قبضة اليد اليمنى وأصابع اليسرى رصيدهم فى الحياة، فهما الميزان الحساس الذى يغنيهم عن الآلات الحديثة التى يرفضون العمل بها، حياتهم أشبه بالتراث الذى توقفت عنده آلة الزمن منذ حوالى قرن: بسيطة.. هادئة. الفرق فى الموهبة بينهم وبين مشاهير النحاتين وصناع التماثيل يكاد يختفى، لكنه يعود للظهور جليا مرة أخرى إذا ما دخلت إلى حيز المقارنة الظروف المعيشية، فالأجر الذى يتقاضاه «الفواخرجى» عن عمله طوال اليوم كفيل بأن يضعه على رأس قائمة المعدومين. تعتبر «بطن البقرة» بمصر القديمة من أكثر المناطق شهرة فى صناعة الفخار فى مصر، حيث رفضت طمث تراثها الذى اشتهرت به لسنوات طويلة واستمر أبناؤها فى ممارسة مهنة أجدادهم، وعلى الرغم من تمسكهم بالعمل بها، فإنها لم تسلم من مضايقات النظام السابق، فصدر قرارا بتحويل منطقة مصانع الفخار بها إلى «قرية الفخار» وقامت محافظة القاهرة بهدم جميع المصانع تمهيدا لإنشاء القرية، وبالفعل تم وضع البنية الأساسية للسور الخارجى للقرية منذ 7 سنوات، إلا أنه لم يتم توصيل المرافق والخدمات إليها حتى الآن، وهو ما أثر فعليا على أرباب هذه المهنة وعلى الحرفة ذاتها، بسبب قلة عدد المصانع وعزوف الأطفال عن تعلمها، وحذفها من مناهج التعليم فى مراحله المختلفة، بعد أن كان النحت على الصلصال من المواد الرئيسية فى الحصص الدراسية لسنوات قليلة مضت. حياة الفواخرجى، كما يصفها محمد محروس -صنايعى- يجب أن تنقطع لمهنته خاصة أن يومه ينقضى وهو جالس على «الطبلية» التى يشكل عليها منتجاته، وتكون عبارة عن قطعة خشب مكونة من قاعدة خشبية وعمود حديدى، ولا يشارك وجوده فى الورشة سوى مساعده ويكون طفلا صغيرا. المجهود البدنى الذى يبذله الفواخرجى يزيد كثيرا عما يقوم به غيره بسبب بدائية الآلة التى يعمل عليها والتى تتطلب منه أن يحركها بقدمه طوال فترة عمله، وبالرغم من ذلك يرفض جميع العاملين بالمهنة استخدام الآلات الحديثة «لأنها خفيفة ومابتظبطش الشغل»، وعلى الرغم من كثرة المجهود الذى يبذله العاملون، فإن عائدها المادى ضعيف جدا ولا يكفى لسد احتياجاتهم اليومية بسبب رخص أسعار المنتجات وتفضيل الزبائن للصناعات البلاستيكية والمعدنية عليها بجانب خوف البعض من عدم صحية استخدام المنتجات الفخارية بسبب طبيعة المواد الأساسية التى تدخل فى الصناعة. المهندس نادر محروس، صاحب أحد المصانع، قال: مهنة الفواخرجى ترجع جذورها إلى أيام الفراعنة حيث كانوا يعتمدون عليها بشكل أساسى فى صنع أدواتهم المنزلية وكانت منتجاتهم تتميز بالابتكار والإبداع، وكانت منازلهم يوجد بها أفران النار وأحواض المياه والطين الأسوانى الذى يلزم لصنع ما تحتاجه منازلهم من أساسيات. وأضاف: مصر بها 152 مصنعا، كل واحد منها يعمل به ما يقرب من 35 عاملا، كلهم مهددون بالتوقف عن العمل بسبب مشروع القرية الفخارية التى لم يصل إليها أى خدمات منذ البدء فيها من 7 سنوات، بالإضافه لهروب الأطفال من تعلمها بسبب قلة عائدها المادى والمجهود البدنى الكبير الذى تحتاج إليه.