءات ترخيص السلاح في سيناء، لتقنين الأمر ووضعه تحت أنظار الحكومة.